يا وحشة غيابِك ...
وأنت معي ..
وبعدك ..
وإلى الآن .. وما بعد الآن ..
يا لأتساع الأفق الممتد منك أمامك ..
على مدّ البصر ..
يرتاح خيالك في سماوات الدواخل ..
كشمس الشروق وشفق المغيب
وكل هذه المدة.. وفي نفس المكان ..
أعيش ذات لحظة اللقيا الخالدة
نفس المكان وعين الزمان ..
لا زال يسكن فيني هيامك ..
يا لشوقي إليك ....
كيف كنتُ .. وكيف أنا الآن؟
كنتُ ملِكْ زماني..
أملك الدنيا..
قمة في جبل السعادة ...أختال كما الطاوؤس .. نافشا ريش الألفة ..
نشوة حد الثمالة ..
كانت بسمة منك .. تكفيني زادا ليومي
أرمي بكل تعب الكون خلفي ..
فقط ابتسامة .. تموسق جُل يومي..
تضبط خطاوي الروح ..
تدوزن الكيف والمزاج ..
تهدهد جدران الكيان
تهدهد.... ليالي سهري الطوال ..
تختزل كل أيامي العصيبة ..
تجعل كل أوراق الروزنامة عيد
تخلي كل شرْبة ماء نخْب ... ( و في صحة هوانا ..)..
تمسح من تجاويف ذاكرتي كل الغضب ..
ينزاح كل التعب ..
وتنزاح كل القساوة .. كل الغشاوة ..
كنتِ طوق النجاة .. ودعوة صلاة ..
هل عرفتِ كيف كنتِ ؟ وماذا كنت؟
ثم .....
ويا ويل قلب العِشِق من ثُمَّ
ويا لحسرة مركب الأفراح عندما تتهادى عمياء صوب المصير ..
(ليه الفرح زى رمشة جفن .... ؟)
الغريب في الأمر ... كان لدي إحساس دفين : بأن سعادتي فوق طاقتي .. وفوق احتمالي
وفوق طاقة أي من جنس البشر ..
سعادة غير عادية .. إنه الهدوء الذي يسبق العاصفة ..
أمان يأتي بعده كل الخطر ...
سعادة بطعم كل الفصول ..
يهب نسيمها من كل صوب ومن كل اتجاه ..
فرح كاسح كما النيل في غمرة فيضانه..
فرح كما هرولة سحاب يعدو أمام الريح ..
فرح كما ومضة بَرق
وأحكي للناس .. وأحكي مبهورا
( لم لا ؟ فأنا يتيم قبيلة العِشق .. وأنت كعكة هواي ..)
ندمتُ لأني لم أخبؤك في صدفة دواخلي .. ونزلت بك أعمق أعماق البحار ...
ندمت لأني لم أهاجر بك لواحة نائية ..
كان سيكفيني منك طيبة قلبك زادا طول العمر ..
كانت ستكفيني ابتسامة ... تعريشة من كل الهجير ..
( شفتي إزاي ؟ )
وحشة غيابك .. والآن بعد طول الزمن ..
وبعد أن ارتويت من بحر الحُزُن .... أحس لغيابك طعم آخر ...
طعم أجترحته من شدة شوقي
جمَّعْتَ كل ألوان طيف الاشتياق .. رسمْتَ لوحة من وحْى السهاد
فعندما أحزن أستدعي جملتك المعهودة مش قلنا بلاش نكد؟ )
ويروح كل الأسى .. يتلاشى كل الكَدَر ..
أتعايش الآن مع هكذا إحساس ..
وعندما أغوص في ذكراك وأنبش دفتر أيامنا الخوالي ..
تأتي صورتك وأنت ضاحكة مستبشرة ..
هاشة كعادتك .. وباشة رغم الألم ..
بَعدك ..
كنت أتحاشى الاستماع لأي أغنية كنتِ تسمعينها معي ..
هل تذكرين ؟ : (اللي شفتو قبل ما تشوفك عيني .. إزاى يحسبوهو الناس عليَّ ؟)
هنا كنت تقولين : كأني أعرفك من زمان ..
وتدمع عيناك ..
وأسألك : ما بك ؟
فتتحاشين نظراتي حتى لا أرى دموعك.
كل هذه الأغاني كنتُ قد بدأتُ تحاشي الاستماع إليها.
ولكن الآن أسمعها بشكل مختلف، وكأنك معي، بقربي.
بالفعل تكونين قربي ... هل تصدقين ذلك ؟
نفس الحكاوي ..
وكل كلمة وكل حرف تجسد وجودك ..
كل أنَّة آلة كمان ... تدلق داخل روحي مطرا غزيرا من حنانك ذاك الذي كان منهمرا..
وفي كل إيقاع ... أسمع نبضات قلبك المترع عِشِقا ..
ولكن ...
لا زلت أخاف أن أجلس وحدي، أو مع ذكراك المجيدة في هجدة الليل
وأحس بغيابك الموحش .. وترجع حزمة الأحزان
وتنْفَتِح طاقة الحسرات ..
وأتوه .. في عوالم أخرى لا قرار لها.
(شايفة كيف عامل فيني الغياب ؟)
يا وحشة غيابك ..
***
أما بعد يا أهل صدفة ...
المشاعر أعلاه كانت تعتريني في الأيام الفائتة ... ثم عدتُ اليوم لتشاركوني وحشة الغياب وأُنس الإياب ..