دور المسجد في الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فقد نشأت مكانة المسجد وترعرعت في قلوب المسلمين منذ عهد النبوة، حيث كان مصدر النور والعلم والبصيرة والعزة للإسلام والمسلمين؛
فأعلى بذلك شأن المساجد، ورفع قدرها، فقد كانت الخيرات التي سطرتها أقلام المؤرخين للإسلام والمسلمين منطلقًا من مهدها ومن بين أروقتها، وكانت لبنتها اجتماعًا في تلك المساجد، وتمسكًا وإيمانًا بدورها، ولما أيقن المسلمون بهذا الدور الريادي للمسجد جنوا ثماره عزًّا وتقدمًا ورفعة وتمكينًا، فكانت رياضًا رحبة لنشر العلم وتعلم الوحي، ومكانًا فسيحًا لأبناء المسلمين يتعلمون فيها أمور دينهم ويحفظون كتاب ربهم، ومنطلقًا لجيل قوي بعزيمته، راسخ بإيمانه، وللجيوش الفاتحة والسرايا المبعوثة، ولا أدل على عظيم مكانة المسجد ومعرفة المسلمين الأوائل أن لا طريق لإعلاء دينهم الذي هو مصدر عزهم، إلا انطلاقا منه، من أن أول ما بدأ به النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما حل بأرض الهجرة النبوية بناء المسجد وجعله مصدرًا للدعوة ومنبعًا لها وموردًا للصحابة -رضي الله عنهم- للجلوس معه -عليه الصلاة والسلام- لتعلم أمور دينهم، وعندما رسخت هذه المعاني في قلوبهم -رضي الله عنهم- ساروا عليها بكل ما أوتوا من عزم ويقين بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-، ثم سار المسلمون من بعدهم هذا المسير، وانطلقوا هذا المنطلق، ومن ذلك المكان الطاهر الشريف -المسجد- سجل التاريخ سيرًا حافلة لعلماء أجلاء ملأوا الدنيا علمًا وخلقًا وتعليمًا للوحي المطهر، ووصلت الجيوش المنطلقة منه إلى أبعد مداها على اليابس والماء، وذلك عندما استمدوا قوتهم من ارتباطهم بالمسجد، منطلق العبادة والدعوة واليقين، بدءا بإقامة شعيرة الإسلام الأولى، الصلاة وإعلانها فيه، وأدائها كما أمر الله -تعالى- وسن نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وانتهاء باحتواء جميع أمور الإسلام وهمومه، كل ذلك كان يعقد في المسجد؛ لتستحضر النفوس ارتباطها بالله -تعالى- فيكون في ذلك اجتماع القلوب، وإبداء الآراء الهادفة لتعزيز روابط التآلف وتوحيد الكلمة ونشر الإسلام والعمل بمقتضاه، على هدى من الوحي المنزل بكل ما أوتوا من بعد نظر وفهم سديد راسخ، ثم إنهم قد عقلوا التحذير والنذير الشديد والوعيد الذي توعد الله به من سعى في خرابها، ومن السعي في خرابها عزلها عن دورها الريادي، ومكانها الذي يجب أن توضع فيه من القلوب قبل الأعمال، ومنعها من أداء رسالتها على الوجه المطلوب، ففي المسجد تتعدد الأدوار الدعوية، فالإمام عليه مسئولية وتبعات، ومؤذن المسجد والمصلون كذلك، كل له دوره الذي يعتبر لبنة لبناء هذه الرسالة، وبعثها لأرجاء المعمورة، … أرأيت إن قام كل بدوره المأمول منه وإحيائه واستحضاره ثمرة ذلك بين المسلمين … أيبقى دور في أرجاء الأرض وقوة على ظهرها لغير الإسلام ودعوته؟!.
ولا أدل على عناية الإسلام بالمسجد وقداسته بأن أمر الشارع بعدم زخرفته، ونشد الضالة ورفع الصوت، كل ذلك لتتوحد القلوب وتبتهل إلى خالقها وإلهها بدون صوارف وشواغل تعيق تهيئها للقيام بدورها تجاه المسجد ورسالته.
الوسائل المعينة على أداء رسالة المسجد
1- أن يكون إمام المسجد أهلًا للإمامة، عارفًا بحقوقها ومتطلباتها الشرعية والاجتماعية، مواظبًا حافظًا لكتاب الله -تعالى- مجيدًا لقراءته وتفسيره (انظر مطوية من وظائف إمام المسجد). 2- أن يكون المؤذن مؤتمنًا على أوقات الصلاة خبيرًا بها محافظًا ومواظبًا عليها. 3- أن يكون الخطيب -إن كان المسجد جامعًا- طالبًا للعلم عارفًا بمقاصد الشريعة ومصالحها، بليغًا عارفًا بواقع المخاطبين وحالهم، وواقع أمته، فقيهًا بربط وإيجاد الحلول لهم وللأمة على ضوء الشريعة الإسلامية وفهم السلف لها.
… لقد كان المسلمون مصدر عز وقوة عندما كان المسجد يشغل أذهانهم، ويشعل هممهم، خلية لا تهدأ، ونورًا لا ينطفئ، وإشعاعًا أنار للأمة طريقها، وحين كان كذلك فقهت الأمة عن الله ورسوله فعلمت طريق سعادتها في الدنيا والآخرة، وبصرت حقيقة ما يكيده لها أعداؤها، فاجتمعت كلمة المسلمين على الحق، ونبذوا بفقه وعلم كل فكر دخيل، وبدعة ضالة، ومنهج غير سوي، وعلم شبابها ونساؤها جوهر تلك الرسالة السامية، ومدى تملكها للقلوب، عندما التحقوا بركبها، فازدانت بهم الدنيا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.