هل جربت رهبة لحظات الجلوس مع النفس.......؟
هل جربت قسوة الحساب... وعظم العقاب....؟
*********************************
*********************************
*********************************
عندما انتقلت فترة من حياتي للحياة في بلد ، والتي كنت اجهل لغة قومها في ذلك الوقت، كنت اظن انني سأعيش في سكينة وهدوء..!
فأنا لن اقرأ شيئا ...... ولن افهم الخطابات المزيفة ، ولن يغيظني الكذب ولا النفاق... ولا مجاملات الناس ، ولن أسمع احاديث الغيبة !!...
أصلا...كنت ابحث عن نسيان كل هذا !!
وعندما كنت اخرج من المنزل في أمور ضرورية ، او لشراء ما هو لازم... كنت اصر على انني لا افهم شيئا...حتى مع هؤلاء الذين يتقنون الانجليزية...كنت انظر الى من يخاطبني نظرة طفل ابله.. لم يتعلم الكلام بعد...
وراقتني هذه الحياة دون كلام !! ... و اراحتني من المسؤولية !!
كنت اصر على استعمال لغة الاشارة ، لغة العصور الحجرية قبل ان يكتشف الانسان اللغة ، ويستعملها اغلب البشر في التزوير والخداع والكذب وتشويه الحقائق .
كنت اظن انني سعيدة في البداية... فلم اكن اعلم..
لم اكن اعلم...
انه عندما يصمت العالم الخارجي تماما......
سيبدأ داخلي بالانين والبكاء والندم...
ولم اكن اعرف.........
ان انسانا بلا حوار خارجي.....
لا يعني ... انسانا بلا حوار داخلي ...... !!
ويا له..................من حوار !!!!!
ما بال احداث الماضي...
استحالت اشباحا حيه لتذكرني...
بكل تفاصيل حياتي، خطوة خطوة...!!
يا الهي.... كم هي ذاكرة الانسان معقدة ......كم هي واسعة...!
لم اكن اتصور يوما ان استعيد شريط حياتي بهذا الوضوح وهذا الجلاء...! وهذا الترتيب...!
كنت اظن انني نسيت.. !!!!!!
كنت اظن ان عقل الانسان يجدد ذكرياته دوما،
ولم اكن اعرف ان كل شيء يبقي في مساحة الذهن ........والاحداث تترتب ولا تزول..
قد تستقر في القاع.. فلا نفكر بها ولا تخطر ببالنا ، ونحن في دوامة الغفلة والمشاغل...
لم اكن اعلم...... انني حين انفض من هذه المشاغل...وحين ارتاح من احساس المسؤولية.
ستأتيني أشباح الماضي لتخيفني ، فكلما قتلت جزءا منها ، تضاعفت الى عشرات الاضعاف تماما ...........كما في القصص الخرافية !
غريب عجيب امر هذه الذاكرة....!! سبحان الخالق !!!
عندما اخرجت نفسي من دوامة مشاكل الحياة ومسؤولياتها... وابتعدت ........
تراءت لي صور مواقف وتصرفات الماضي.....
...و استيقظ هذا المارد العملاق...
استيقظ ليحاسبني.. على أدق دقيقة...
ضميري...
كان قاضيا ... في محكمة نفسي.....
يعذبني.....ويجلدني.....
وحاصرتني الذكريات...
وبدأت اعود لتفاصيل عمري... واقف عند كل موقف.
مواقف قد تكون بسيطة........... ولكنها في ميزان الحساب ثقيلة !!!
يا الهي...
ليتني كنت اقف لأفكر قبل ان يصدر عني أي تصرف..!!
ليتني كنت أحسب حساب كل كلمة قبل ان اتفوه بها...!!
لما كنت اليوم في هذا العذاب....
فأين المفر اليوم....
يا الهي ...
كم هو مذنب هذا الانسان !
كثير من البشر.. يظنون انهم بلا ذنوب....
ضحكت بمرارة من هذه الفكرة....
لو قدر لاحدهم ان يعزل تماما العالم الخارجي عنه، كما فعلت انا
لما قرر ذلك ....
بل لكان امضى ما تبقى من عمره في بكاء وندم....
ان رحمة الله بنا واسعة جدا.... !!
اه.... لو ترك المؤمن لحساب ضميره.... لأهلك نفسه توبيخا وتقريعا !!
ان الله غفور رحيم...........
يا لروعة الكلمات !....
وكم تمد الانسان المسكين... بقوة ، ليندم على اخطائه الكثيرة...
ويصبح انسانا جديدا.....يحركه الخوف من غضب الله.....
والامل في غفرانه......
بقيت اياما وشهورا طويلة... ادعو الله ان ينقذني من نفسي ، ومن حساب نفسي ، ومن عذاب ضميري ! كنت ألوم نفسي كثيرا... لماذا لم استكثر الخير ؟؟ ولماذا كنت اسمح لمشاغل الحياة ان تقيدني عن التفكير بالاحسان اكثر. ! وكانت تدفعني الى التقصير في واجباتي الدينية .
سنة كاملة امضيتها في هذا اللوم والتفكير ....في فترة تعلمي للغة الجديدة واتقاني لها.
واستجاب الله دعائي......
فأصبحت ....انسانة جديدة...
افكر كثيرا... قبل ان اتصرف.......
قبل ان اسمع....!!
قبل ان اتكلم........
قبل ان اقرر امرا.........
وكلما شغلتني الحياة...
كلما عادت بي الذكريات الى جلسات التعذيب التي جلستها مع نفسي!
والآن ............اصبحت اجلس هذه الجلسة اليومية مع نفسي دون خوف...
واستشير ضميري في كل شيء...
فقد قررت انني....
سأحاول ان لا اعود الى متاهات العذاب والندم ابدا....
وهكذا انت ايضا.... يا من لم يقدر لك ان تجلس مع نفسك بعد...
وكنت تعتقد انك من المحسنين صنعا... مثلي تماما !
جرب هذه الجلسة اليومية....
قبل ان يأتي يوم الحساب...
فلا امل برجعة........ولا ندم يفيد.
أسأل الله ان يلهمنا الرشد لمحاسبة انفسنا.....قبل ان يأتي يوم يجعل الولدان شيبا.
وعلى هذا الأساس؛ فقاعدة الانطلاق والصعود على قمة التقوى تبدأ من مكاشفة النفس بذنوبها وأخطائها،،،،
وحري بالإنسان أن يخلو إلى نفسه خلوة في مسجد من المساجد مثلاً فيجلس إليها ويحاكمها، حتى يشعر حينها بأن إنساناً آخر يحاوره، وطرف المحاورة... امور قد تكون صغيرة ، عن جهل او عن غير قصد ،، ولكن اذا عاد وفكر فيها ثانية ووازنها فقد تغير امور صغيرة حساباته.
( لآ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلآ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ * بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ * فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلاَّ لاَ وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّؤُاْ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ )(القيامة/1-15)
فيشرف الانسان على نفسه ، ويعيد استعراض ما يحصل معه ، حتى لا تأخذه غفلة الحياة والايام.
فينتقدها ويحاسبها ويزنها ويعيد بين فترة وأخرى حساباتها المعقدة،
وبهذه الطريقة يصبح الإنسان إنساناً.
منقول