أطفالنا ومعاني الرجولة
أطفالنا ومعاني الرجولة
الشيخ محمد صالح المنجد
دار الوطن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد :
* فإن مما يعاني منه كثير من الناس ظهور الميوعة وآثار الترف في شخصيات أولادهم ، ولمعرفة حل هذه المشكلة لابد من الإجابة على السؤال التالي : كيف ننمي عوامل الرجولة قي شخصيات أطفالنا ؟
* إن موضوع هذا السؤال هو من المشكلات التربوية الكبيرة في هذا العصر ، وهناك عدة حلول إسلامية وعوامل شرعية لتنمية الرجولة في شخصية الطفل ، ومن ذلك ما يلي :
التكنية
* مناداة الصغير بأبي فلان أو الصغيرة بأم فلان ينمي الإحساس بالمسئولية ، ويشعر الطفل بأنه أكبر من سنه فيزداد نضجه ، ويرتقي بشعوره عن مستوى الطفل المعتاد ، ويحس بمشابهته للكبار ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكني الصغار ؛ فعن أنس رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقا ، وكان لي أخ يقال له أبو عُميرٍ – قال : أحسبُهُ فطيماً – وكان إذا جاء قال : ( يا أبا عُميرٍ ، ما فعل النّغَيْرُ ؟! ) " طائر صغير كان يلعب به " [ رواه البخاري : 5735 ] .
* عن أُم خالدٍ بنتِ خَالد قالت : أتى النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خمِيصَة سوداءُ صغيرة " الخميصة ثوب من حرير " فقال : ( من ترون أن نكسو هذهِ ؟ ) فسكتَ القومُ ، قال : ( ائتوني بأم خالدٍ ) . فأُتي بها تُحملُ " وفيه إشارة إلى صغر سنها " فأخذ الخميصة بيده فألبسها وقال : ( أبلي وأخلِقِي ) ، وكان فيها علم أخضرُ أو أصفرُ فقال : ( يا أم خالدٍ ، هذا سناه ، وسناه بالحبشية حسن ) [ رواه البخاري : 5375 ] .
* وفي رواية للبخاري أيضاً : فجعل بنظر إلى علم الخميصةِ ويشير بيده إليَّ ويقول : ( يا أم خالدٍ ، هذا سنَا ، والسنا بلسانِ الحبشية الحسنُ ) [ رواه البخاري : 5397 ] .
أخذه للمجامع العامة وإجلاسه مع الكبار
* وهذا مما يلقح فهمه ويزيد في عقله ، ويحمله على محاكاة الكبار ، ويرفعه عن الاستغراق في اللهو واللعب ، وكذا كان الصحابة يصحبون أولادهم إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ومن القصص في ذلك : ما جاء عن معاوية بن قرة عن أبيهِ قال : كان نبي اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلسُ إليه نفر من أصحابهِ وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلفِ ظهرهِ فيُقعِدهُ بينَ يديه .. الحديث [ رواه النسائي وصححه الألباني في أحكام الجنائز ] .
تحديثهم عن بطولات السابقين واللاحقين والمعارك
الإسلامية وانتصارات المسلمين
* لتعظم الشجاعة في نفوسهم ، وهي من أهم صفاة الرجولة ، وكان للزبير بن العوام رضي الله عنه طفلان أشهد أحدهما بعض المعارك ، وكان الآخر يلعب بآثار الجروح القديمة في كتف أبيه كما جاءت الرواية عن عروة بن الزبير أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم اليرموك : ألا تَشُدُّ فنشدَّ معكَ ؟ فقال : إني إن شددتُ كذبتُم . فقالوا : لا نفعلُ ، فحمل عليهم ( أي على الروم ) حتى شق صُفُوفهمْ فجاوزهم وما معهُ أحد ، ثم رجع مُقبلاً فأخذوا ( أي الروم ) بِلجَامهِ ( أي لجام الفرس ) فضربوهُ ضربتين على عاتقهِ بينهما ضربة ضربها يوم بدر ، قال عروةُ : كنت أُدخل أصابعي في تلك الضربات ألعبُ وأنا صغير . قال عروةُ : وكان معه عبد الله ِابن الزبير يومئذٍ وهو ابن عشر سنين فحمله على فرس ووكل به رجلاً ) [ رواه البخاري : 3678 ] .
* قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث : " وكأن الزبير آنس من ولده عبد الله شجاعة وفروسية فأركبه الفرس وخشي عليه أن يهجم بتلك الفرس على ما لا يطيقه ، فجعل معه رجلاً ليأمن عليه من كيد العدو إذا اشتغل هو عنه بالقتال " . وروى ابن المبارك في الجهاد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير " أنه كان مع أبيه يوم اليرموك ، فلما انهزم المشركون حمل فجعل يجهز على جرحاهم " وقوله : " يُجهز" أي يُكمل قتل من وجده مجروحاً ، وهذا مما يدل على قوة قلبه وشجاعته من صغره .
تعليمه الأدب مع الكبار
* ومن جملة ذلك ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يسلم الصغير على الكبير ، والمارّ على القاعد ، والقليل على الكثير ) [ رواه البخاري : 5736 ] .
إعطاء الصغير قدره وقيمته في المجالس
* ومما يوضح ذلك الحديث التالي : ( عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقدحٍ فشربَ منهُ وعن يمينهِ غلام أصغر القوم والأشياخ عن يساره فقال : يا غلام ، أتأذن لي أن أعطيهُ الأشياخ ؟ قال : ما كنت لأوثر بفضلي منك أحداً يا رسول الله فأعطاهُ أياهُ ) [ رواه البخاري : 2180] .
تعليمهم الرياضات الرجولية
* كالرماية والسباحة وركوب الخيل وجاء عن أبي أمامة بن سهل قال : كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيد بن الجراح ( أن علموا غلمانكم العوم ) . [ رواه الإمام أحمد في أول مسند عمر بن الخطاب ] .
تجنيبه أسباب الميوعة والتخنث
* فيمنعه وليه من رقص كرقص النساء ، وتمايل كتمايلهن ، و مشطه كمشطتهن ، ويمنعه من لبس الحرير والذهب . وقال مالك رحمه الله : " وأنا أكرهُ أن يلبس الغلمانُ شيئاً من الذهب لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تختم الذهب ، فأنا أكرهُهُ للرجالِ الكبير منهم والصغير " [ موطأ مالك ] .
تجنب إهانته خاصة أمام الآخرين
عدم احتقار أفكاره وتشجيعه على المشاركة
إعطاؤه قدره وإشعاره بأهميته
* وذلك يكون بأمور مثل :
(1) إلقاء السلام عليه ، وقد جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على غلمان فسلم عليهم . [ رواه مسلم : 4031 ] .
(2) استشارته وأخذ رأيه .
(3) توليته مسئوليات تناسب سنه وقدراته .
(4) استكتامه الأسرار .
* ويصلح مثالاً لهذا والذي قبله حديث أنس قال : ( أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعبُ مع الغلمان قال : فسلم علينا فبعثني إلى حاجةٍ فأبطأتُ على أمي ، فلما جئتُ قالت : ما حبسك ؟ قلتُ : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجةٍ . قالت : ما حاجته ؟ قلتُ : إنها سرّ . قالت : لا تحدثن بسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً ) [ رواه مسلم : 4533] .
* وفي رواية عن أنس رضي الله عنه قال : ( انتهى إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام في الغلمان فسلم علينا ، ثم أخذ بيدي فأرسلني برسالةٍ وقعد في ظل جدار – أو قال إلى جدار – حتى رجعتُ إليه ) [ رواه أبو داود في كتاب الأدب من سننه ، باب في السلام على الصبيان ] .
* وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : ( كنت غُلاماً أسعى مع الغلمان فألتفتُّ فإذا أنا بنبي الله صلى الله عليه وسلم خلفي مُقبلاً فقلتُ : ما جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا إليّ ، قال : فسعيتُ حتى أختبئ وراء باب دار ، قال : فلم أشعر حتى تناولني فأخذ بقفاي فحطأني حطأ ( ضربه بكفيه ضربة ملاطفة ومداعبة ) فقال : اذهب فادع لي معاوية . قال : وكان كاتبه فسعيتُ فأتيتُ معاوية فقلت : أجب نبي الله صلى الله عليه وسلم فإنه على حاجةٍ ) . [ رواه الإمام أحمد في مسند بنى هاشم ] .
وهناك وسائل أخرى لتنمية الرجولة لدى الأطفال منها :
(1) تعليمه الجرأة في مواضعها ويدخل في ذلك تدريبه على الخطابة .
(2) الاهتمام بالحشمة في ملابسه وتجنيبه الميوعة في الأزياء وقصات الشعر والحركات والمشي ، وتجنيبه لبس الحرير الذي هو من طبائع النساء .
(3) إبعاده عن الترف وحياة الدعة والكسل والراحة والبطالة ، وقد قال عمر رضي الله عنه : اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم .
(4) تجنيبه مجالس اللهو والباطل والغناء والموسيقى ؛ فإنها منافية للرجولة ومناقضة لصفة الجِدّ .
* هذه طائفة من الوسائل والسبل التي تزيد الرجولة وتنميها في نفوس الأطفال ، والله الموفق للصواب . وصلى الله علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
نوع المطبوع : مطوية
الموضوع : أطفالنا ومعاني الرجولة
اسم الناشر : دار الوطن
اسم المؤلف : الشيخ محمد صالح المنجد