السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليوم أقدم لكم قصة واقعية سجلها بريد الجمعة
للكاتب الراحل / عبد الوهاب مطاوع
وقريبا فى منتدى الابداع لنا معه لقاء
الانفصال الهادىء
تصادقنا ثم تحاببنا فتزوجنا, وأنضجت عشرة الأربعة عشر عاما
حبنا فصار عميقا بليغا.. لكنه منذ لحظة ميلاد ابننا الأول تفجرت
خلافاتنا واستمرت ثم تعاظمت مع ميلاد صغيرتنا
هي عجيبة الطباع, فما طلبت منها شيئا إلا ووافقتني عليه ثم فعلت
عكسه تماما, تفطم ابننا فجأة ودون أي مبرر في شهره السادس,
فيصبح نزيلا شبه دائم في المستشفي للتغذي بالمحاليل وعلاجات
سوء التغذية, تتسبب له مرتين في كسر بعظم الفخذ وهو بعد في
عامه الأول, تنام ملء جفنيها وأحد أطفالنا يعاني الحمي, لا تبالي
بتصحيح أخطاء نطق أي من الطفلين فكبرا يعانيان عيوب النطق,
لازمت النزلة الشعبية أحدهما لمدة سبع سنوات بسبب إهمالها
المستمر لتجفيف جسمه وتعريضه مباشرة لهواء أجهزة التكييف,
والغريب أنها لم تكن لديها أي اهتمامات أخري فهي لا تعمل
وليس لها هوايات ولا تقرأ من الجريدة سوي صفحة الوفيات
والحظ وعناوين الحوادث, ولا تهتم كثيرا بملبسها أو الموضة
مثلا, تقول شيئا وتفعل غيره, نتفق علي أمر وتأتي بنقيضه..
وغير ذلك ما لا حصر له من الأفعال غير المعقولة, غير
المفهومة.. وفي كل مرة كنت أسأل زوجتي عن شيء من
تصرفاتها كنت لا أحصل منها إلا علي إجابة واحدة تزيدني حيرة
فوق حيرة ـ وهي لا أعرف لماذا فعلت ذلك مع وعد جديد بعدم
التكرار... ثم يكون التكراروالتكرار والتكرار.
كنت في باديء الأمر أتحاور معها في هدوء, ثم صرت أرفع
صوتي, ثم تماديت فكنت أخاصمها ليوم أو يومين ولا فائدة ثم
تحرك لساني بالسباب ويدي بالضرب بعد أن بلغت قمم الغليان
والغيظ ووصلت ـ أو كدت أصل الي الانهيار, أصبت بمرض
السكر وارتفاع ضغط الدم وأصبحت شديد العصبية والتوتر
وسريع الانفعال.. قاطعتها مقاطعة تامة, وانتهيت الي هجر
الفراش لمدد وصلت الي سنة كاملة وهي كجلمود صخر.. لا
تتغير!
أنا مهندس معماري أعمل بالتصميم, عملي يتطلب التركيز الكامل
, فمفتاح النجاح والاستمرار فيه هو دوام الخلق وإفراز الابتكار
الجميل.. وكما هو الحال مع أي فنان, تنعكس حالته النفسية
ومناخه الأسري علي أعماله, فتدهور عملي من سييء لأسوأ
حتي توقف تماما.
لم يكن هناك حل إلا الانفصال, وتم ذلك مع قدر لا بأس به من
السلام والتحضر والآن, تأتي زوجتي لزيارتنا مرة كل شهر فتثني
ـ لا تتعجب لذلك علي حال الأولاد بعد انفصالها عنهم وتؤكد لي
استمرار حبها لي, وأؤكد أنا استمرار حبي لها وإنها ـ ربما للمرة
الوحيدة طوال حياتنا الزوجية ـ قد أفلحت في تنفيذ مااتفقنا عليه!
أعيش الآن مع الطفلين, أقوم بأعمال ربة البيت بكفاءة بعد أن
تعلمتها علي مدي العام ونصف العام الماضيين, استنفدت معظم
مدخراتي منذ تعثر عملي قبل أربع سنوات وأحاول الآن البدء فيه
من جديد.
أختتم رسالتي برجائك ألا تسألني لماذا أحبها.. فأنا لا أعرف!
««ولكاتب هذه الرسالة أقول»»
لن أسألك لماذا تحبها لأن الحب لا منطق له في أغلب الأحيان.
. لكني سوف أسألك ولماذا يستمر هذا الانفصال بينكما وكل منكما
يحب الآخر.. وتقوم بينكما هذه العلاقة الودية الهادئة ؟
لقد عرفت عيوبها ونقاط ضعفها وصبرت عليها السنين الطوال
, ثم ضقت ذات مرة بما تنكره عليها فاتفقتما علي الانفصال في
هدوء, وها قد مضي عام ونصف العام علي هذا الانفصال
الهاديء ومازالت زوجتك السابقة تحبك وتفتقدك ومازلت أنت
كذلك تحبها وتفتقدها, فلماذا لا تستأنفان إذن حياتكما الزوجية مرة
أخري علي أن تتعامل مع عيوبها وهناتها بتسامح أكبر وتحاول
أنت درء أخطاء هذه العيوب علي الأطفال بقدر الطاقة؟! إن
وجودها بين أطفالها أفضل لهم تربويا ونفسيا وإنسانيا بالرغم من
كل أوجه قصورها, من بعدها عنهم وأنت تستطيع كما تعلمت
خلال فترة الانفصال القيام بأعمال البيت ورعاية الأطفال, ان تكون
صمام الأمان الذي يحول دون أي مضاعفات تنتج عن ضعف
شخصيتها وسوء تدبيرها وضعف التزامها بما تعد به أو تتفق
عليه معك.. فأعدها إلي عصمتك وأعف نفسك من عناء الوحدة
ورعاية الأطفال, لكي تتفرغ لعملك من جديد, فأما عيوبها فإنك
تستطيع السيطرة عليها.. أو علي الأقل تحملها والتجاوز عنها..
لكي تظل السفينة طافية فوق السطح.. ولا يحرم الأطفال من أمهم
التي تمثل بالنسبة لهم نبع الحب والحنان مهما يكن سوء تدبيرها.
ياصديقي إنها قدرك الذي لا نجاة لك منه, فتحمل أقدارك بشجاعة
وأعد زوجتك الي عصمتك عسي أن تكون قد تعلمت من تجربة
الانفصال بعض مالم تكن تعلم وشكرا.
منقووول