دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ
وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ iiالقَضاءُ
وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ iiاللَيالي
فَما لِحَوادِثِ الدُنيا iiبَقاءُ
وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً
وَشيمَتُكَ السَماحَةُ iiوَالوَفاءُ
وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في iiالبَرايا
وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها iiغِطاءُ
تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ iiعَيبٍ
يُغَطّيهِ كَما قيلَ iiالسَخاءُ
وَلا تُرِ لِلأَعادي قَطُّ iiذُلّا
فَإِنَّ شَماتَةَ الأَعداء iiبَلاءُ
وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن iiبَخيلٍ
فَما في النارِ لِلظَمآنِ iiماءُ
وَرِزقُكَ لَيسَ يُنقِصُهُ iiالتَأَنّي
وَلَيسَ يَزيدُ في الرِزقِ iiالعَناءُ
وَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورٌ
وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا iiرَخاءُ
إِذا ما كُنتَ ذا قَلبٍ iiقَنوعٍ
فَأَنتَ وَمالِكُ الدُنيا iiسَواءُ
وَمَن نَزَلَت بِساحَتِهِ iiالمَنايا
فَلا أَرضٌ تَقيهِ وَلا iiسَماءُ
وَأَرضُ اللَهِ واسِعَةٌ iiوَلَكِن
إِذا نَزَلَ القَضا ضاقَ الفَضاءُ
دَعِ الأَيّامَ تَغدِرُ كُلَّ iiحِينٍ
فَما يُغني عَنِ المَوتِ iiالدَواءُ
الوفاة
توفي الإمام الشافعي رحمه الله عام 204هـ، بعد أن قدم مثلاً يحتذي به من أجل السعي وراء العلم أينما كان وبعد أن اجتهد في شرح العديد من المسائل الفقهية ومحاولاته من أجل التقريب بين المدارس الفقهية المختلفة، جزاه الله خيراً عن الإسلام والمسلمين.
(أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)(الأنعام: من الآية90)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين من اعز الدين وخذل الكافرين والمرتدين, وعلى اله وأصحابه ومن تبعهم أصحاب الهمة خير الأمة الثابتين على الدين أجمعين ، أما بعد :
فيشرفنا في المكتب الإعلامي لجيش الفاتحين أن نبدأ بفتح صفحات التاريخ المشرفة المهملة والمنسية منذ مبعث النبي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام إلى وقتنا الحاضر, ونأخذ منه الدروس والعبر فان كانت مفرحة حمدنا الله عليها وسعينا إلى تقليدها ومحاكاتها والسعي على الثبات على مسيرة السلف رحمهم الله وان كانت غير ذلك أخذنا منها الأسباب التي جعلتها غير ذلك لنتجاوزها وتكون لنا نبراسا في ما تبقى من هذه الحياة الفانية.
ولكننا سنتخذ من التاريخ الميلادي أساسا لطي الصفحات وذلك لثبات التاريخ فيه لعدم اعتماده على القمر كما يعلم المسلم المطلع, وكذلك وللأسف الشديد فان اعتماد المسلمين اليوم على هذا التاريخ هو الطابع العام رغم وجود التاريخ الهجري من عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
و سنتدارس حلول ذكرى
وفاة الإمام الشافعي احد أركان الفقه الإسلامي الأربعة 20-1-820م
بعد مرور الأعوام على اكتمال نزول القران الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم, حيث ارتشف الناس من نهري القران والسنة مباشرة, فقد كان شارح القران الأول عليه أفضل الصلاة والسلام بين ظهرانيهم حتى توفاه الله تعالى ثم تبعه كبار الصحابة رضوان الله عليهم.. حتى فتحت الأمصار والبلدان واختلط المجتمع الإسلامي العربي بغيره من المجتمعات الفارسية واليونانية والرومية, فظهر اللحن في اللغة على عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه, فتولى الصحابي الجليل أبو الأسود الدؤلي على عاتقه تأسيس النحو ليعدل به الألسن...
وبعد ذلك الوقت أصبح الناس لا يتذوقون الإعجاز البلاغي الذي نزل في كتاب الله تعالى, فسخر الله تعالى عبادا له في الأرض جمعوا العلم من أطرافه فكان احدهم محدثا ومفسرا ونحويا وفقيها إضافة إلى جميع علوم المنطق والبلاغة التي كانت ضرورية لفهم كتاب الله تعالى... وكان أولئك العباد المسخرون على قدر كبير من العلم والفهم والتقوى, فاح عطر سيرتهم إلى الآفاق, فقد اعتمدوا في استخراج الأحكام الشرعية على الكتاب والسنة - فجزاهم الله عنا كل خير- ومن هؤلاء العباد أبو حنيفة النعمان ومالك بن انس والشافعي واحمد بن حنبل رحمهم الله جميعا وغيرهم من كبار الأئمة الأعلام... الذين وضعوا لنا كتبا ومصنفات لازالت إلى يومنا نبراسا لطلبة العلم والمفكرين... إن أعداء الإسلام اليوم اتخذوا طرقا شتى لكسر هيبة الأولين والإضرار بسيرتهم وما قدموه للأمة من خير وعلم.. وكل من يتقول في أولئك العلماء هو على خطأ كبير وعليه أن يراجع نفسه..
في مقالنا اليوم نستذكر احد أولئك الذين سخروا أنفسهم وأموالهم ووقتهم في سبيل الله تعالى, ألا وهو العالم الرباني البحر: (أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله).. وصاحب الذكرى هو نتاج ذلك العفو النبوي عن الأسرى في بدر حيث قام عليه الصلاة والسلام بأخذ الفداء عن بعض الأسرى أو تعليم عشرة من المسلمين مقابل حريتهم.. فكان احد هؤلاء الأسرى هو شافع بن السائب الذي فدى نفسه من اسر بدر ثم اسلم بعدها.. فولد لشافع عثمانا وولد لعثمان العباس ثم للعباس إدريس ثم لإدريس محمدا.....ويلتقي نسبه مع النبي عليه الصلاة والسلام في عبد مناف..
ولد صاحب الذكرى يتيما فقيرا حيث مات أبوه وهو في بطن أمه بعد أن هاجر والده من مكة إلى غزة في فلسطين بحثا عن الرزق حيث ولد الإمام محمد, وكانت الأخبار الحزينة تنقل عن وفاة الإمام أبو حنيفة النعمان.. فكانت ولادة الشافعي في يوم وفاة الإمام أبو حنيفة...
كان لام الشافعي جزاها الله عنا ألف خير دور كبير في إخراج هذا العالم الجليل إلى الأمة, فكانت عبرة لكل أرامل المسلمين أنهن قادرات على إن يقدمن للأمة رجالا خيرا من أقرانهن من النساء.. حيث قامت بعد أن بلغ عمره العامين بالعودة به إلى مكة حيث موطنهم الأصلي لأنها خشيت من ضياع نسبه, كما أنها رغبت أن ينشأ على ما ينشأ عليه أقرانه. فأتم حفظ القران وعمره سبع سنين, وعرف بشجو صوته في القراءة, ولحق رحمه الله بقبيلة هذيل العربية لتعلم اللغة والفصاحة, وكانت هذيل أفصح العرب ولقد كانت لهذه الملازمة اثر كبير في فصاحته وبلاغة ما يكتب, وقد لفتت هذه البراعة أنظار معاصريه من العلماء بعد أن شب وكبر, حتى قال الأصمعي وهو من أئمة اللغة المعدودين: (صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريسالشافعي), وقال الزعفراني: (كان قوم من أهل العربية يختلفون إلى مجلس الشافعي معنا، ويجلسون ناحية، فقلت لرجل من رؤسائهم: إنكم لا تتعاطون العلم فلم تختلفون معنا ؟ قالوا: نسمع لغة الشافعي), وقال ثعلب: (العجب أن بعض الناس يأخذون اللغة عن الشافعي، وهو من بيت اللغة ! والشافعي يجب أن يؤخذ منه اللغة، لا أن يؤخذ عليه اللغة),وكفى بشهادة الجاحظ في أدبه وبيانه، يقول: (نظرت في كتب هؤلاء النبغة الذين نبغوا في العلم، فلم أر أحسن تأليفا من المطلبي، كأن لسانه ينظم الدر). وبلغ من اجتهاده في طلب العلم أن أجازه شيخه (مسلم بن خالد الزنجي) بالفتيا وهو لا يزال صغيرا.. حيث حفظ الشافعي وهو ابن ثلاث عشرة سنة تقريبا كتاب الموطأ للإمام مالك, فقد كان شديد الذكاء شديد الحفظ حتى انه كان يضع يده على الصفحة المقابلة للتي يحفظها لئلا يختلطا, حيث كان يحفظ الصفحة من النظرة الأولى.. فقامت أمه بأخذه إلى المدينة المنورة ليأخذ العلم من الإمام مالك بنفسه.. وبقي معه ست عشرة سنة حتى توفي الإمام مالك رحمه الله (179هـ), وتعلم أيضا على يد الشيخ ( إبراهيم بن سعد الأنصاري) والشيخ ( محمد بن سعيد بن فديك) رحمهما الله تعالى..
وبعد وفاة الإمام مالك سافر الإمام الشافعي إلى نجران وأصبح واليا عليها, ولكنه تعرض لوشاية من بعض معاصريه من أهل العلم الحاسدين.. فأرسل إليه الخليفة هارون الرشيد في حينها وظهرت له براءته من كل التهم... وكان في قدومه إلى بغداد للقاء هارون الرشيد الخير الكثير, حيث اتصل بمحمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة وقرأ كتبه وتعرف على علم أهل الرأي.. ثم غادر بعدها إلى مكة حيث أقام بها تسع سنين عقد فيها حلقات العلم والتي كانت تزدحم بطلبة العلم في الحرم المكي.. وكان يستغل أيام الحج ليلتقي بالمزيد من العلماء فيدرس على أيديهم...كما يطيب لنا أن نذكر أن من طلابه في تلك الفترة كان إمام أهل السنة والجماعة احمد بن حنبل رحمه الله..
عاد صاحب الذكرى إلى بغداد سنة 195 هـ, وكان له بها مجلس يحضره العلماء ويقصده طلاب العلم من كل مكان.. مكث الشافعي سنتين في بغداد ألف خلالها كتابه (الرسالة) – وهي الرسالة القديمة والتي سميت بهذا الاسم لأنه كتبها وأرسلها إلى عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله, (وقال بعضهم ألفها بمكة)- ووضع فيها مذهبه القديم ولازمه خلال هذه الفترة أربعة من كبار أصحابه وتلامذته وهم: (احمد بن حنبل, وأبو ثور, والزعفراني, والكرابيسي) رحمهم الله.. وهذا الكتاب (الرسالة) أول كتاب ألف في (أصول الفقه) بل هو أول كتاب ألف في (علم مصطلح الحديث) أيضا, قال الفخر الرازي في مناقب الشافعي (ص 57): (كانوا قبل الإمام الشافعي يتكلمون في مسائل أصول الفقه، ويستدلون ويعترضون، ولكن ما كان لهم قانون كلي مرجوع إليه في معرفة دلائل الشريعة، وفي كيفية معرضاتها وترجيحاتها، فاستنبط الشافعي علم أصول الفقه، ووضع للخلق قانونا كليا يرجع إليه في معرفة مراتب أدلة الشرع). وقال بدر الدين الزركشي في كتاب البحر المحيط في الأصول (مخطوط): (الشافعي أول من صنف في أصول الفقه، صنف فيه كتاب الرسالة، وكتاب أحكام القران، واختلاف الحديث، وإبطال الاستحسان، وكتاب جماع العلم، وكتاب القياس)...
بعد ذلك عاد الإمام إلى مكة ومكث فيها فترة قصيرة ثم غادرها عائدا إلى بغداد عام 198هـ حيث مكث فيها فترة قصيرة ثم غادر بغداد إلى مصر.. لقد كان رحمه الله طالبا للعلم فكان يجول البلدان التي قد لا يجولها اليوم طلاب العلم رغم تقدم وسائل النقل المريحة.. فكان رحمه الله طالبا للحق حتى انه غير كثيرا من آرائه بعد أن تبين له الحق في غيرها..
وصل صاحب الذكرى إلى محطته الأخيرة في مصر عام 199 هـ تسبقه شهرته إليها, وكان في صحبته في سفره تلميذه الربيع بن سليمان المرادي رحمه الله, وعبد الله بن الزبير الحميدي رحمه الله, فنزلوا بالفسطاط (تقع ضمن القاهرة اليوم) ضيوفا على عبد الله بن عبد الحكم وكان من أصحاب الإمام مالك.. وهناك بدأ الشافعي بإلقاء دروسه في جامع عمرو بن العاص رضي الله عنه, ونشر آراءه فمال الناس إليه وجذبت فصاحته وعلمه كثيرا من أتباع الإمامين أبي حنيفة ومالك... حيث حدث تلميذه الربيع عنه فقال: كان الشافعي يجلس في حلقته إذا صلى الصبح, فيجيئه أهل القران, فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه, فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر, فإذا ارتفع الضحى تفرقوا, وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار, ثم ينصرف رضي الله عنه.. وبقي في مصر ما بقي من حياته في التأليف والتدريس والمناظرة والرد على الخصوم.. وفي مصر وضع الإمام الشافعي مذهبه الجديد وهو الأحكام والفتاوى التي استنبطها بمصر وخالف في بعضها فقهه الذي وضعه في العراق - حتى انه حينما يسأل شخص عن حكم أو فتوى للشافعي يقال له: هل تسأل عن مذهب الشافعي القديم ( أي في العراق) أم مذهبه الحديث (في مصر).... وصنف رحمه الله في مصر كتبه الخالدة التي رواها عنه تلاميذه أمثال الإمام أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي والإمام المزني والربيع المرادي...
لقد كان فقه الشافعي مزيجا من فقه الحجاز وفقه العراق, والذي أنضجه عقل متوهج بعلوم القران والسنة, بصير بالعربية وآدابها, خبير بأحوال الناس وقضاياهم, قوي الرأي والقياس.... فقد جمع رحمه الله أفكار مدرسة الرأي التي نشأت في العراق وإمامها الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود, ومدرسة الحديث التي نشأت في الحجاز وأئمتها الصحابة الأعلام عبد الله بن عباس, وعبد الله بن عمر, وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم أجمعين... حيث جاء الشافعي والجدل مشتعل بين المدرستين فاخذ موقفا وسطا, وحسم كثيرا من الجدل الفقهي القائم بينهما بما تيسر له من الجمع بين المدرستين بعد أن تلقى العلم وتتلمذ على كبار اعلامهما مثل مالك بن انس ومحمد بن الحسن رحمهما الله تعالى.. دون صاحب الذكرى الأصول التي اعتمد عليها في فقهه, والقواعد التي التزمها في اجتهاده في رسالته الأصولية (الرسالة) – الرسالة الجديدة التي كتبها في مصر - وطبق هذه الأصول في فقهه, وكانت أصولا عملية لا نظرية, ويظهر هذا وضاحا في كتابه الشهير (الأم) الذي يذكر فيه الشافعي الحكم مع دليله, ثم يبين وجه الاستدلال بالدليل وقواعد الاجتهاد وأصول الاستنباط التي اتبعها, فهو يرجع أولا إلى القران الكريم وما ظهر له منه, إلا إذا قام دليل على وجوب صرفه عن ظاهره, ثم إلى سنة رسول الله حتى الخبر الواحد الذي ينفرد راو واحد بروايته (الآحاد), وهو ثقة في دينه, معروف بالصدق, فالقرآن يأتي بالأحكام العامة والقواعد الكلية, والسنة هي التي تفسر ذلك, فهي تخصص عموم القران أو تقيد مطلقه, أو تبين مجمله... ولذلك سمي رحمه الله: (ناصر الحديث),حتى قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: (لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث).
وصاحب الذكرى لم يكن محدثا وفقيها فحسب.. بل كان شاعرا من الطراز الأول لكنه لم يشتغل به.. ولا تزال دواوينه وأبياته على ألسنة الناس حتى وقتنا هذا.. فقد كان الشافعي فصيح اللسان بليغا, حجة في لغة العرب, وكان دائم الدراسة واسع الإطلاع حتى أصبح مرجعا في اللغة والنحو, فقال عنه الإمام احمد بن حنبل: (ما مس احد محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منة)... وقال أيوب بن سويد: ( خذوا عن الشافعي اللغة).. وكان رحمه الله يحفظ عشرة آلاف بيت شعر لهذيل إعرابا ومعنى, وكان اعرف الناس بالتاريخ, وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله تعالى.. ويعتبر شعر الإمام بمعظمه شعر حكم وتأمل.. ومن أبياته الرائعة:
والأبيات السابقة شهيرة جدا على السنة الناس ولكنهم لجهلهم لا يعلمون إنها للإمام الشافعي..كما قال في إحدى قصائده:
إذا رمت أن تحيا سليما من الردى ودينك موفور وعرضك صيِّن
فلا ينطقن منك اللسان بسوءة فكلك سوءات وللناس ألسن
وعيناك إن أبدت إليك معائبا.. فدعها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى.. ودافع ولكن بالتي هي أحسن
وقال أيضا:
الدهر يومان ذا أمن وذا خطر... والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف... وتستقر بأقصى قاعه الدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لها.. وليس يكسف إلا الشمس والقمر
ولو استغرقنا في تناول شعره رحمه الله لما كفتنا هذه الوريقات ولكننا نوجه دعوة لكل مسلم ومسلمة أن يقرأوا ديوان الشافعي رحمه الله لما فيه من الكلمات التي تنطبق على واقع الأمة اليوم وتعيد في النفس الهمة بالعمل الأخروي... حيث قال عنه تلميذه مصعب بن عبد الله: (ما رأيت اعلم بأيام الناس من الشافعي)..
كان صاحب الذكرى من أهل التواضع والورع والعبادة, فالإمام الشافعي مشهور بتواضعه وخضوعه للحق وتشهد له بذلك دروسه ومعاشرته لأقرانه وتلاميذه وللناس... وكان مع جلالته في العلم مناظرا حسن المناظرة, أمينا لها طالبا للحق ولا يبغي صيتا وشهرة حتى انه قال: (ما ناظرت أحدا إلا ولم أبال يبين الله الحق على لسانه أو لساني)- رحمه الله تعالى- وقيل إن الإمام أحمد كان يدعو لشيخه الشافعي في كل صلاة فسأله ابنه عبد الله: أي رجل كان الشافعي فاني رايتك تكثر الدعاء له؟ فيقول له: (يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس, فانظر هل لهذين من خلف؟أو عنهما من عوض؟)..
صاحب الذكرى فقيه الأمة, موفور العقل, صحيح النظر والفكر عابدا ذاكرا, وكان رحمه الله محبا للعلم حتى انه قال: (طلب العلم أفضل من صلاة التطوع), ومع ذلك فقد اخبر تلميذه الربيع بن سليمان عنه انه كان يقوم الليل صلاة إلى إن مات رحمه الله, وكان الشافعي قد جزأ الليل, فثلثه الأول للكتابة, والثاني يصلي, والثالث ينام...
صاحب الذكرى ترك لنا الكثير من الكتب والمصنفات أشهرها؛ (كتاب الأم, والرسالة, واختلاف الحديث, وأحكام القران, والناسخ والمنسوخ, وكتاب القسامة, وكتاب الجزية, وقتال أهل البغي, وسبيل النجاة, إضافة إلى 111 ديوان شعر)...
وقد رويت عن صاحب الذكرى كلمات مضيئة نقتبس منها هذه العبارات:
· الإيمان قول وعمل واعتقاد بالقلب ألا ترى قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}(البقرة: 143), يعني صلاتكم إلى بيت المقدس, فسمى الصلاة إيمانا وهي قول وعمل وعقد)..وأخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان قال: (سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص).
· أفضل الأعمال عند الله ما لا يقبل عملا إلا به.. الإيمان بالله الذي لا اله إلا هو أعلى الأعمال درجة وأشرفها منزلة واسناها حظا..
· ما أوردت الحق والحجة على احد فقبلهما إلا هبته واعتقدت مودته, ولا كابرني على الحق احد ودافع الحجة إلا سقط من عيني..
· اشد الأعمال ثلاثة: الجود من قلة, والورع في خلوة, وكلمة الحق عند من يُرجى ويُخاف.
· والله ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة طرحتها, لان الشبع يثقل البدن, ويزيل الفطنة, ويضعف صاحبه عن العبادة..
· أفلست في عمري ثلاث افلاسات, فكنت أبيع قليلي وكثيري, حتى حلي ابنتي وزوجتي ولم ارهن قط..
وبعد عمر قصير وعمل وجهد كبير إذا ما قورن بسن الإمام حين وفاته وهو (54 عاما) جاءت المنية, قال الربيع: (توفي الشافعي رحمه الله تعالى، ليلة الجمعة بعد المغرب وأنا عنده، ودفن بعد العصر يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين)... ودفن في مصر رحمه الله تعالى, وجزاه عنا ألف خير..
لقد كان لهذا العالم الجليل الأثر البالغ في إنارة الطريق أمام أمثالنا ممن لا يمكنهم فهم القران والسنة بعقولهم القاصرة.. فانتشر مذهبه في الحجاز والعراق ومصر والشام وفلسطين وعدن وحضرموت وهو المذهب الغالب في اندنوسيا وسريلانكا ولدى مسلمي الفلبين وجاوة والهند الصينية واستراليا..
نسأله تعالى أن يمن علينا باحترام أهل العلم العاملين بعلمهم.. وأن يمد في عمرهم وان يجعلهم من أتباع أولئك السلف إنه سميع مجيب.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
لنا عووودة بمشيئة الرحمن
مع درر الامام الشافعى