قد يعتقد البعض للوهلة الأولى أن أورورا بورياليس هو إسم لجميلة فرنسية رقيقة الشعور، أو لفنانة تشكيلية مرهفة الحس، أو لمصممة أزياء ذات إبداع دافق في الألوان و التنسيق، و لكن، بالرغم من أنها ليست كذلك، فإننا لا نبتعد عنها كثيرا إن وصفناها بهذه الأوصاف الحالمة ذات الإلهام الروحي، فأورورا بورياليس هي جذابة ذات طيف حسي جميل، خلابة الألوان، تسلب القلوب و العقول، وضع الخالق فيها إبداعه ، فخطف بها أنظار البشر و اهتمام العلماء، رسمها الله في صفحة سمائه البراقة، و رآها البشر في مناطق هي من أكثر بقاع الأرض بردا، فأتى دفء أورورا البصري ليتعلق به النظر و القلب و لا يغادره حتى تغادر
أورورا! هي في السماء، كضوء القمر، تتمايل كموج رقيق يتراقص في حضن الغدير، تسر الناظرين، تلوح في السماء في معرض رائع رقيق الحس قوي الإبداع، فليست هي ببرق و لا رعد، و ليست بشروق و لا غروب، و ليست بسحاب و لا رياح، و لا بقوس المطر
إنها ظاهرة سماوية عكف على استكشافها الكثير من العلماء و صرف منهم الكثير من الوقت و الجهد لمعرفتها، فهي تسمى بأورورا بورياليس، أو الشفق القطبي، أو الفجر القطبي، و تعرف مجازا بالأضواء الشمالية. و تأتي الظاهرة على شكل أضواء في السماء شديدة البريق و الرونق و كأنها ترسم بريشة ذات ألوان متلألئة، فتظهر بألوانها، الأخضر و الأحمر و البنفسجي و البرتقالي و الأبيض الممزوج بزرقة، و يحدث ذلك فقط في المناطق القطبية الشمالية و الجنوبية للأرض، فيمكننا القول بأنها ظاهرة تختص بدول القطب الشمالي و تحدث فيها كثيرا، مثل النرويج و ألاسكا، و لكنها تحدث في بعض الأحيان في دول أخرى من العالم حتى على خط الإستواء، و لكن أهالي خط الإستواء لا يرونها إلا مرة في كل قرن من الزمان بينما تحدث هذه الظاهرة بشكل أكبر في المناطق القطبية. و هي من الظواهر الطبيعية التي يستمتع بها العلماء كثيرا و يترقبون حدوثها و يحبون تصويرها و مراقبتها.
التفسير العلمي الحقيقي لهذه الظاهرة، حيث تقوم الشمس بإصدار مجموعة من الجزيئات الذرية المشحونة بالطاقة في الفضاء و هذه الجزيئات تتكون من بروتونات و إليكترونات فائضة مفرغة في الجو، فتدخل هذه الجزيئات الصغيرة المشحونة بالطاقة إلى المجال المغناطيسي للأرض، فيقوم المجال المغناطيسي بجذب بعض هذه الجزيئات المشحونة إلى أقطابها الشمالية و الجنوبية، فتنظمها لتتحرك في أفلاك لولبية الشكل ، و ذلك بسبب الشكل غير المنتظم للمجال المغناطيسي الأرضي.
و بعد الجذب القطبي تتجول هذه الجزيئات قريبا من الأقطاب الشمالية و الجنوبية للأرض في مسافة قريبة جدا منها، بحيث تصطدم هذه الجزيئات مع جزيئات الغلاف الغازي. و عندما تصطدم تلك الجزيئات بجزيئات الأكسجين و النيتروجين في الغلاف الغازي تتسبب في إصدار موجات ضوئية مرئية للعين. و ربما تلونت هذه الأضواء تبعا لنوع الغاز الذي اصطدمت الجزيئات به.
و لأن هذه الجزيئات مشحونة بالطاقة، يمكنها أن تعتبر كتيار كهربائي متذبذب أو متردد يتدفق و يفيض في الجو. و من المعروف أن أي تيار كهربائي متردد يكون لديه مجال مغناطيسي متغير خاص به (طبقا لقانون أمبير)، و في المقابل لا بد لأي مجال مغناطيسي متغير أن يكون له تيار كهربائي متردد خاص به أيضا (طبقا لقانون فاراداي)، هذا التيار الكهربائي المتكون في الجو يكون في العادة ضعيف و لكن عندما تجتمع التيارات الكهربائية الضعيفة مع بعضها البعض على خط واحد من الطاقة يصل طوله إلى ألف ميل فإنها تتدفق بقوة كبيرة و كافية لتدمير محطة كاملة للطاقة، أو للتداخل مع الأجهزة الإليكترونية على الأرض، و من هنا يظهر لطف الخالق الجبار بنا، حيث أن الغلاف الغازي ما هو إلا درع واقي يتصدى لكل تلك العوامل المدمرة، فبدلا من أن تدمرنا تلك الظاهرة الطبيعية تماما، تظهر لنا على شكل لوحات فنية خلابة تزيد من التفكر و التأمل في خلق الله و تدبيره
و للعلم، فلقد أصبح تتبع ظاهرة الأوروا بورياليس أو الفجر القطبي سهلا بالنسبة للعلماء، حيث تمكنهم الأقمار الصناعية المتطورة من مراقبة الشمس و حركة رياحها تجاه الأرض، و بالتالي يمكنهم رصد حركة الجزيئات المشحونة التي تنبعث منها و التنبؤ بوقت وصولها إلى الأرض، و اصطدامها بغلافنا الجوي، و من ثم تصويرها و دراستها على الوجه الأكمل، و المقطع التالي لبعض العلماء و المصورين يتتبعون فيه ظاهرة الشفق القطبي و يحاولون تصويرها، و يشرحون فيه كيفية حدوثها و فيه ايضاً قصص للخرافات القديمة عن تصور حدوث تلك الظاهرة:
قال الله تعالى: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ" ّ فصلت 53.
لا يملك الإنسان إلا أن يحمد الله و يسبحه و يثني عليه كما ينبغي لجلال وجهه و عظيم سلطانه، فالله خلق الإنسان، و حماه مما يؤذيه من الفضاء الخارجي و متع ناظريه بإبداعه و قدرته. فهو اللطيف الخبير