يانيس ريتسوس (Γιάννης Ρίτσος) هو شاعر يوناني ولد في أيار (مايو) عام 1909 في قرية "مونيمفاسيا" Monemvassia في جنوب شرق مقاطعة البيلوبونيز، جنوبي اليونان و توفي في 11 نوفمبر 1990 بأثينا.
نشأته
تلقى يانيس ريتسوس تعليمه الأول في مدرسة القرية، وكتب أول قصيدة له في سنة 1917 . في آب 1921 توفى أكبر أشقائه بسبب إصابته بالسل و لحقت به والدته بعد ثلاثة أشهر بداء السل أيضا الذي أصاب كامل القرية. (1). أما والده فقد جن جنونه وفقد أمواله بسبب القمار بعد أن كان رجلاً ثرياً ينتمي إلى عائلة نبيلة تملك أراض عدة .
بعد إنهائه دروسه الثانوية انتقل إلى مدينة أثينا التي عانى فيها من الفقر بسبب قاة موارده مما أجبره على أن يقطع دروسه و العمل في مهن صغير، ككاتب ينسخ الأوراق في نقابة المحامين، وراقص هامشي بإحدى الفرق الفنية، وممثل صامت، ثم مصححاً وقارئاً لبروفات الطباعة لدى أحد الناشرين، حتى حظي بوظيفة في "المصرف الوطني" لكنه أصيب هو الآخر بمرض السل في سنة 1926 (1) فيعود إلى قريته التي يكتب فيها ديوانه "منزلنا القديم" . يدخل والده المأوى في نفس السنة و يدخل هو أحد المصحات و يمكث فيها مدة ثلاث سنوات . خلال يتك الفترة لم يتوقف عن القراءة و الكتابة كما تعرف على الوسط "التقدمي" و عند مغادرته للمصحة عاوده المرض و دخل مصحا آخر (1). في سنة 1931 عاد ريتسوس إلى أثينا و امتهن التمثيل في أحد مسارحها . وقال ريتسوس عن تلك المرحلة من حياته :
لم يكن لدي ناشر أول الأمر، فكان علي أن أموّل مؤلفاتي بنفسي، وكنت ما أن أستعيد جزءاً من التكاليف، بعد بيع كتاب، حتى أدفع الثاني إلى المطبعة، ولم يتسن لي الحصول على شروط عمل ملائمة إلا عند بلوغي التاسعة والأربعين من عمري، أما قبل ذلك فقد عملت مجرّد مراجع في إحدى دور النشر، ولكن ذلك أفادني كثيراً، فقد قرأت وأعدت قراءة دوستويفسكي وغيره من الأعلام. وفي وقت سابق عملت في المسرح، وكانت مهنة شاقة، وفوق ذلك كان علي أن أهتم بأسرتي، كنت أحتاج إلى نوم عميق، لكنني في تلك الفترة لم أستطع ذلك حتى نشرت "سوناتا في ضوء القمر" ونلت الجائزة الوطنية للشعر، فتحسنت أحوالي. وفي بداية عام 1956 وقعت عقداً مع دار "كيذروس" التي رغم ظروف عديدة لم أتخل عنها قط، إن الإخلاص خصلة مهمة في نظري
.
بدايته الشعرية
في سنة 1934 قام يانيس بإصدار أول ديوان له ويحمل اسم "تراكتورات"، وفي السنة التالية أصدر ديوانه الثاني و سماه "أهرامات"، و كان قد كتب معظم القصائد هذان الديووان خلال القترة التي قضاها في المصحة(1). ألهمت الأحداث الدامية التي عرقتها بلاده لكتابة قصائده . فقصيدته الشهيرة "أبيتافيوس" عرفت النور إثر مقتل ثلاثين عامل تبغ و جرح ما يقارب الثلاثمائة منهم إثر تظاهرة في أيار 1934 فتحت فيها الشرطة اليونانية النار عليهم وتخلد قصيدة "أبيتافيوس" ذكرى تلك الأحداث الدامية فهي قصيدة جنائزية تتكون من عشرين نشيداً أو ترنيمة مشدودة إلى الذاكرة الجمعية بوشائجها الشعورية بالغناء العامي والأسطورة الوثنية والطقس الأرثوذكسي (1). صادر النظام العسكري الذي كان يحكم اليونان ال قصيدة وأحالها إلى محرقة الكتب أمام أعمدة معبد زيوس و يقوم ميكيس ثيودوراكيس في سنة 1961 بتلحين هذه القصيدة (1) .
في عام 1937 أصدر ريتسوس كتابه "نشيد أختي" وفي ترجمات أخرى "أغنية أختي" . أعجب كوستيز بالاماس الذي كان يعتبر أشهر الأدباء اليونانيين في تلك الفترة و يقول فيه : "إننا ننحني أيها الشاعر كي تمر". واصد ريتسوس إصدراته الأدبية و نشر في سنة 1938 كتابه "سمفونية الربيع" و بعده بسنتين "مسيرة المحيط" . تدهورت حالته الصحية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية خلال سنوات الحرب ما بين 1940 و1944 تسوء حالته الصحكما يعاني اليونان من جوع وفقر كبير . يكتب إحد الصحافيين عن حالة ريتسوس في إحدى الصحف اليونانية لتبيه المثقفين بحالته و يتم جمع التبرعات له ولكنها رُفضت من قبل ريتسوس الذي طلب توزيعها على جميع الكتاب والشعراء المحتاجين (1) و رغم حالته لم يتوقف ريتسوس عن الكتابة و لكن السلطات النازية التي كانت تحتل اليونان قامت بمنع كتابه " "تجربة" (1).
كفاحه
وغادر ريتسوس أثينا في سنة 1945 و استقر في بلدة كوزاني التي أسس فيها مسرحاً شعبياً وكتب مسرحيته "أثينا تحت السلاح" وقصيدة طويلة بعنوان "حاشية الانتصار" ثم يرجع إلى أثينا و يكتب مجموعتين خلال عامين: "يونانية" و"سيدة الكروم". و يتم اعتقاله من منزلـه في 1948 وسط حملات قامت بها الشرطة ويتم إقتياده إلى مخيم للأسرى في جزيرة ليمنوس . و ينقل إلى سجن "ماكرونيسوس" في 1949 و يعذب فيه تعذيبا شديدا .خلال سجنه قام بكتابة مجموعته "زمن الحجر" ، التي طمرها في التراب . تم العثور على أوراق المجموعة بعد سنوات و تم طباعتها (1). ينقل ريتسوس في عام 1950 إلى سجن آخر، ويكتب: "رسالة إلى جوليو ـ كوري"، و"أزقة العالم"، و"النهر ونحن". تم تأسيس لجنة اوروبية متكونة من شعراء ومثقفين مطابة بحريته و ذلك بمبادرة من الشاعر الفرنسي لويس أراغون الذي وصفه سنة 1956 بأنه "ارتجافة جديدة في الشعر الحديث" و يتم إخلاء سبيله في سنة 1952 ويكتب "الرجل ذو القرنفل". في عام 1954 يجمع بعض القصائد التي كتبها في السجن و يطبع كتابه "سهر" (1).
يتزوج فاليستا جيورجياديس التي كان قد تعرف عليها خلال الحرب، التي تنجب له في 1955 ابنته "أري" و يكتب لها "نجمة الصبح" و يزور الاتحاد السوفييتي سنة 1956 ويكتب قصيدته الطويلة "سوناتا في ضوء القمر" وعبرها يبدأ ريتسوس مرحلة المونولوجات الدرامية ـ الشعرية وتنال هذه القصيدة الجائزة الوطنية الكبرى للشعر الهيليني سنة 1956. ثم توالت كتبه "وقائع"، "صفاء شتوي"، "مرمدة" المستوحى من موت فتاة صغيرة، وفيه القصيدة المعروفة "شكل الغياب" . كما يزور رومانيا في عام 1958 و يواصل كتابته و يهدي قصيدة "القديس الأسود" إلى المناضل الإفريقي باتريس لومومب(1) كما يلتقي سنة 1962 خلال زيارته لبراغ ابلشاعر التركي ناظم حكمت.
انقلاب 67
في عام 1967 يعرف اليونان انقلابا و يعود العسكريون إلى سدة الحكم و يلقى القبض على يانيس و يسجن في جزيرة ياروس و يمنع فيه من الكتابة ثم ينقل إلى مخيم في جزيرة "ليروس"، و سمح له فيه بالكتابة والرسم. وفي آب 1968 يدخل ريتسوس قسراً جناح السرطان في أحد مستشفيات أثينا ثم يعاد إلى جزيرة "ليروس" . أطلق لويس أراغون حملة جديدة و واسعة إذ ضمّت أشهر الأدباء الاوروبيين كللت بإطلاق مشروط ليانيس و وضع تحت الإقامة الجبرية في بيته العائلي في كارلوفاسي . ساءت حالته النفسية والجسدية بعد شهر من أطلاقه سراحه و لم يتمكن من السفر إلى أثينا إلا في سنة 1970 و ذلك لإجراء بعض الفحوصات الطبية. و كتب فيها مجموعته "الممشى والدرج" وفي ترجمة أخرى لعنوان المجموعة "الممر والسلالم" (1) .
في سنة 1974 يسقط النظام العسكري ويصعد نظام "الوحدة الوطنية" و تمنحه جامعة تسالونيك شهادة الدكتوراه الفخرية: "لكونه يشمخ منذ أربعين سنة كركيزة للأمة اليونانية وكصوت لها". ويحصل على الجائزة الدولية الكبرى للشعر و تم ترشيحه إلى جائزة نوبل في الأدب و لكنه لم يتحصل عليها (1).