هداية طبيبن علمانيين بسبب حادثة سير خطيرة
حصلت للداعية الشيخ سعيد الزياني
سلمان سعيد الزياني
الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين .
يروي الشيخ سعيد الزياني عن حادثة السير الخطيرة التي تعرض لها يوم جنازة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، ثم كيف كانت هذه الحادثة سببا لهداية طبيبين عِلمانيين كانا يشرفان على علاجه بمستشفى الملك فيصل بالطائف ، فلنستمع إلى القصة يحكيها لنا الشيخ سعيد :
كنت راجعا ذات مرة من مكة إلى قطر بالسيارة بعدما حضرت جنازة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، وكنت أقوم بين الفينة والأخرى برحلة إلى مكة المكرمة بالسيارة حتى أحمل معي بعد أداء العمرة كمية من ماء زمزم تكفيني أنا وأسرتي لشهرين أو أكثر ثم أعود كلما نفدت الكمية ، وكان الشيخ عبد الرحمن السديس يسمي رحلاتي هذه : (الرحلات الزمزمية) إلى أن قدر الله أن أكون موجودا في مكة عند الإعلان عن وفاة الشيخ بن باز رحمه الله تعالى ، ( وقد كنت موجودا في مكة قدرا كذلك عند وفاة الشيخ محمد صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى الذي حضرت كذلك جنازته ) وبعد صلاة مغرب ذلك اليوم الذي توفي فيه سماحة الشيخ بن باز التقيت بالشيخ عبد الرحمن السديس وأنا لا علم لي بخبر وفاة الشيخ ، فسلمت عليه وسألني عن حالي وسألته عن حاله وحال الأولاد ثم ودعته وأنا لا أدري شيئا عن وفاة الشيخ عبد العزيز ، إلى أن دخلت إلى سكني فسمعت الخبر من وسائل الإعلام ، وعلمت أنه سيصلى عليه بعد خطبتي وصلاة الجمعة في الحرم المكي . بعد الصلاة عليه ودفنه ، توجهت إلى بيت الشيخ رحمه الله الكائن بالعزيزية فقدمت العزاء لأبنائه وبعض أصدقائي من طلبة العلم الذين التقيت بهم في بيت سماحة الشيخ ، وأصر علي الشيخ محمد بن إبراهيم التويجري أن أصاحبهم إلى القصيم وأقضي معهم بعض الوقت إلا أني اعتذرت له وقلت له بأني مستعجل جدا ولا بد أن أسافر ، سبحان الله .. لقد كنت مستعجلا ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، مررت قبل الخروج من مكة على (بنشري) لضبط هواء عجلات السيارة المحملة ب(جوالين) زمزم ، فلم أجد الشخص الذي تعودت أن أراه في ذلك المحل ، وجدت شخصا آخر كنت أراه للمرة الثانية، فقال لي: غيرت السيارة ؟ - وقد سبق له أن رآني بسيارة أخرى – فقلت له : لا ولكن هذه السيارة عندي من مدة ، فقال : آه .. هذه سيارة قوية ، وسار يطوف حولها ويقول : آه .. آه .. سيارة قوية ، هذه (تفضل) معك (أي تبقى عندك ) عشرات السنين ، ولم يقل ما شاء الله ، وكانت السيارة من الحجم الكبير من نوع الدفع الرباعي ، استنكرت في نفسي أسلوب كلامه في مدح السيارة دون أن يقول ما شاء الله ، ولكن لم تكن لدي الجرأة أن أقول له : قل ما شاء الله ، إلا أني اكتسبتها الآن فكلما سمعت شخصا يمدح شيئا أو شخصا أعجب به ولم يقل ما شاء الله ، أذكره بها قائلا : قل ما شاء الله .
تحركت بالسيارة نحو الطائف في اتجاه الرياض ثم إلى قطر ، انطلقت بدعاء السفر والأذكار المسنونة ، وكانت زوجتي تتصل بي بين الفينة والأخرى تسألني عن حالي ، وتوصيني أن لا أُسرع فكررت الاتصال مرارا على غير عادتها ، فبينما أنا في طريقي إلى الطائف بعد أن توقفت وصليت صلاة العصر في المسجد ، سمعت صوت انفجار قوي ، فبدأت تميل بي السيارة يمينا وشمالا وأن أقول بأعلى صوتي : الله أكبر .. الله أكبر .. بدأت أرددها إلى أن توقفت السيارة . فقلت في نفسي الحمد لله (جاءت سليمة) لقد انفجرت إحدى عجلات السيارة ، والحمد لله على كل حال . استعنت بعامل بمحطة كانت قريبة مني ، فغيرت العجلة ثم انطلقت ، واتصلت بزوجتي وأخبرتها بما حصل ، فقالت الحمد لله (اللي جاءت هكذا) أنا كنت خائفة عليك لأني رأيت في المنام أنه حصلت لك حادثة سير وانقلبت بك السيارة والدماء تنزل من رأسك ، فالحمد لله (جاءت سليمة ) فقلت لها : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لماذا قلتيها ألم تعلمي أن هذا حلم ويجب ألا تقولينه ، فقالت : لقد انتهى الأمر وتحققت ، ولم أكن أريد أن أحكيها لك قبل أن تتحقق ، لهذا كنت خائفة عليك . واصلت طريقي وأنا ذاكر لله ، أحيانا يغلب علي الخوف وأبدأ في الاستغفار والتضرع إلى الله حتى ألقى الله وهو راض عني ، ثم أُغَلِّبُ الرجاءَ فأقول في نفسي ، أنا راجع من عمرة وحضرت جنازة الشيخ بن باز رحمه الله ، وليس في رحلتي رائحة الدنيا ، ولا أحمل بضاعة ولا شيئا أبتغي به الدنيا ، فإن لقيت الله على هذا الحال ، فهو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين .
وهكذا وأنا بين الخوف والرجاء فإذا بي أسمع صوتا وكأنه انفجار ثم انقلبت بي السيارة التي كانت مملوءة ب(جوالين) زمزم ، وأنا أقول بأعلى صوتي : لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله .. وفي كل مرة تُقلب أقول في نفسي : هذه الضربة القاضية ولساني لم يتوقف عن قول : لا إله إلا الله .. وبقيت السيارة تنقلب بي مساحة حوالي 65 متر، وأنا أُقلب ظهرا لبطن و(بطنا لظهر) كالثوب وسط الغسالة وأنتظر الضربة القاتلة ، إلى أن توقفت وهي عبارة عن ركام حديد ، من رآها لا يصدق أن الذي كان راكبَها لا زال حيا يرزق ، فخرجت من السيارة والدماء تتصبب من رأسي ومن جسدي ثم سقطت على الأرض مغمىً علي من شدة الحادث ، فكانت ورائي سيارات كثيرة جل راكبيها من شباب أهل الرياض الذين حضروا جنازة الشيخ ، وكانوا عائدين إلى الرياض ، فالتفُّوا حولي ، وكنت كأني بين نوم ويقظة أسمع أصواتهم ، فقال أحدهم قبِّلوه ، أي وجِّهوه نحو القبلة ، وقال آخر لقنوه الشهادة ، فعندما سمعت كلامهم بدأت أكرر كلمة التوحيد بصوت خافت ، ثم قلت : من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ، يا إخواني اشهدوا أني أقول لا إله إلا الله عند الموت ، ثم قلت : ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، وأضفت قائلا : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : ما أصابتني من مصيبة إلا وجدت فيها ثلاث نِعَمٍ ، الأولى أنها لم تكن في ديني ، والثانية أنها لم تكن أعظم مما كانت والثالثة أن الله يعطي عليها الثواب الجزيل ، ثم تلا قول الله تعالى : (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة * وأولئك هم المهتدون ) وواصلت كلامي والدم يتصبب من رأسي وكأني أُلقِي موعظة أو درسا ، فتأثر الحاضرون الذين كانوا حولي من هذه الموعظة ، فقال أحدهم : (هذا لا تخاف عليه ، خَلِّيهْ يموت) ، وعندما نقلتني سيارة الإسعاف إلى مستشفى الملك فيصل بالطائف - الذي يبعد عن المكان الذي حصل لي فيه الحادث بأكثر من مائتي كيلو متر- كان يعالجني طبيبان متخصصان في العظام ، أحدهما سوري والثاني مصري ، والظاهر أنهما كانا صديقين ، فعندما كانا مشغولين في علاجي حيث أُصِبْتُ بكسور في الترقوة وفي لوحة الكتف ،كنت أحدثهما حديثا إيمانيا ، وتكرر ذلك مرارا ، وقبل خروجي من المستشفى الذين قضيت فيه أربعة أيام ، حيث نقلوني إلى مستشفى النور بمكة المكرمة وكان أول من عادني فيه الشيخ صالح بن حميد حفظه الله إمام وخطيب المسجد الحرام والرئيس الحالي لمجلس الشورى ، أقول : قبل خروجي من مستشفى الملك فيصل : جاءني الطبيبان فأخبراني أنهما كانا عِلْمانِيَيْنِ ، وبعد سماعهما لما كنت أحدثهم به قلَّب الله قَلْبَيْهِمَا وقررا التوبة إلى الله والمحافظة على الصلاة ، فشاع الخبر في المستشفى أن الطبيبين العلمانبيين أصبحا يصليان ، فجاءني طبيب ملتزم وعليه هيئة السنة ، جاءني أولا ليشكرني ثم سألني مستغربا : أريد أن أعرف ماذا قلت لهما حتى اهتديا ، أنا أكلمهما من سنوات ولم يستجيبا فقاطعتهما.
أقول : ربما كان هذا الأخ من الذين يعتقدون أن الابتسامة تُذهب الهيبة عن الداعية فكان يدعوهم بشيء من الجفوة والغلظة والشدة ، بل هناك من يتعامل مع الناس وكأن أسنانه عورة لا يُبْديها للناس ، في حين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (ابتسامتك في وجه أخيك صدقة ) وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) فقلت لهذا الأخ جوابا على سؤاله واستغرابه : لم أقل لهما شيئا جديدا ، إلا أنه كما كانا يعالجاني برحمة ورفق ، فكنت أدعوهما إلى الله برحمة ورفق ، وما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نُزِع من شيء إلا شانه ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه .