خناتة بنت بكار
خناثة بنت الشيخ بكار المغافري والمعروفة بخناتة بنت بكار (توفيت سنة 1730 م / جمادى الأولى عام 1159 هـ) عالمة وفقيهة وأديبة مغربية، أحسنت القراءات السبع، عالمة بالحديث، متصوفة، هي زوج ومستشار المولى إسماعيل ووالدت السلطان عبد الله بن إسماعيل. تولت تربية ورعاية حفيدها السلطان محمد بن عبد الله.
حياتها
حين غزا السلطان إسماعيل صحراء سوس سنة 1089 هـ، قدمت عليه وفود العرب من عرب المعقل الذين أدوا طاعتهم، وكان في ذلك الوفد الشيخ بكار المغافري الشنقيطي والد الحرة خناثة التي أهداها إلى السلطان فتزوجها ووصفها الناصري؛ بأنها كانت ذات جمال وفقه وأدب.
وقد استطاعت خناثة أن تتميز وسط البلاط العلوي بحظوتها العلمية والفقهية وبنسبها المغافري، التي تنحدر منه أيضا أم السلطان إسماعيل "للا مباركة"، فتشربت تربية القصر، ففيه تعلمت وتثقفت، يذكر القادري في كتابه نشر المثاني، أن الشيخ أبي عبد الله محمد المكي الدكالي هو الذي كان يصحح لها اللوح الذي تكتبه بيدها لحفظ القرأن.
توفيت في جمادى الأولى عام 1159 هـ ودفنت بروضة الأشراف من المدينة البيضاء بفاس الجديد.
مسيرتها السياسية
كانت أول امرأة تتولى الوزارة في المغرب، اثر وفاة السلطان العلوي مولاي إسماعيل.
لقد كان للسيدة خناثة أدوارا سياسية كبيرة في تاريخ المغرب؛ خاصة خلال الفترة التي حكم فيها ابنها السلطان المولى عبد الله، حيث تعرضت للعديد من المضايقات والمحن من النفي إلى السجن والمطاردة والسلب.
بعد العزل الأول للمولى عبد الله، ومبايعة أبو الحسن الأعرج على يد سالم الدكالي أحد كبار قواد جيش البخاري.
ويحكي الناصري في الاستقصا:
«ولما استقر السلطان المولى أبو الحسن بمكناسة قدمت عليه الوفود ببيعتهم وهداياهم من جميع البلدان فأجازهم وفرق المال على الجيش إلى أن نفد ما عنده واحتاج فقبض على الحرة خناثة بنت بكار أم السلطان المولى عبد الله، فاستصفى ما عندها ثم امتحنها لتقر بما عسى أن تكون أخفته فلم يحصل على طائل، وكانت هذه الفعلة معدودة من هناته عفا الله عنه.»
فإن أول ما قام به السلطان أبو الحسن هو إلقاء القبض على خناثة رفقة حفيدها محمد بن عبد الله، يقول الضعيف الرباطي:
« فبعثت تطلب العلماء بعد أن دخل دارها واستولى على ما فيها. وطلبت أن يتكلموا في شأن حفيدها سيدي محمد على أن يخرجها من السجن لأنها امرأة مسنة واتقت أن يتكشف عليها من أجل الضيق، وادعت أيضا أن حفيدها صغير السن 13 سنة وما فعل ذنبا يستحق عليه العقوبة والسجن، وها أنا في السجن حتى يحكم الله بيني وبينه، ثم بعد ذلك تكلموا مع السلطان مولاي علي الأعرج فسرح حفيدها من السجن.»
وفي رمضان من عام 1153 هـ، لعبت خناثة دورا أساسيا في صلح السلطان عبد الله مع قبائل الودايا. وفي يوم الخميس موافق 30 ربيع الأول 1154 هـ جاءت خناثة بنت البكار هاربة من مكناسة، ودخلت فاس الجديد خوفا على نفسها من العبيد لما سمعته من عزل ولدها.
جيش الودايا
شكل جيش الودايا درعا سياسيا واجتماعيا لمكانة خناثة داخل نظم الدولة قبل وحتى بعد وفاة المولى إسماعيل، حتى إن مكانتها وتميزها جعلا أحد الإنجليز وهو جون ويندهاس يشير إليها في كتاباته، واصفا رجوعها من عرب المعقل بقبائل المغافرة بالساقية الحمراء في موكب سلطاني يتكون من عشرين ألف رجل.
العلاقات الخارجية
كما لعبت السيدة خناثة دورا بارزا في تثبيت اتفاقية السلام والتجارة التي وقعت بمكناس بين الإيالة الشريفة ودولة بريطانيا العظمى في شخص سفيرها شارل ستيوارت خلال صيف سنة 1721م، نفس السفير كانت له مراسلات مع السيدة خناثة بخصوص طلب دعمها لهذه الاتفاقية، وبشأن التدخل لدى السلطان للإفراج عن عدد من الأسرى الإنجليز.
كما تحفظ بعض المتاحف مخطوطة وهي رسالة تحمل طابعها موجهة إلى سكان مدينة وجدة، تنصحهم وتطمئنهم بشأن المخاوف التي كانت تراودهم من قبل جيرانهم الأتراك في المغرب الأوسط.
مسيرتها العلمية
لها تعليقات على كتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني وهي محفوظة في الخزانة الملكية بالرباط، كما عرف عنها غيرتها على العلماء، ويكفي أنها كانت سببا في نجاة الفقيه المفسر عمر لوقش التطواني من عقاب ابنها السلطان المولى عبد الله إثر وشاية بعض المكناسيين.
هي من اقترح بناء مسجد خناتة بنت بكار في مدينة مكناس، الذي انهار في فبراير 2010
الحج
خلال سنة 1143 هـ بعث السلطان المولى عبد الله ولده الأمير المولى محمد رفقة أمه السيدة خناثة بنت بكار إلى الديار المقدسة، وفي موكبها للحج استقبلت بطرابلس الغرب حين حل بها استقبالا فاخرا خرج فيه للقائهم حاكم هذه الجهة وولده مع لمة من أصحابه وشارك فيـه أهل البلد، كما شاركـت فيه البحرية الطرابلسية بعدة طلقات من مدافع كبار في التسليم والتوديع، وقد استمر على هذه الاحتفالات مدة إقامتها بطرابلس وكذلك فعل في أوبتهما.
قام بتسجيل الرحلة الوزير أبو محمد عبد القادر الجيلاني الإسحاقي، ويصف حج الأميرة:
«"وصلت ليلة السادس ـ من ذي الحجة ـ إلى مكة المشرفة بعد العشاء وعليها السكينة مرفرفة، وهي في جلالة عظيمة وسيادة فخيمة، في محفل من الأجناد، وجمع من الأجواد، ولهم زجل بالتلبية والأدعية، فطافت طواف القدوم، وطلعت إلى دارها المكري المعلوم، ثم إنها طلعت إلى عرفات ولها دويّ بالتسبيح والتقديس، وكانت الوقفة يوم الخميس، ثم نزلت إلى منى فأقامت ثلاثة أيام وأكثرت من الهدي، وبذلت الشراب والطعام، ثم نفرت إلى مكة وجاءت بعمرة الإسلام، تكثر من الصدقات على الدوام، وبذلت بغير حصر، وأعطت عطاء من لا يخاف الفقر...".»
فقوبلت بحفاوة كبيرة من أهل الحرمين وفرقت هناك على المحتاجين وذوي البيوتات ما يزيد على مائة ألف دينار وأكرمها العلماء ومدحها الشعراء، ومن جملة ما مُدحت به قصيدة للشيخ محمد بن علي بن فضل الحسيني الطبري إمام المقام الإبراهيمي قال فيها:
فاحت بها أرجاء مكة رغبةومحبة من سائر الأخياروهي الحقيقة بالجلالة في الورىفجلالة الأضياف ليس بعار
وحرر لها الوزير الذي رافقها وبطلب منها فتوى بمكة المكرمة تجيز تملك العقار في البلد الحرام.