عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان"
متفق عليه.
هذا الحديث يدل على أمور: أحدها: نهي الحاكم بين الناس أن يحكم في كل قضية معينة بين اثنين وهو غضبان، سواء كان ذلك في القضايا الدينية أو الدنيوية. وذلك لما في الغضب من تغير الفكر وانحرافه. وهذا الانحراف للفكر يضر في استحضاره للحق. ويضر أيضاً في قصده الحق. والغرض الأصلي للحاكم وغيره: قصد الحق علماً وعملاً. الثاني: يدل على أنه ينبغي أن يجتهد في الأخذ بالأسباب التي تصرف الغضب، أو تخففه: من التخلق بالحلم والصبر، وتوطين النفس على ما يصيبه، وما يسمعه من الخصوم؛ فإن هذا عون كبير على دفع الغضب، أو تخفيفه. الثالث: يؤخذ من هذا التعليل: أن كل ما منع الإنسان من معرفة الحق أو قصده، فحكمه حكم الغضب. وذلك كالهَمِّ الشديد، والجوع والعطش، أو نحو ذلك مما يشغل الفكر مثل أو أكثر من الغضب. الرابع: أن النهي عن الحكم في حال الغضب ونحوه مقصود لغيره. وهو أنه ينبغي للحاكم أن لا يحكم حتى يحيط علماً بالحكم الشرعي الكلي، وبالقضية الجزئية من جميع أطرافها، ويحسن كيف يطبقها على الحكم الشرعي؛ فإن الحاكم محتاج إلى هذه الأمور الثلاثة: الأول: العلم بالطرق الشرعية، التي وضعها الشارع لفصل الخصومات والحكم بين الناس. الثاني: أن يفهم ما بين الخصمين من الخصومة، ويتصورها تصوراً تامًّا، ويدع كل واحد منهما يدلي بحجته، ويشرح قضيته شرحاً تاماًّ. ثم إذا تحقق ذلك وأحاط به علماً احتاج إلى الأمر الثالث. وهو صفة تطبيقها وإدخالها في الأحكام الشرعية، فمتى وفق لهذه الأمور الثلاثة، وقصد العدل، وفق له، وهدي إليه، ومتى فاته واحد منها، حصل الغلط، واختل الحكم. والله أعلم.
(اهـ نقلا عن كتاب بهجة قلوب الأبرار للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي).
</b></i>منقول