بالفصيح
ولقد ينبح الرجل
عبدالله الناصر
لم أنم تلك الليلة من نباح كلب لجاري ، وكان من الطريف أن صديقاً حكى لي حكايته مع كلب لئيم حرمه لذة النوم ، وقد ذكرت حكاية صديقي هنا منذ زمن ، وها أنا أعود مرة أخرى لحكاية ذلك الصديق حيث قال:
عند جاري كلب صغير لئيم جداً ، إذا جاء منتصف الليل تحركت لديه شهوة النباح ، وهو لا ينبح مرة أو مرتين ثم يعود لهدوئه ، بل إن وصلة النباح لديه قد تمتد أحياناً إلى الفجر. وقد لحقني أذى كثير من هذا الكلب اللئيم ، وكم تمنيت خنقه أو سمه أو إطلاق النار عليه.
قال الصديق:
وعندما اشتد بي الأذى ذهبت إلى جاري ، وطرقت بابه وحييته بكل أدب واحترام ، ورفعت له شكواي ومظلمتي من كلبه الذي حرمني النوم كثيراً لليال طويلة!! ورجوته أن يجد حلاً..
نظر إليّ جاري العزيز ، وقال ما معناه: إن كلبي يتمتع بحريته في بيته ، وإن للكلاب الحرية المطلقة في النباح متى شاءت!! وإنه ليس من حقي أن أتدخل في حرية كلب يمارس حقه المشروع في النباح!!
فقلت له: إنني أقدر مشاعرك تجاه الكلب العزيز ، وأقدر حرية الكلاب ، ولكن الحرية يجب ألا تسبب الأذى للآخرين ، وإنك تستطيع أن تجد حلاً مناسباً يمنح الكلب حريته ويعطيني حريتي في النوم.. ضحك جاري وقال: لا مانع لدي من أن تتحدث مع الكلب ، وتتفاهم معه ، وتتقاسما الحرية إن استطاع أن يفهم عليك ، أو أن يستجيب لمطلبك!! وشعرت أن صاحب الكلب خذلني ، وأنه لا يقل لؤماً عن كلبه!! وعرفت أن الحديث معه مضيعة للوقت، ووجع للقلب..
قال الصديق:
فعدت إلى بيتي مكسور الخاطر ، وقد ضاقت بي الحيل. فاستشرت أحد الأصدقاء في رفع قضية ضد الجار وكلبه!!
ولكن هذا الصديق أشار علي بعدم فعل ذلك ، لأن النتيجة معروفة ، فليس هناك قانون يمنع الكلاب من ممارسة حريتها في النباح في أي وقت.. ولكنه نصحني بالحيلة!
قلت: وكيف أحتال على كلب ينبح؟
قال: المسألة سهلة جداً ، إذا بدأ في النباح ، فانبح أنت!!
قلت مستغرباً: أنبح أنا؟!
قال: نعم أنبح بصوت أقوى وأشد خشونة!! فإن الكلب الصغير هذا سيأخذه الرعب ، ويظنك كلباً ضخماً سيهجم عليه!!
قلت: أتريد مني أن أنبح أمام زوجتي وأولادي؟! إنهم سوف يتهمونني بالخبل والجنون؟؟ قال: لا حل إلا ما أشرت عليك به!!
قال:
ففكرت طويلاً ، ورحت أسأل نفسي.. أيمكن أن آخذ برأي الصديق فأنبح..؟ أم أرفع قضية ضد الكلب..؟ ولو رفعت القضية ، فهل سوف أكسبها؟! وكيف لي بدفع حقوق المحامين الذين سيرهقون قلبي وجيبي؟!
قال: فاحترت كثيراً ولكنني قلت لنفسي إن الإنسان قد يضطر إلى أن يركب المركب الصعب ، فيلجأ إلى ما لا ترتضيه نفسه عندما يبتلى ، وأنه قد يهبط بذوقه كي يدفع الشرّ عنه..
قال: فاستقر بي الأمر على أن أخذ برأي صديقي وأنبح وأمري إلى الله!! فلما نبح الكلب كعادته ، واجهته ، ونبحت نباحاً ، وعويت عواءً شنيعاً مخيفاً لو سمعه الأسد لارتعد.. فأصيب الكلب بالذعر ، وصمت صمتاً لم يعد بعده لممارسة شهوة النباح ، وأصبحت أنام نوماً عميقا وهادئاً.!!
ضحكت كثيراً
من قصة ذلك الصديق المضحكة ،
وقلت:
يا لها من ظروف يضطر معها بعض بني البشر لأن ينبح نبح الكلاب ، كي يدفع أذاها عن نفسه.!
!
منقول