عندما يموت كل شيء وأنت أيضا!
انيس منصور - من الشرق الأوسط
عندما تشعر بأنه لا جديد في هذه الدنيا.. فإذا ذهبت إلى مكان أحسست أنك رأيته من قبل.. وإذا سمعت حكاية أشرت بيدك حتى لا يكملها أحد، فقد سمعتها من قبل.. والراديو مغلق والتليفزيون أيضا قد سمعته ورأيت كل ذلك من قبل.. والطعام والشراب والوجوه لأناس لا تعرف أسماءهم أو تعرف الأسماء، ولا تعرف وجوهها..
ولا تريد أن تخرج من البيت.. فكل شيء قد رأيته وتوقفت عنده.. وإذا نزلت من البيت إلى الشارع، فأنت تعرف الشارع وأشكال البوابين وأسماءهم .. فلا جديد. وأكثر من ذلك: لا معنى لأي شيء أو لأي أحد.
وتشعر أن ملك الموت قد سبقك إلى كل شيء، لا يبقى إلا الترحم على الذي كان، حتى الترحم قد قلته قبل ذلك. ولا ضرورة له..
فإذا عرضوا عليك أن تذهب إلى طبيب. كان الرفض أول رد فعل.. فما الذي يستطيعه الطبيب وما الذي يعرفه أو يشعر به أصدق منك.. ثم ما هذه الأدوية التي وصفها لك.. لقد جربتها والنتيجة: صفر.. وإذا بدا الحزن على الوجوه إشفاقا عليك، فإنك لا ترى في ذلك صدقا. وإنما الناس اعتادوا إذا رأوا مريضا أو ميتا أن يشعروا بالحزن والأسى.. وليس هذا سلوكا خاصا بك وحدك.. وإنما سلوك كل الناس أمام أي واحد مات.. حتى لو كان كلبا.
يعني إيه؟.. يعنى أنك قتلت الدنيا حولك ودفنتها. فلا حياة في أي شيء.. فلا أنت تراه أو تسمعه أو تتذوقه.. والحقيقة غير ذلك. فالدنيا لم تمت. وإنما أنت الذي اخترت أن تموت وأنت حي. وأن يفيض شعورك بالنهاية على كل شيء آخر. أنت اخترت أن تموت وتسخر ممن يأسف لحالك.. ويبكي على مآلك وأنك أفرغت الكون كله إلا منك.. مع أنك أنت أيضا أكثر فراغا من الكون. فلا أسف عليك من أي أحد!
أنيس منصور