قال الله تعالى:
﴿ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾
وقد نزل القرآن بذم هذه الرذيلة منذ أوائل العهد المكي إذ قال: (ولا تطع كل حلاف مهين. هماز -طعان في الناس- مشاء بنميم) فاعلموا رحمكم الله أن لحوم العلماء مسمومة، وأن عادة الله فيمن تنقصهم معلومة، وأن أسوار من استهزأ بهم مهدومة، لأن العالم هو من وارثي الأنبياء عليهم السلام، وقد أقام به الله بلاداً كثيرة.
يقول تعالى: ((أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا)).قالوا: هو موت العلماء، أورده الشوكاني وغيره.
فموت العالم ثُلمة في الإسلام، وموت العالم زلزال في الأمة، وموت العالم جرح لا يندمل إلا بعالم آخر. فواجب علينا أن نحفظ حقوقهم بعد أن رأينا تقدير الله لهم وعظم شأنهم عنده سبحانه، وأن نرد عن أعراضهم، إذا رأينا من يتطاول ويتقدم في المجالس، وأن نحتسب الأجر في ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم يقول: (من ذبَّ عن عرض أخيه ذبَّ الله النار عن وجهه يوم القيامة)، رواه أحمد وغيره. جعل الله للعلماء منزلة رفيعة يحوطها سياج من الاحترام والتقدير لا يجوز انتهاكها.
يقول سبحانه: ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ))، ويقول عز وجل: ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ))، ويقول: ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)).وربما أخطأ العالم في فتيا اجتهادية، أو وهم في نقل، أو نسي معلومة، ومع ذلك تبقى مكانته ويبقى احترامه.
وإني ناصح لشباب الصحوة أن يجلوا علماءهم، وأن يعتذروا لمن ظهر صدقه وعرف نصحه واشتهر صلاحه، لتبقى الأمة متماسكة بعلمائها:
فعلينا أن نربط الجيل بهم بكثرة ذكرهم وإبراز علومهم ونشرها، بواسطة وسائل النشر.
واعتماد فتواهم إذا عضدها الدليل.
وعدم تخطيهم إلى غيرهم ممن لم يبلغ معشار علمهم.
وزيارتهم بين الحين والآخر.
ومشاورتهم.
وتسهيل اتصال شباب الجيل بهم.
وعدم التعرض لهم بقدح.
والذبّ عنهم كما سبق.
هم النجوم ولكن لا أقول لها يرقى بها لحل باغ فاجر حنق
فاعرف مكانتهم والزم ريادتهم فإنهم نور هذا الكون والفلق
وربما يعتقد بعض الناس أن العالم لا ينبغي له أن يخطئ في فتيا ولا يجنح في رأي، بمعنى أن هذا العالم أصبح معصوماً، فإذا فارق هذه العصمة المزعومة أصبح غير موثوق به، غير مبجل، غير أهل أن يؤخذ عنه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث...) (1) ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها؟
للدكتور الفاضل ناصر العمر كتاب بعنوان: (لحوم العلماء مسمومة ) يقول فيه: إن من حقوق العلماء على الجيل:
الذب عن أعراضهم، والدفاع عن مكانتهم، واحتساب الأجر في حماية كيانهم الموقر.
ومن حقوقهم السماع لهم، وطاعتهم في طاعة الله عز وجل، وطلب فصحهم ومشورتهم، والحرص على التقاط فوائدهم.
قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس عن هذه الآفات، وعن أصحاب الحديث: إن بعضهم يقدح في بعض؛ طلباً للتشفي، ويخرجون ذلك مخرج الجرح والتعديل، الذي استعمله القدماء في هذه الأمة للذب عن شرع الله، والله أعلم بالمقاصد.
أكثر غيبتنا الآن في الجرح والتعديل، تغتاب فلاناً فأقول: استغفر الله، فيقول: ليس قصدي أن أغتابه، إنما قصدي أن أخبر الناس به، الحاج موسى وموسى الحاج، أنت ما قصدت إلا غيبته، بل بعض الاستغفار والدعاء غيبة، كما إذا ذكر لك رجل، وقال: ما رأيك في فلان؟ فتقول: استغفر الله. فهل تستغفر من الذنب؟! إنك تطعنه بالخنجر من الاستغفار، وهذا عيب على طريقة الذاكرين.
ومنها: الغيبة إذا ذكر لك رجل، قلت: هداه الله، وما قصدك الدعاء لكنك تقصد شيئاً فطلبت الدعاء له، وقد نبه على ذلك شيخ الإسلام في منشور من الفتاوى موجود.
أيها الفضلاء! ولكن يبقى في بعض الناس رقة، وخير وفضل، ويبقى في أهل العلم بقية؛ هم أهل الصدارة والريادة.
فحذارِ حذارِ! وإنما أنبه غيركم وأما أنتم فإنكم -إن شاء الله- لديكم من العلم والتقوى، والورع والوعي، ما تدركون ذلك، لكن إياك أعني واسمعي يا جارة.
ومعلوم أيها الإخوة! أنَّا عرفنا من الأشخاص من كان مذهبه التنقص في العلماء، فأصابه الله بخيبة، ولم يجعل له قبولاً، وصار عرضه منتهكاً عند شباب الإسلام، ولم يحفظ الله عليه عورته؛ لأنه لم يحفظ حرمة العلماء.
هم نجوم الأرض، لكن نطرق أبوابهم، لا يطرقون هم أبوابنا، وننتظرهم نحن في الشمس ولا ينتظرونا هم، ونقف نسلم عليهم، ونأخذ بألبابهم، ونبجلهم، وندعو لهم،بظهر الغيب، ونطلب منهم أن يدعوا لنا بالثبات والسداد والفقه في الدين، وحينها تتصل المسيرة، ويصلح الحال، ويزيل الله شراً عن البلاد والعباد، وتقوم أمور الأمة على هدى من الله، وهدى من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. نسأل الله أن يثبتهم وأن يزيدهم توفيقاً لقول الحق لا يخشون في الله لومة لائم.
رفع الله منازلكم، وغفر ذنوبكم، وأصلح بالكم، وأحق لكم الحق، ورزقكم اتباعه، وأبطل عنكم الباطل، ورزقكم اجتنابه.
عَمَّرَ الله أوقاتكم بالسعادة، وجمعنا بكم في الجنة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
10-02-2009, 05:19 AM
لحوم العلماء مسمومه ومن أستهزء بهم أسواره مهدومه
