الْحَمْدُ للهِ رَّبِّ الْعَالَمِيِنْ...
الْحَمْدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا علَيهِ ، كما يحبُّ ربُّنا ويرضَى
اللَّهمَّ ربَّنا لَكَ الحمدُ،
ملءَ السَّماواتِ وملءَ الأرضِ، وملءَ ما شئتَ من شيءٍ بعدُ،
أَهلَ الثَّناءِ والمَجدِ، أحقُّ ما قالَ العبدُ وَكلُّنا لَكَ عبدٌ،
لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا معطيَ لما منعتَ، ولا ينفعُ ذا الجدِّ منْكَ الجدُّ
وأُصَلِّي وأُسَلِّم عَلَى سَيِّدِ الأَوَّلِينَ والآخِرينَ وخَيْرِ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِين
سَيدُنا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِه وصَحْبِه وسَلَّم
أما بعد...
فيقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه العزيز:
{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }
غافر: 60
قال الإمام القرطبي رحمه الله:
ويقول ربكم أيها الناس لكم ادعوني:
يقول: اعبدوني وأخلصوا لي العبادة دون من تعبدون من دوني من الأوثان والأصنام وغير ذلك
( أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) يقول: أُجِبْ دعاءكم فأعفو عنكم وأرحمكم.
وقوله: ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي )
يقول: إن الذين يتعظمون عن إفرادي بالعبادة, وإفراد الألوهة لي ( سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) بمعنى: صاغرين.
وقد قيل: إن معنى قوله ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ) : إن الذين يستكبرون عن دعائي.
عن أبي هريرة رضى الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ، غَضِبَ عَلَيْهِ "
حسنه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 3100
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال -مستشهداً بقوله تعالى: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)- في رواية الأمام الترمذي رحمه الله:
" الـدُّعَــاءُ هُـوَ الْعِبـَـادَةُ "
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذي علمنا كيف نتقرب إلى الله تبارك وتعالى، وكيف نعبده سبحانه جلَّ وعلا
وعلَّمنا ودلَّنا إلى فضائل الاعمال، التي منها وأعظمها قوله صلى الله عليه وسلم:
" أَفْضَلُ الذِّكْرِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ "
رواه الإمام الترمذي في سننه، وحسنه الإمام الألباني في صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1104
ولنقف معاً عند معنى هذا الحديث الجامع للفضائل، ولنتدبر شرح الحديث
من كتاب تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي :
قَوْلُهُ:
" أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "
لِأَنَّهَا كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَالتَّوْحِيدُ لَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ وَهِيَ الْفَارِقَةُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ ،
وَلِأَنَّهَا أَجْمَعُ لِلْقَلْبِ مَعَ اللَّهِ وَأَنْفَى لِلْغَيْرِ وَأَشَدُّ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَتَصْفِيَةً لِلْبَاطِنِ وَتَنْقِيَةً لِلْخَاطِرِ مِنْ خُبْثِ النَّفْسِ وَأَطْرَدُ لِلشَّيْطَانِ
" وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ "
الدُّعَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَأَنْ تَطْلُبَ مِنْهُ الْحَاجَةَ وَالْحَمْدُ يَشْمَلُهُمَا ،
فَإِنَّ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ يَحْمَدُهُ عَلَى نِعْمَتِهِ وَالْحَمْدُ عَلَى النِّعْمَةِ طَلَبُ الْمَزِيدِ وَهُوَ رَأْسُ الشُّكْرِ ،
قَالَ تَعَالَى :{ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ }
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ مِنْ بَابِ التَّلْمِيحِ وَالْإِشَارَةِ إِلَى قَوْلِهِ : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
وَأَيُّ دُعَاءٍ أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ وَأَجْمَعُ مِنْ ذَلِكَ. إنتهى
فَحَمــدُ اللَّــهِ عِبـادةٌ ودُعَــاء ، وَ حَمْــدُ اللَّــهِ أَفْضَـلُ الـدُّعَــاء
والله يحب عباده الشاكرين، كما قال رب العالمين:
{ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ } الزمر: 66
وكما قال:
{ ......وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } آل عمران: 144
وكما قال:
{ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } إبراهيم:7
ولأن حمد الله سبحانه ودوام شكره وذكره من الأعمال التي يحبها فأمرنا بها،
ولأن الآيات الدالة على ذلك كثيرة ومتعددة، سنتطرق لها فيما هو آت بحول الله وقوته
فتابعونا بأمر الله تعالى، لأنقل لكم فوائد ودرر من كلام العلماء في هذا الباب
فتابعوا معي بإذن الله