الخنساء شاعرة الصبر والحكمة
الخَنْسَاء تُمَاضِر بنت عمرو بن الحرْث " رضى الله عنها "صحابية وشاعرة مخضرمة, هي تماضر بنت عمرو بن الحرْث بن الشَرِّيد السُّلَمِيَّة، ولدت سنة 575 للميلاد ، لقبت بالخنساء لقصر أنفها وارتفاع أرنبتيه.كانت أصغر أخواتها صخر وعمرو وكانا أخويها من الأب , وكانت ذات شخصية قوية ومن ذلك أنها رفضت الزواج من دريد بن الصمة أحد حكماء العرب وأحد المعمرين تزوجت من ابن عمها رواحة بن عبد العزيز السلمي، إلا أنها لم تدم طويلا معه لأنه كان مقامرا ومتلافا لماله ومالها ثم أنجبت منه ولدا ،ثم تزوجت بعدها من ابن عمها مرداس بن أبي عامر السلمي ، وأنجبت منه أربعة أولاد، وهم يزيد ومعاوية وعمرو وعمرة. واختلف في سنة وفاتها ولكن الراجح أنه سنة 664 للميلاد.
كان أخوها صخرا كريما ومهابا في قومه وكان من أملح العرب وجها وسبب موته أنه غزا بني أسد فطعنه أبو ثور الأسدي فمرض منها عاماً ثم مات.
وغلبت الخنساء على الشواعر من النساء فبرعت في الرثاء كما كان لها بعض الخطب القصار, قال عنها جرير: والله لأني أشعر الشعراء لولا هذه الخبيثة، أما بشار بن برد فقد قال : لم تقل امرأة قط شعراً إلا تبين الضعف في شعرها ، فسألوه وهل الخنساء كذلك ؟ فقال: الخنساء فوق الرجال، وقال المبرد: إن أعظم النساء في الشعر هما ليلى الأخيلية والخنساء السلمية . وكان يضرب للنابغة قبة من أدمٍ بسوق عكاظ، فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها. قال: وأول من أنشده الأعشى ثم حسان بن ثابت ثم أنشدته الشعراء، ثم أنشدته الخنساء بنت عمرو بن الشريد:
وإن صخراً لتأتم الهداة به
كـأنه علم في رأسه iiنار
فقال: والله لولا أن أبا بصير " أبو بصير الأعشى ميمون بن قيس " سبقك ً لقلت إنك أشعر الجن والإنس. وقال حسان بن ثابت للخنساء يوما : أهجي قيس بن الخطيم؛ فقالت: لا أهجو أحداً أبداً حتى أراه. قال: فجاءته يوماً فوجدته في مشرقةٍ ملتفاً في كساء له، فنخسته برجلها وقالت: قم، فقام؛ فقالت: أدبر، فأدبر؛ ثم قالت: أقبل، فأقبل. قال: والله لكأنها تعترض عبداً تشتريه، ثم عاد إلى حاله نائماً؛ فقالت: والله لا أهجو هذا أبداً. ولما كانت وقعة بدر، قتل فيها عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة؛ فأقبلت هند بنت عتبة ترثيهم، وبلغها تسويم الخنساء هودجها في الموسم ومعاظمتها العرب بمصيبتها بأبيها عمرو بن الشريد وأخويها صخرٍ ومعاوية، وأنها جعلت تشهد الموسم وتبكيهم، وقد سومت هودجها براية، وأنها تقول: أنا أعظم العرب مصيبةً، وأن العرب قد عرفت لها بعض ذلك. فلما أصيبت هند بما أصيبت به وبلغها ذلك، قالت: أنا أعظم من الخنساء مصيبة ً، وأمرت بهودجها فسوم براية، وشهدت الموسم بعكاظ، وكانت سوقاً يجتمع فيها العرب، فقالت: اقرنوا جملي بجمل الخنساء، ففعلوا. فلما أن دنت منها، قالت لها الخنساء: من أنت يا أخيّة؟ قالت: أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبةً، وقد بلغني أنك تعاظمين العرب بمصيبتك، فبم تعاظمينهم؟ فقالت الخنساء: بعمرو بن الشريد، وصخرٍ ومعاوية ابني عمرو، وبم تعاظمينهم أنت؟ قالت: بأبي عتبة بن ربيعة، وعمي شيبة بن ربيعة، وأخي الوليد. قالت الخنساء: أو سواءٌ هم عندك .
ثم أنشدت تقول:
أبـكـي أبـي عـمراً بعينٍ iiغزيرةٍ
فـلـيـلٌ إذا نام الخلي iiهجودهـا
وصـنـوي لا أنـسى معاوية iiالذي
لـه مـن سـراة الـحرتين وفودها
وصخراً، ومن ذا مثل صخرٍ إذا غدا
بـساهمة الآطال قـبـاً iiيقـودهـا
فذلك يا هند الرزية iiفـاعـلـمـي
ونيران حربٍ حين شب iiوقـودهـا
فقالت هندٌ تجيبها:
أبكي عميد الأبطحين كلـيهـمـا
وحاميهما من كل بـاغٍ iiيريدهـا
أبي عتبة الخيرات ويحك iiفاعلمي
وشيبة والحامي الذمار iiولـيدهـا
أولئك آل المجد من آل iiغـالـبٍ
وفي العز منها حين ينمي iiعديدها
وهاجرت الخنساء إلى المدينة المنورة وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وأعلنت إسلامها, وقدم عليها الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- في موسم من مواسم الحج وقد نهاها عن كثرة رثائها فقال لها اتعب عينيك هكذا ؟ قالت بكائي على رجالات مضر في الجاهلية . فقال إنهم في النار، فقالت : أبكيهم أكثر بعد الإسلام لما ماتوا عليه من الضلال ، قال : صدقت يا بنت عمرو. وخرجت الخنساء في كثير من الغزوات وحرضت الخنساء أبناءها الأربعة على الجهاد وقد رافقتهم مع الجيش زمن عمر بن الخطاب، وهي تقول لهم : "يا بني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ، ولا فضحت خالكم ، ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم ، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله عز وجل:
" يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون"
فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فأعدوا على قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، واضطرمت لظى على سياقها، وجللت نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام حميسها تظفروا بالغنم والكرامة في الخلد والمقامة" فاستشهدوا جميعا في موقعة القادسية وعندما بلغ الخنساء خبر وفاة أبنائها لم تجزع ولم تبك ، ولكنها صبرت، فقالت قولتها المشهورة: الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.
كان جل شعرها في الرثاء فلم تبك امرأة على أهلها شعرا كما فعلت وذلك أنهم ماتوا في شرخ الشباب مقتولين في الحرب وكان بين مقتل عمرو وصخر عام واحد فحُق لها أن تتفجع على أهلها, وقتل معاوية على يد هاشم ودريد ابنا حرملة يوم حوزة الأول سنة 612 م، فحرضت الخنساء أخاها صخر بالأخذ بثأر أخيه ، فقام إليهم صخر وكان في الأشهر الحرم فقال لبني حرملة : أيكم قاتل أخي فقال له أحد ابني حرملة : استطردت له فطعنني هذه الطعنة وحمل عليه أخي فقتله فأينا قتلت فهو ثأرك . أما إنا لم نسلب أخاك. قال : فما فعلت فرسه السُّمَّى ؟ قال : هي تلك. فأخذها وانصرف.وقيل لصخر : ألا تهجوهم؟ فقال ما بيني وبينهم أقذع من الهجاء وأنا أصون لساني عن الخنى . ثم خاف أن يُظَن به عيُّ فقال :
وعـاذلـة هـبت على iiتلومني
ألا لا تـلوميني كفى اللوم ما iiبيا
تـقـول ألا تهجو فوارس iiهاشم
ومـا لـي أهـجـوهم ثم ماليا
أبى الذم أني قد أصابوا iiكريمتي
وأن ليس إهداء الخنى من شماليا
فلما انقضت الأشهر الحرم جمع لهم , فنظرت غطفان إلى خيله وقد حمم غرة السمى فقتل دريد بن حرملة ثم غزا صخر بعد ذلك بني أسد بن خزيمة فأوقعوا به وانفض عنه أصحابه فواجههم وحده فطعن في جنبه و ولبث الجرح سنة كاملة، فسمع سائلا يقول لامرأته : كيف صخر؟ فقالت " لا ميت فينعى ولا حي فيرجى " فعلم أنها قد برمت منه ورأى تحرق أمه عليه فقال :
أرى أم صخر لا تمل iiعيادتي
وملت سليمى مضجعي ومكاني
فـأي امـرئ ساوى بأم iiحليلة
فلا عاش إلا في شقى iiوهوان
فعلق امرأته في عمود الخباء حتى ماتت ويئس من نفسه فقطع ما نتأ من جرحه فقال:
أجارتنا إن الخطوب iiتنوب
وإنـي مقيم ما أقام iiعسيب
أجـارتنا إنا غريبان ههنا
وكل غريب للغريب نسيب
فما لبث أن مات من ساعته فبكت عليه الخنساء قبل الإسلام وبعده حتى عميت .
ومنه قولها فيه :
قَـذىً بِـعَـيـنِكِ أَم بِالعَينِ عُوّارُ
أَم ذَرَفَـت إِذ خَلَت مِن أَهلِها iiالدارُ
تَبكي لِصَخرٍ هِيَ العَبرى وَقَد وَلَهَت
وَدونَـهُ مِـن جَـديدِ التُربِ iiأَستارُ
وَإِنَّ صَـخـراً لَـوالِـينا iiوَسَيِّدُنا
وَإِنَّ صَـخـراً إِذا نَـشـتو iiلَنَحّارُ
وَإِنَّ صَـخـراً لَـمِقدامٌ إِذا iiرَكِبوا
وَإِنَّ صَـخـراً إِذا جـاعوا iiلَعَقّارُ
وَإِنَّ صَـخـراً لَـتَـأتَمَّ الهُداةُ iiبِهِ
كَـأَنَّـهُ عَـلَـمٌ فـي رَأسِـهِ iiنارُ
أَعَـيـنَيَّ جودا وَلا تَجمُدا
أَلا تَـبكِيانِ لِصَخرِ iiالنَدى
أَلا تَبكِيانِ الجَريءَ الجَميلَ
أَلا تَـبـكِيانِ الفَتى iiالسَيِّدا
يُـكَـلِّـفُهُ القَومُ ما iiعالُهُم
وَإِن كـانَ أَصغَرَهُم iiمَولِدا
طَويلَ النِجادِ رَفيعَ iiالعِمادِ
سـادَ عَـشـيرَتَهُ iiأَمرَدا
وَإِن ذُكِـرَ الـمَجدُ iiأَلفَيتَهُ
تَـأَزَّرَ بِـالمَجدِ ثُمَّ iiاِرتَدى
وقالت في معاوية أخيها وكان كثير المال ويعطيها فيضيعه زوجها رواحة بن عبد العزيز السلمي فلم يزل يعطيها حتى قتله بنو مرة.
فقالت فيه :
أَلا لا أَرى في الناسِ مِثلَ مُعاوِيَه
إِذا طَـرَقَت إِحدى اللَيالي iiبِداهِيَه
أَلا لا أَرى كَالفارِسِ الوَردِ iiفارِساً
إِذا مـا عَـلَـتهُ جُرأَةٌ iiوَعَلانِيَه
وَكـانَ لِزازَ الحَربِ عِندَ iiشُبوبِها
إِذا شَمَّرَت عَن ساقِها وَهيَ iiذاكِيَه
بَـلَـينا وَما تَبلى تِعارٌ وَما iiتُرى
عَـلـى حَدَثِ الأَيّامِ إِلّا كَما iiهِيَه
فَـأَقسَمتُ لا يَنفَكُّ دَمعي وَعَولَتي
عَـلَيكَ بِحُزنٍ ما دَعا اللَهَ داعِيَه
وقيل للخنساء : صفي لنا أخويك صخراً ومعاوية ! فقالت : كان صخر والله جنت الزمان الأغبر وذعاف الخميس الأحمر ، وكان معاوية القائل الفاعل ، قيل لها: فأيهما أسمى وأفخر ؟ قالت : أما صخر فحر الشتاء ، وأما معاوية فبرد الهواء وقيل لها فأيهما أوجع وأفجع ؟ قالت : أما صخر فجمر الكبد وأما معاوية فسقام الجسد .
وأنشأت تقول:
أَسَـدانِ مُـحـمَرّا المَخالِبِ iiنَجدَةً
بَحرانِ في الزَمَنِ الغَضوبِ الأَنمَرِ
قَـمَـرانِ في النادي رَفيعا iiمَحتِدٍ
فـي الـمَجدِ فَرعا سُؤدُدٍ iiمُتَخَيَّرِ
مع احترامي ....اسمر