كلمـــــــات على ذاك السرير الأبيض
كم سخـــــــرت من أفكاري الفارغة حينما التقيتك..! كنتُ أخطّط لهذا اللقاء منذ زمن بعيد.. وكيف لا وأنتَ الذي شاركني به القدر في ذلك الحادث الذي كان نقطة تحوّل في حياتي وربما حياتك، والآن نُصدم بحادث آخر!!!
ماهذه الأقدار المؤلمة ياحبيبي!
كنت تجلس بهدوئك الظاهر في ذلك الركن.. وكنتُ أبحث عنك بعقلية فتاة لاتعرف الصبر ولا الانتظار.. وأخيراً وجدتك ........
كان كلامنا همساً يكاد لايسمع.. وكانت يدي تحتضن يداك عندما ألقيت عليّ التحية لتعلن يداي الانسحاب
ولم تسمح لعيناي اللجوء إلى عينكَ كثيراً.. ربما كان خجلاً، وربما كان هروباً من طريق تملئه المنعطفات...
كان حديثنا بارداً كما جوّ المكان الذي تملئه الموسيقى وتملئه رائحة الحب ....
لم أستطع أن أجاوبك عندما قلتَ لي: لقد كنتِ غريبة في المكالمة الأخيرة، لم تكوني على عادتك !!!!!!!!
سألتكَ: وما وجه الغرابة؟؟؟
لكنّك اكتفيت بابتسامة وأجبـــــت: لا أدري!.
فعاودتُ السؤال بفضول فتاة وعاودتني الإجابة بذكــــــــاء رجل !!!
واكتفينا من الحديث.. فراحت الذكريات تتراقص حولنا ورحنا نبادلها الرقص.. وبعدها حلّ الصمت ذلك الضيف الثقيل.. وصار شوق الحديث واللقاء، مجرّد عقارب ساعة تمضي وتتثاءب ..
وكنتُ مازلتُ غارقةً في عينيك.. أعترف لك أنني كنتُ غريبة .. غريبة لأنني ولأول مرة منذ مايقارب السنة أحسستُ أنني اشتقتُ لك.. اشتقتُ ألاّ أكون مقيّدةً معك.. فأنا لا أحب أن يقيّدني أحد.... وهـــكذا أنت!!!!
فاعذرني لأني كنتُ غريبةً معك.. واعذرني أكثر لأنني كنتُ غريبةً بدونك
كانت أفكاري لهذا اللقاء كثيــــــرة ولكنّك لم تكن بأفضل حالاتك، فقد بدأت تخفي حزناً بداخلك.. وتوتراً بالغت في إخفــــــائه !!!!!!!!
كنت هاديء .. ومستهتر .. وكنتَ ....... وكنتَ........ هل قلت لك أنك كنتَ جميل ورائع
وهل قلتُ لك أنني تعبت من الكتابة لأني لا أعرف ماذا أكتب؟؟
يبــــــــــدو أنني أحتاج للقاءٍ آخرَ ... للكتابة .
.
.
.
.
.
إني أتذكّـــر، نعم .. عندما تجمهر الناس حول الحادث..
ولستُ أدري ماهي المتعه التي تشدّ هؤلاء الناس للتجمهر !!!!!!!!!!!!!
أذكر أنني لم أغيب عن الوعي، ولكن تناثر صوتي إثر ماتعرّضت له، وبين الآلام التي انغرست في جسدي، والأوهام التي بدت ألماً وحزناً آخر، مضى الوقت إلى أن وصلت سيارة الإسعاف..
.
.
.
.
جســــــــــدٌ من ألم ... وروحٌ من ألـــــــــــم
تحية هادئه..كهدوء جسدي عند استسلامه للمرض..!
معنى آخر للألم يرتسم لي..كم جميل هذا الألم بمعانيه..إنها حقاً تغريني على الكتابه
ولكن هيهات أن تهرب ورقة أو حتى قلم للطابق الرابع الغرفة رقم 44 من هذا المستشفى
حيثُ يرقد جسدي في عناقه الأخير لروحه..
أطياف مرت يا أبي وجسدي يستقي من تلك الأنابيب بعض حياة
أطياف مرت يا أبي وسألتها عنك..وقد قالت لي بصوت ملائكي..
إنه هناك..في مكان جميل..ينتظرك
انتظرني يا أبي..
هذه وصايا جسدي لروحي أن تبلغك السلام
ليبقى جسدي وحيداً غريباً..وتهاجر روحي إلى موطنها حيثُ أنت ياملاكي الطاهر
لاتحزن لحالي..
حطّ الألم من عزيمتي..وصار جسدي ميتاً..وصارت روحي تفوّض أمرها إلى ربها
زارتني اليوم فكره..وراحت تعانقني بحراره..وتأخذ مني وعداً كاذباً..أنني سأعود
قالت كلنا ننتظركِ..أوراقك أقلامك أفكاركِ ومعاركها و زميلاتك..
ملئت روحي من فيض أملها..كما ملئت أنبوبة الأكسجين رئتي يا أبي
السلام عليكم جميعاً..اشتقتُ لكم..وكم هي اشتياقاتي مؤلمه..
لأنها تبقى معلقه كالقلوب التي نسيت وهاجروها أصحابها
سأكمل معاركي الفكريه وسأكمل بقية كتاباتي..
قلتها ولا أدري أهي الدموع التي تذرف من عيني فكره أم من عينيك يا أبي
لماذا أعود..وقد كنتُ طيفاً..تدمرهُ قوانين الوجود
لماذا أعود..وقد كنتُ حرةً..تمردت على كل القيود
لماذا أعود..و قد احترقت حدائق قلبي و ماتت الورود
لماذا أعود..و لمن أعود..و من مات..أبداً..لا يعود
...
غرست الآهاتُ يا أبي في صوتي ألف آه
وغرس الألم في جسدي بقايا ذنوب الأرض
وغرس الحزن في روحي بكاء السماء..!
.
.
.
في تلك الزاوية المظلمة..على ذاك السرير الأبيض..كنتُ هناك
كنتُ جسداً مدمراً..وروحاً تحاول الهروب من بين أضلع ذلك الجسد..كانت الأعين تنظر نحوي تشفق لحالي وترثى لها
آهاتي كانت تقتل كل من يسمعها..حتى أنا..قتلتني.
وقتٌ للراحه أسرقه من عقارب هذا الوحش الكاسر الذي يدعى الزمن..
وقتٌ للراحة..يمضي كعادته وينتهي في زمن قياسي..وأعود من جديد لأتذوق مرارة الألم وقساوة القدر.
حتى عيناي التي اعتادت الظلام..مازالت تبحث في المكان عن ضوء هارب..يذكرني أنه مع بداية كل يوم..
مازالت هناك شمس تشرق !
يبدو أنني اعتدت على تلك الشمس التي ينيرها الظلام. لم أعد أدري بالوقت فالوقت في غرفة من مثلي معدوم..
وأي محاولة لإيجاده تنتهي بالفشل قبل أن تبدأ..فالفكرة تموت قبل ولادتها..فلماذا تبقى الحياة بمسمياتها إن كانت
المعاني ماتت أيضاً.
إذن هي مقبرة لاتعرف إلا الموت..وإن عرفت غيره..يكون الموت أيضاً. لقد اعتدت على حياتي الجديده..
عفواً أقصد مقبرتي الجديده !
حتى علامات الحياة التي اعتادت ملامحي رسمها..ماعدت قادرةً على رسمها..وتلك الأنابيب البلاستيكيه تخترق جسدي
معلنةً احتلاله..وانتظر بفارغ الألم..حقنة المورفين لتقيني شرّ الألم وتمنحني راحة وهميه..وتمنح الهدوء للمرضى في قسم " الكـــلى "
من آهاتي.
لترسم ملامحي ابتسامة مكابره..ويهرب صوتي إلى مكان آخر..وأبقى كما الصورة الفوتوغرافية بلا حركة..
جسدٌ غابت عنه روحه .
ولكن هيهات ألا تثور البراكين..
إن كان الألم..سكيناً لاترضى إلا بسماع آهاتي.
كم هو جميل هذا المشهد..مجرد آهات لجسد لايتحرك..حتى يغيب الصوت في فضاء الغيبوبة..
فسبحان الرحيم الرحمن
تعود الروح لتعانق الجسد..أتذكر ماحدث..وكيف حدث ؟!
لتتناثر حروفي وتتبخر كلماتي واكتفي بالصمت..وأتابع.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
الموت..هل أخافُ الموت ؟
سألت نفسي حينها..أنا لا أخاف الموت..ولكن..أن تعلم بأنك سترحل عن هذه الحياة وستقابل رب الوجود..هذا أمرٌ عظيم.
عدتُ لدموع أخي محمد قلت له:
لاتقل لأمي ... وقدم لي طلب إجازة مدى الحياة..وعدت لأكمل مسيرتي مع الألم .
أين أنا..؟
وجسدُ من هذه التي تشبهني..هل هذه أنا ؟!
إن كان هذا جسدي.. فمن أكون ؟!
لعلني روحاً بلاجسد تطوفُ حول جسدها الميت !
إذن أنا..أنا..مـيـته .
أرواح غادرت سماء دفتري
وجثث الحروف على بعضها
أغمض عيني أفتحها
لاأرى إلا الظلام يغزو غرفتي
اشتقت لك
وقد آمنت أننا روحاً واحدة خلقت لجسدين
وأن أرواحنا التقت في غير هذا العالم
في عالم الذرّ
ومن يعلم..؟
علنا نلتقي في هذا العالم روحاً وجسد
يعزف الحب ألحانه
فتذرف الروح آهات أحزانها
بالأمس..
زارتني روح أبي في رداءها الأبيض
ذهلت لمارأيت
أعدت شمل صوتي من شتاته
ناديتها..
لكنها يا سادتي لم تجيب
كانت هذه الروح مستغرقة في صلاتها
كالملاك في ردائها الأبيض
سألتُ الروح عن هواها
فأجابت أنتِ
أدركت أنني غريبه
وأن روحي غريبة قبلي
فما بال الموت لا يفرقنا
ويرحم غربتنا
وأنت
آخر ما تبقى لي في هذه الحياة
منذ زمن الرفات
وآخر ماتبقى من جنودي
رائحة الموت
إني أعلّمك بأن لا جيش لدي
وأني وحيدةً في ساحة القتال
فلك الخيار
في الرحيل
أو القتال
...
بالأمس..
أهداني المرض ضربته الثانية لي
والتي كادت أن تنهيني
لولا هذه الروح
التي كتب لها..
أن ترافقني في هذه الحياة
حتى موعد الرحيل
أيقنت أن الوقت قد حان
لأن أجمع أشلائي..و أوراقي
و أعيد شمل صوتي
فلم أعتد الهزيمه
وإن هُزمت..
سأنهزم بعزة وكرامه
لا ضحايا..
لم يتبقى إلا أنتِ
أيتها الروح..
التي كتب لها أن ترافقني
وتحمل عني همومي و أحزاني
..وهذا الجسد الفاني
الحقيقة المرّه
أنا مجرد نتيجة حتمية..
لتلاقي الروح بالجسد
أنا نصفي روح..
ونصفي الآخر جسد
إذا افترقا..
انتهيت أنا
و انتهت أفكاري
..حتى كلماتي
انتهت كلماتي
هل ذبلت الروح أم مات الجسد..؟
صوتٌ بلاجسد..
يهمسُ من ظلام القبر
تعالي
لا تبالي بوحشة المكان
ألم تُدركِ يا ابنتي نهاية الزمان
- من أين أنتِ..؟
x ومن أين أنت..؟
-أنا حزن..هربت من وادٍ بعيد..
قُتل قومي..و حُرقت أرضي..و انتزعوا مني طفلي الوليد
x وأنا غريبه..
لا أذكر من أي وطنٍ أتيت..
و لا أعلم إلى أي وطن أمضي
- وطنكِ ياغريبه..موطني
قبري هو آخر القبور
x ماذا عن البقيه..؟
- يسكنها جسد..وألف روح
أتعلمي يا ابنتي .. ياغريبه
ما سرّ شقاء الروح؟
x لا علم لي يا أبتاه ..
بحق المعبود..وبحق جميع الأنبياء
أتعبتني هذه الروح..وأدمت قلبي
متى يا أبتاه يفنى جسدي وإلى ربها تعود؟
- هو يومٌ مكتوب ليس لكِ معلوم..
x وسرّ شقائها..؟
- أن تكون مثلكِ يا ابنتي.. غريبه
.
.
تلاشى الصوت..
وتغيرت ملامح القبر
عدت أدراجي..أحمل في يدي حقيبة أسفاري
وأحمل في يدي الأخرى..بقايا أوراقي
آمنت بأن الروح هي من أسرار هذا الزمن الغريب..كما النفس
كان ذلك منذ زمن بعيد..
حينما كانت جميع السفن المهاجره تغرق بأحلام أصحابها
أبحرت بقاربي الصغير..نحو بحر الظلام
وكان صوتك يا أبي آخر الأصوات التي وصلت إلى مسامعي
ورحلتَ إلى الله..
وقررت الرحيل من ورائك..
بحثاً عن روحك
..مازلتُ في كل ليله أبقي سجادة الصلاة وكتاب الله..ليكرمني الله بزيارة روحك الطاهره..
الروح تشبــــــــه أبي
نعم !!!!!!!!! كانت تلك الروح هي روح أبي
... ... ... ... ... ... ... ... ...
وانتهت حكايتي، عفواً يا سادتي,
أطلت عليكم بآلامي التي لم تنتهي
أرفع القبعة احتراماً لكم
منقول مع التعديل