إِثبات أنَّ التَّوَسُّلَ بِالأنبياءِ وَالأَولِياءِ جَائِزٌ
وَأَنَّهُ لَيسَ شِركا"كَما يَقولونَ بَعضُ الفِرَقِ المُعتَزَلَه
مِنَ الَأدِلَّةِ على جَوازِ التَّوسُّلِ الحديث الذي رَواهُ الطَّبَرانيُّ وَصَحَّحَهُ وَالذي فِيهِ أَنَّ رَسولَ الِله صَلَّى اُلله عَلَيهِ وَسَلَّم عَلَّمَ الَأعمى أَن يَتَوَسَّلَ بِهِ فَذَهَبَ فَتَوَسَّلَ بِهِ في حَالَةِ غَيبَتِهِ وَعادَ إِلى مَجلِسِ النَّبِيِّ وَقَد أَبصَرَ,وَكانَ مِمَّا عَلَّمَهُ رَسولُ الِله صَلَّى اُلله عَلَيهِ وَسَلَّم أَن يَقول
(الَّلهُمَّ إِنًّي أَسأَلَكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّد نَبِيِّ الرَّحمَةِ يا مُحَمَّد إِنِّي أَتَوَسَّلُ بِكَ إِلى رَبِّي في حاجَتي(وَيُسَمِّي حاجَتَه) لِتُقضَى لِي)
فَبِهَذا الحَديثِ بَطُلَ زَعمُهُم أَنَّهُ لا يَجُوزُ الَّتَوسُّلَ إِلَّا بِالحَيًّ الحاضِرِلِأَنَّ هذا الَأعمَى لَم يَكُن حاضِرا" حِينَ تَوَسَّلَ بِرَسولِ الِله بِدَليل أَنَّ راوي الحَديثِ عُثمان بنِ حنيف قالَ لَمَّا رَوَى حَدِيثُ الَأعمَى
(فَوَالِله مَا تَفَرَّقنا وَلا طَالَ بِنا المَجلِس حتى دَخَلَ عَلَينا الرَّجُلَ وَقَد أَبصَرَ)
فَمِن قَوُلِهِ
(حَتَّى دَخَلَ عَلَينا ) عَلِمنَا أَنَّ هذا الرَّجُلَ لَم يَكُن حاضِرا" في المَجلِسِ حِينَ تَوَسَّلَ بِرَسُولِ الله.
وَأَمَّا الدَّليلُ على جَوازِ التَّوَسُّلِ بِرَسولِ الِله بَعدَ وَفاتِهِ فَيُؤخَذُ أَيضا" مِن حَديثِ عُثمان بن عنيف الذي رَواهُ الطَّبَرانِيّ وَصَحَّحَهُ فَإِنَّ فيهِ أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلا" هذا الدُّعاءَ الذي فِيهِ التَّوَسُّلَ بِرَسولِ الِله لِأّنَّهُ كانَ لَهُ حاجَة" عِندَ سيِّدنا عُثمان بن عفان في خِلافَتِهِ وَما كانَ يَتَيسَّرَ لَهُ الإِجتِماعَ بِهِ حتى قَرَأَ هذا الدُّعاءَ فَتَيَسًّرَ أَمرُهُ بِسُرعَة وَقَضَى لَهُ سَيِّدُنا عُثمان بن عفَّان حَاجَتَه.
فَهَؤُلاءِ الذين يُكَفِّرونَ الشَّخصَ لِأّنَّهُ قَصَدَ قَبرَ الرَّسولِ لِلتَّبَرُّكِ فَهُم جَهِلُوا مَعنَى العِبادَة,وَخالَفوا ما عَلَيهِ االمُسلِمون,لِأَنَّ المُسلِمينَ سَلَفا" وَخَلَفا" لَم يَزالوا يَزورونَ قَبرَ النَّبِيِّ لِلتَّبَرُّكِ وَلَيسَ مَعنَى الزِيارَةِ لِلتَّبَرُّكِ أَنَّ رَسُولَ اِلله يَخلُقُ لَهُمُ البَرَكَةِ بَلِ المَعنَى أَنَّهُم يَرجونَ أَن يَخلُقَ الَلهُ لَهُمُ البَرَكَة بِزِيارَتِهِم لِقَبرِهِ.
وَالدَّليلُ على ذَلِكَ ما رَواهُ البَيهَقِيُّ بِإِسناد صحيح عَن مالِكِ الدَّارِ وَكانَ خَازِنَ عُمَرَ قال :
أَصابَ النَّاسُ قَحط (أَيّ وَقَعَت مَجاعَةُ تِسعَةَ أَشهُر انقَطَعَ المَّاءُ عَنهُم)في زَمانِ عُمَرَ (أَيّ في خِلافَتِهِ )فَجَاءَ رَجُل ٌ(أَيّ مِنَ الصَّحابَةِ)إِلى قَبرِ النَّبِيِّ صلَّى اُلله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقال:يا رَسولَ الله اِستَسقِ لِأُمَّتِكَ فَإِنَّهُم قَد هَلَكُوا(أَيّ مَعنَاهُ اِطلُب مِنَ الِله المَطَرَ لِأُمَّتِكِ فَإِنَّهُم قَد هَلَكُوا)فَأَتَى الرَّجُلَ في المَنامِ (أَيّ أُرِيَ في المَنامِ أَنَّ رَسولَ الِله يُكَلِّمَهُ)فَقِيلَ لَهُ:أَقرِئ عُمَرَ السَّلام (أّيَ سَلِّم لي عَلَيه )وَ أَخبِرهُ أَنَّهُم يُسقَون(أَيّ سَيَأتِيهِم المَطَر,ثُمَّ سَقاهُمُ الُله تعالى حتى سُمِّيَ ذَلِكَ العامِ عامَ الفَتقِ مِن شِدَّةِ ما ظَهَرَ مِنَ الَأعشابِ وَسَمِنَت المَواشي حتى تَفَتَّقَت بِالشَّحم)وَقُل لَهُ: عَلَيكَ الكَيسَ الكَيسَ(أَيَ عَلَيكَ بِالاجتِهادِ بِالسَّعي في خِدمَةِ الُأمَّةِ)فَأَتَى الرَّجُلُ عُمَرَ فَأَخبَرَهُ,فَبَكَى عُمَرَ وَقالَ:يا رَبّ مَا ءَالُو إِلَّا مَا عَجَزتُ (أَي لا أُقَصِّرُ إِلَّا مَا عَجَزتُ,أَيّ سَأَفعَلُ مَا في وِسعِي لِخِدمِةِ الُأمَّةِ).فَهَذا الصَّحابِيُّ قَد قَصَدَ قَبرَ الرَّسُولِ لِلتَّبَرُّكِ فَلَم يُنكِرُ عَلَيهِ عُمَرُ وَلَا غَيرُهُ .