نظرية تشابه الخلق والتكيف
د.سعيد صباغ – كلية المعلمين بالإحساء
الملخص: يدلنا تشابه الكائنات الحية رغم اختلافها على وجود موجد واحد لها ووجودها بدأ من كائنات معقدة أولية وليس من خلية بسيطة واحدة أما التنوع فهوناتج عن التزاوج بين الفصائل المختلفة لأفراد النوع الواحد (أو حسب الهندسة الوراثية لزيادة الاحتمالات لإحداث تغير في خلق موجود مسبقاً،وأما الاستمرارية والاكتساب لصفات جديدة فهي نتيجة للتكيف (البقاء للتوازن الطبيعي).
صورة توضح فرضية الأصل المشترك ويبدو أنها ستبقى فرضية غير قابلة للتأكد بالإضافة لكونها غير منطقية
تدرس نظرية داروين كأساس علمي للتطور والنشوء والارتقاء في معظم كليات علم الحياة في جميع أنحاء الأرض؛ وحتى في الدول الإسلامية والمسيحية،ويقال أنها الفرضية الوحيدة ولا يوجد غيرها لتفسير تشابه المخلوقات.
شجع على ذلك الفلسفة العلمية التي نؤمن بها جميعاً مؤمنين بالله أوكافرين بنعمته وهي أنه على العلم أن يقودنا إلى الإيمان ولا يقبل التفكير العلمي أن يقودنا الإيمان إلى العلم ويتفق ذلك مع القرآن والتراث العربي الإسلامي في قوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت : 53]، أي أن العلم سيقود العقول إلى الله الذي يدلنا تشابه خلقه من أسماك وحشرات وحيوانات وبشر على وجوده ووحدانيته، يقول تعالى: قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوالْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الرعد : 16],ويقول: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [المؤمنون : 91]، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن المسلمين لا يبحثون في بعض المسائل مثل ما هي الروح وهم بذلك ملتزمون بتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن الروح فعلمه الله الجواب: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً [الإسراء : 85].
وقد ترافق العلم والإيمان في التراث العربي الإسلامي منذ بدء الرسالة المحمدية، فهما يزدهران معاً ويضعفان معاً.ولا يوجد في التاريخ الإسلامي الصراع بين المعبد والعلوم الحديثة كما في الغرب. الجدال في الغرب: تقبل نظرية "تصميم عاقل"(التصميم الذكي) أن الكون قديم جدا. لكنها تقول إن التنوع والتعقيد الموجود في الحياة يرجح أن "مصمما عاقلا" قد تولى مهمة خلق الكون، وما يحاوله الدعاة إلى تلك النظرية بالضبط هومنحهم الحق في تحدي نظرية داروين بطريقة علمية, فخرجت إدارة التعليم بولاية كانساس (Kansas) يوم الأربعاء 11 أغسطس عام 1999م عن ما هو مألوف منذ عشرات السنين, عندما صوَّتَ ستةٌ من أعضائها العشرة لصالح قرار جريء يقضي بإسقاط نظرية «التطور» (Evolution) المتعلقة بأصل الإنسان على أن يشمل هذا القرار جميع مراحل التعليم الحكومي العام بالولاية، ولكن محكمة أمريكية أصدرت حكمها بحظر تدريس نظرية "التصميم الذكي" في المدارس إلى جانب نظرية التطور لداروين بناءً على رأي البروفيسور كينيث ميلر من جامعة براون – أمريكا الذي ادعى "انه ليس هناك خلاف في الدوائر العلمية حول جوهر نظرية التطور"، وأضاف أيضا أن "التصميم الذكي" ليست "نظرية قابلة للتمحيص" ولذلك فقد رفضت من قبل العلماء, وتساءل البروفيسور ميلر عن السبب الذي حدا "بالخالق الذكي" إلى خلق كل الكائنات التي نعرفها والتي انقرضت. بينما قالت لجنة المدارس بمنطقة دوفر في ولاية بنسيلفانيا أن الحياة على الأرض أكثر تعقيدا من أن تكون تطورت لوحدها وطالبت مدرسي العلوم أن يخبروا طلابهم أن نظرية التطور هي "مجرد نظرية غير مثبتة"، وقد انتقدت قرار المحكمة قائلة انه "يهمش الأفكار المبنية على العقيدة الدينية."
ويجري نشر أطروحة "التصميم الذكي" في مدارس تنتشر في أكثر من 20 ولاية في الولايات المتحدة. حاول البريطاني بيل هاميلتون تصحيح نظرية داروين بالقول أن الجينات هي التي تحاول التوريث ويعطي مثال مع ذلك أن الحيوانات (النحل) تضحي بنفسها من أجل جينات أقاربها.بينما يعتقد البريطاني لافلوك بنظريته المسماة غايا أن الطبيعة تتوازن لوحدها عن طريق ضبط المناخ عن طريق الطحالب التي تنتج غيوماً تفيد غيرها وتنتقل عن طريق الرياح لتنتشر وهذا يتداخل بطريقة ما مع التفسير الحالي الفيزيائي لنشوء المطر وهوتشكل قطرة المطر حول جزيء غبار ما.
وتقوم دورة تحول الماء بين البر والبحر بنقل حبات الطلع والطحالب والحشرات الصغيرة وحتى الطيور تركب أمواج الهواء في رحلة الشتاء والصيف. كذلك نلاحظ أن الحشرات(مثل بعض أنواع النمل الأفريقي) في المناطق المعزولة التي تولد بعد سقوط المطر أوالرطوبة العالية تولد بأجنحة مما يسمح لها بالرحيل بعيداً لإنشاء مستعمرات جديدة. التشابه: لكثير من الحيوانات صفات مشتركة وتشابه بعضها البعض فمثلاً للسمك عينان تشبهان تلك الموجودة في البشر والبعوض والجمال والنسور وغيرها،ولابد أن تشارلز داروين وقف مشدوهاً أمام هذا الشبه وقام بالاستنتاج أن هنالك سبباً وحيداً لذلك وهو أنها كلها خلقت من بعضها البعض وقد اعتقد اللاحقون من أمثاله أن أصل الدلفين ذئب وأن الطيور المجنحة من عصر الديناصورات هي أصل الحمامة وأصبح تداخل تصنيف الحيوانات حسب داروين أساساً لمعظم شهادات الدكتوراه في مجال علم الحياة ورأى في ذلك الذين يرفضون الخضوع لله رب السموات والأرض مخرجاً يشبه العلم الصحيح يستطيعون الاختباء وراءه؛ في حين أن الاختيار الآخر هو أن تشابه الخلق يدل على وحدة الخالق فعندما يعرض عليك أحدهم رسماً ويطلب منك معرفة هل هذا الرسم لبيكاسو فإنك تدرس اللوحة تحت المجهر فإن كان فيها خصائص رسم لوحات بيكاسو فإنها له ولن يدور في خلدك أن هذه اللوحات جاءت من بعضها البعض.
لنأخذ مثالاً ما يقال أنه برهان على نظرية التطور وسنرى أنه برهان على وحدة الخالق( يقدم علم الخلية cytology برهاناً ساطعاً على وحدة العالم الحي من حيث تماثل البنى الخلوية للمتعضيات المختلفة، وكذلك من خلال التفاصيل الكيميائية الحيوية حيث التشابه في كيمياء الحموض النووية والأنزيمات ... وعلى الرغم مما تبديه الخلايا النباتية والحيوانية من بعض التخصصات كوجود صبغة الكلوروفيل الخضراء والسيللوز والنشاء في الخلايا النباتية ووجود الأدرينالين والتيروكسين مثلاً في نسج الفقاريات، يبقى التماثل قائماً وهذا يقودهم حسب زعمهم إلى التسليم بأن الحياة قد بدأت بالشكل البسيط والمتمثل بالخلية، وأن الأشكال المختلفة للمتعضيات قد انطلقت من تلك الخلية التي شكلت السلف المشترك للعالم الحي بجميع أشكاله والذي نراه اليوم.
لا يستطيع تفسير داروين على الإطلاق تفسير التشابه بين النبات والحيوان ولا يمكن القول بأنه للزهرة والفيل أصل مشترك ولونظرنا إلى صورة مبيض زهرة وصورة مبيض حيوان ثديي كالمرأة البشرية لرأينا نفس صورة المقطع العرضي ذاته ومن يستطيع تفسير تشابه خلق الأوركيد القبرصية مع النحل.
صورة توضح فرضية الأصل المشترك ويبدو أنها ستبقى فرضية غير قابلة للتأكد بالإضافة لكونها غير منطقية
ولننتقل الآن إلى فرضية دولوDolo :التطور غير قابل للعكس فالبنيات المتخصصة للكائن لا تعود إلى حالة السلف .(لا يفسر هذا القانون تطور الكائنات من كائنات أولية مثل الخلية المفردة إلى كائنات ضخمة كالديناصورات والحيتان وثم ضمورها إلى الكائنات الحالية ولا يفسر أن سمك اللاتيميريا )Latimeriaالمستحاثة الحية) حافظ على شكله خلال 70 مليون سنة) .
ظاهرة التكيف:مع الوسط المحيط ونوع التغذية وشدة الأشعة الشمسية والجليد وملونات الطعام فنجد الأطراف الصغيرة في النباتات الأبرية والحيوانات القطبية واللون الأبيض يمكن تفسيره بقلة أشعة الشمس وعدم قدرتها على تنشيط الميلانين(القاتمين)إلى سطح الجلد كما يميل العرق الأصفر إلى أكل الطعام بالتوابل كالعصفر والخردل وقد تتراكب هذه الصبغات في جسم آكلها مع الزمن ولكن ذلك ليس تفسيراً كاملاً لوجود استثناءات مثل الحمام القطبي الذي يغير لونه صيفاً وشتاءاً والإخطبوط الذي يغير لونه حسب قاع البحر .
أيضاً تدلنا كثير من الكائنات القديمة على أنها كانت معقدة التركيب وليس كما يفترض داروين وإذا كانت البداية والنهاية معقدة التركيب فهذا يعنى أن فرضية داروين غير صحيحة لأنها تفرض البدء من البسيط إلى المعقد في حين يدلنا نظام الوراثة على وجودها بدأ من كائنات معقدة أولية وليس من خلية بسيطة واحدة (لذلك فرضية داروين ليست علمية إذ لا يمكن التأكد منها بالرجوع إلى الخلف بأي تجربة كانت) كما أننا قد نجد من يلاحظ أن معظم الكائنات تصبح أصغر فأصغر خلال الـ 65 مليون سنة الماضية على الأقل. إن التخلي عن نظرية التطور يسمح بالبحث عن السبب الحقيقي وراء الأشياء ويعيد التصنيف من جديد مثل تصنيف الضفادع عديمة الذنب مع الضفادع ذات الذنب مثل السلمندر فهذا تشابه في الخلق وليس تطوراً.
لننتقل الآن إلى فرضية التطور المستقيم أوالموجه (الاصطفاء المستقيم) الذي ينص على تطور المتعضيات الحيوانية في اتجاه تطوري محدد مثل تطور الفيلة الأفريقية من فيل صغير من جنس الميرتيريوم Moeritherium الذي له شكل الخنزير . نرى دائماً الخلط بين التشابه والتطور ولا نجد جواباً لشكل الخنزير الذي تطور منه الماموث أو الفيل الآسيوي. مثال آخر : جنين التمساح الأليجيتر والفأر.
خاتمة: يعتقد علماء الطبيعة والذين يدرسون القوانين المنظمة لتركيب الكونين الكبير(المجرات والعناقيد) والصغير (الجزئيات والخلايا الحية والذرات) أن الله موجود بدليل وجود القوانين المنظمة للظواهر الفيزيائية والحيوية والكيميائية (يقول اينشتين :لا أعتقد أن الله يلعب النرد مع العالم) ويعتقدون أن القانون الفيزيائي يجب أن يكون قصيراً وجميلاً وعندما يكون القانون ليس جميلاً فهذا يعني أن ليس المعرفة النهائية. يقول باولي بشكل يليق بجلال الله ( إن الله هو أعظم عالم رياضيات)وطبعاً من سيعرف بنية الأشياء أكثر من منشئها. (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (لقمان:11) (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر : 67]