غض بصرك
تجفيف المنابع جملة ينبغي أن نقف عندها قليلًا في رحلتنا مع علاج طغيان الشهوة أخي الشاب، فإذا جففنا منابع المعصية وقطعنا الطرق المؤدية إليها؛ سيكون من الصعب أو من المستحيل أن نقع فيها؛ لأن الوقاية خير من العلاج، وأهم منبعين للشهوة: هما إطلاق البصر، والاسترسال مع الخواطر.
والبصر هو باب القلب الأول، وأقرب الحواس إليه؛ ولذا أراد الله أن يُحكم الإنسان رقابته على هذا الممر، ويفحص ما يدخل منه؛ لأنه سرعان ما يدخل إلى القلب.
والعين التي صبرت عن الحرام؛ يُكتب لها السعادة والفرح، ولا تعرف الدمع أبدًا يوم القيامة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لاترى أعينهم النار يوم القيامة: عين بكت من خشية الله، وعين حرست في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله)) [صححه الألباني].
كما أن العين التي يكفها صاحبها عن محارم الله لا تمسها النار يوم القيامة أبدًا؛ فعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا ترى أعينهم النار: عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين كفت عن محارم الله)) [حسنه الألباني].
وأيضًا ـ عزيزي الشاب ـ إذا غضضت بصرك؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يضمن لك الجنة؛ فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((اضمنوا لي ستًا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم)) [صححه الألباني].
منافع غض البصر العديدة كما ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله:
وفي غض البصر عدة منافع
أحدها: أنه امتثال لأمر الله، الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده؛ وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تعالى.
الثانية: أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه.
الثالثة: أنه يورث القلب أُنسًا بالله؛ فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده عن الله.
الرابعة: أنه يقوِّي القلب ويُفرحه.
الخامسة: أنه يكسب القلب نورًا، وإذا استنار القلب؛ أقبلت وفود الخيرات إليه من كل ناحية.
السادسة: أنه يورث فِراسة صادقة يميز بها بين الحق والباطل، والصادق والكاذب, والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله، ومن ترك لله شيئًا؛ عوضه الله خيرًا منه.
فإذا غض بصره عن محارم الله؛ عوَّضه الله بأن يطلق نور بصيرته مَعْوَضَةً عن حبسه بصره لله، ويُفتح له باب العلم والإيمان والمعرفة والفِراسة الصادقة المصيبة، التي إنما تُنال ببصيرة القلب.
السابعة: إنه يورث القلب ثباتًا وشجاعة وقوة.
فجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة، وسلطان القدرة والقوة، وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته والذل قرين معصيته؛ فقال تعالى: [المنافقون:8].
وقال تعالى: [آل عمران:139].
وقال تعالى: [فاطر:10]، أي: من كان يريد العزة؛ فليطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح, وفي دعاء القنوت: ((إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت)) [صححه الألباني].
الثامنة: أنه يسد على الشيطان مدخله إلى القلب؛ فإنه يدخل مع النظرة، وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي.
التاسعة: أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها.
كما أن إطلاق البصر ليس من شيم الرجال؛ كما قال عنترة العبسي:
وأغضُّ طَرْفي حين تبدوجارتي حتى يُواري جارتي مَأواها!
فإذا كان عنترة ـ وهو الذي كان يعيش في الجاهلية ـ يغض بصره؛
فأولى لك ـ عزيزي الشاب المسلم ـ أن تغض بصرك.
استعن بالله عز وجل، وأكثر من الدعاء أن يرزقك العفاف وأن يحفظ عينك من النظر الحرام، ولا تخجل من أن تسأل الله عز وجل أن يعينك على غض بصرك.