إدارة الأزمات الاقتصادية
(مواقف من حياة الرسول r)
دكتور حسين حسين شحاتة
الأستاذ بكلية التجارة جامعة الأزهر
تقديم
يعاني العالم اليوم من أزمات متعددة الجوانب عقائدية و خلقية واجتماعية و اقتصادية و سياسية، و فشل المفكرون في إيجاد المنهج واختيار الطريق الملائم لمعالجتها و ما ازدادت إلا تعقيداً و سوءاً، و من أبرز هذه الأزمات وضوحا (هي) الأزمات الاقتصادية، و العالم اليوم يبحث عن منهج جديد لمعالجة هذه الأزمات، و بدأ علماء الاقتصاد في العالم يتجهون نحو الإسلام لإيجاد الحل، و اهتموا بدراسة الاقتصاد الإسلامي منهجاً و نظاماً و فكراً و تطبيقاً، و ألقى ذلك مسؤولية على علماء الاقتصاد الإسلامي ليقدموا للبشرية من يصلح حالها كما صلح أولها.
و في هذا الكتيب المتواضع نناقش المنهج الإسلامي للخروج من الأزمات الاقتصادية مركزين على المنهج الذي سلكه رسول الله r.
الرسول قدوتنا:
يؤمن المسلم إيمانا راسخا بالله ربّاً و بالإسلام ديناً و بمحمد r نبياً و رسولاً، كما يؤمن بأن طاعة الرسول r من طاعة الله مصداقا لقول الله تبارك و تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله}(1) ، كما يؤمن بأن ما يقوله أو يفعله أو يقره الرسول هو من عند الله، وأصل ذلك قول الله تبارك و تعالى: {و ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}(2) و قوله جل شأنه: {و ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى}(3) .
لذلك يجب على المسلم إذا أراد أن يسير في الطريق المستقيم أن يسير على هدي رسول الله r، و أن يكون زعيمه و معلمه و قائده، و لقد أكد على ذلك القرآن الكريم، فيقول الله تبارك و تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيرا}(4).
و الرسول r عند تكوينه لدولة الإسلام لم يفرق بين العبادات و المعاملات، بل أكد على شمولية الإسلام على أنه نظام شامل لكل نواحي الحياة عبادات و معاملات، دين و دولة، مصحف و سيف.
و لقد اهتم الرسول r بالجوانب الاقتصادية، فعندما فرغ من بناء المسجد بالمدينة، أسس السوق الإسلامية الحرة النظيفة، و قال: “هذا سوقكم لا تتحجروا و لا يضرب عليه الخراج”.
و الرسول r و هو في تأسيسه و إدارته لدولة الإسلام قابلته العديد من المشاكل: عقائدية و خلقية و اجتماعية و اقتصادية وسياسية، و كان له منهج متميز في معالجة هذه المشاكل، و كان هذا المنهج يقوم على أساس أن الإسلام نظام متكامل شامل يتكون من عدة نظم فرعية، و لا يجوز أن نعالج مشكلة بالانعزال عن النظام الأصلي، لأن هناك علاقات تبادلية سببية بين نظم الإسلام الفرعية.
و من ثم عند معالجته للمشاكل الاقتصادية لم يعالجها بالانفصال عن النظم الاعتقادية و الخلقية و الاجتماعية و السياسية، لأن الجميع يمثل كياناً واحداً هو النظام الإسلامي الشامل.
ثم إن الرسول r لم يفصل الاقتصاد عن الدعوة، و لا الدعوة عن الاقتصاد، فلا بد للدعوة من قوة اقتصادية و لا بد للاقتصاد من قوة عقائدية و قوة خلقية و قوة اجتماعية و قوة سياسية.
فعلى سبيل المثال تعتبر الزكاة عبادة و في نفس الوقت ركناً أساسياً من أركان الاقتصاد و مصدراً رئيسياً من مصادر تمويل الجهاد لتحقيق العزة السياسية و حماية حراسة العقيدة.
و من هذا المنطلق إذا أردنا أن نخلص العالم الإسلامي من مشاكله الاقتصادية فيكون ذلك من منطلق المنهج الشامل و هو النظر إلى جميع المشاكل سوياً و تطبيق منهج رسول الله قدوتنا.
و سوف نناقش في هذا الكتيب الموجز المنهج الذي انتهجه رسول الله r في علاجه للمشكلات الاقتصادية في ظل الإطار الشامل، هذا و سوف نركز على بعض الحالات نظراً لضيق الوقت والمكان، و هذه الحالات هي:
- مشكلة الحصار الاقتصادي على رسول الله r و الذين آمنوا معه قبل الهجرة.
- مشكلة التعامل مع اليهود و بناء السوق الإسلامية بالمدينة.
- مشكلة تمويل الغزوات وقت الأزمات الاقتصادية.
- سلوكيات الرسول r في أوقات الأزمات الاقتصادية.
- ماذا ترك رسول الله r بعد وفاته.
الحصار الاقتصادي على رسول الله r و الذين آمنوا معه قبل الهجرة:
لما عجزت قريش عن قتل النبي r أجمعوا على منابذته و من معه من المسلمين و من يحميه من بني هاشم و بني المطلب، فكتبوا كتاباً تعاقدوا فيه على ألا يناكحوهم و لا يبايعوهم و لا يدعوا سببا من أسباب الرزق يصل إليهم و لا يقبلوا منهم صلحاً و لا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلم بنو المطلب رسول الله r إليهم ليقتلوه، و علقوا الكتاب في جوف الكعبة.
و التزم كفار قريش بهذا الكتاب ثلاث سنوات من سنة سبع من البعثة إلى السنة العاشرة من البعثة.
و حوصر بنو هاشم و بنو المطلب و من معهم من المسلمين في شعاب مكة، و اشتد البلاء برسول الله r و الذين آمنوا معه حتى كانوا يأكلون الخبط و ورق الشجر و كان التجار يغالون في أسعار السلع عليهم و كان الأطفال يتضاغون من الجوع، و لم تترك سلعة تصل إليهم.
و بعد ثلاث سنوات أجمع بنو قصي على نقض ما تعاهدوا عليه، فأرسل الله على صحيفتهم الأرضة فأتت على معظم ما فيها من ميثاق و عهد و لم يسلم من ذلك إلا الكلمات التي ذكر فيها اسم الله عز وجل، و لقد أخبر الله سبحانه و تعالى رسوله بذلك و أخبر الرسول عمه أبا طالب، فذهب أبو طالب و معه بعض الصحابة إلى قريش فقالوا لقريش أن يأتوا بالصحيفة و قال لهم أبو طالب إن ابن أخي أخبرني أن الله قد سلط عليها الأرضة فأتت عليها، ففتحوا الصحيفة فوجدوا الأمر كما أخبر الصادق المصدوق، فقالوا: هذا سحر ابن أخيك.
العـــبـــر:
- إن أعداء الإسلام دائماً ظلمة في عهودهم و عقودهم.
- مشاركة بعض المشركين للمسلمين و عدم التخلي عن رسول الله r (القرابة و صلة الرحم).
- صبر المسلمين و إيثار الدنيا على الآخرة.
- الالتزام بأوامر الله و التضحية بالمال من أجل طاعة الله ورسوله.
- عرض على رسول الله r المال و الجاه و لم يتخل عن دعوته.
- كان جزاء هذا الصبر و الجلد و تحمل المشاق أن الله سبحانه وتعالى قد مكنهم من منابع الثروة و الاستيلاء على عروش الملوك و فتح بلاد الروم و فارس.
و صدق الله إذ يقول: {و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين}(1).
سوق اليهود و السوق الإسلامية فـي المدينة:
(1) سورة النساء آية 80.
(2) سورة الحشر آية 7.
(3) سورة النجم آية 3،4.
(4) سورة الأحزاب آية 21.
(1) سورة القصص آية 5.