سر تجاوز الإثنين
***
هاتفها صديق زوجها الحميم ...
أحسَتْ بالتردد في صوته ..
سمعته يتلعثم في الكلام على غير عادته
رغم توجسها ... إسْتحَثتْه لكى يفضفض و يفصح عما بداخله ...
بعد لأْي .. دار بينهما هذا الحديث :
***
هو : أريد أن أنقل لك سراً ..
قالت بضحكة مقتضبة لتشجعه : كل سر جاوز الإثنين ذاع ..
قال مؤكداً : تأكدي أنه لن يتجاوزنا نحن الثلاثة ..
قالت مندهشة : من هو الثالث ؟
قال : زوجك
قالت : أرجوك قل لي فقد شغلت قلبي و عقلي ..
قال : أتوعدينني بأن تتدبري الأمور بكل حكمة ؟
قالت في جزع : فليقدرني الله ..
قال : زوجك ينوي الزواج سراً ..
ران صمت طويل بينهما .. خُيل إليه بأن شحنات غضبها ستأتي عبر الهاتف لتنصب عليه كالحمم .. و لكن الصمتَ طال ... فأنتابته نوبة الشك ..
قال بصوت خافت : أما زلت هناك ؟
قالت : بالتأكيد ..
قال : الأمر مقلق و خطير ..
قالت بعد صمت غير قصير : لا تخف .. فأنا قوية و متماسكة ..
قال بقلق : ماذا ستفعلين ؟
قالت : قبل أن أقول لك ماذا سأفعل .. دعني أسألك سؤالاً ...
قال : تفضلي بالسؤال ..
قالت : لماذا أخبرك زوجي بهذا السر ؟
قال بدهشة : لأنني صديقه الحميم الوحيد و مستودع أسراره ..
قالت : و لكنك الآن خرقتَ أول صفة من صفات هذا الإيداع .. ها أنت تذيع له أول سر خطير يبوح لك به ..
قال منفعلاً : و لكن هناك فرق ... فهذا السر لو كتمته عنك يمكن أن يقوِض أركان عشكم السعيد ..
قالت بثقة : و الآن أيضاً سيقوض عشنا السعيد
قال بتوسل : لذا قلتُ لك في البداية أن تتدبري الأمر بحكمة و روية ..
قالت : سأقول لك شيئاً .. ما دام يريد أن يتزوج سراً .. فسيفعلها حتى و إن واجهته ... فزواجه بالسر قد أكتشفه أو لا أكتشفه ... و هو بهذا الزواج يكون قد قام بمفاضلة و قام بترجيح كفة الأخرى .. أو ربما رأى فيها ما لم يره فيني .. لذا فإن تزوج فقد إنهار بيتي .. و إن لم يتزوج فقد تراجعتْ الثقة بيني و بينه و هذا أولى درجات الإنهيار،على الأقل من جهتي و لن أكون تلك الزوجة الوفية بالطبع حتى و إن رضيت بالإستمرار من أجل أطفالي.
قال : هل تقصدين بأنه لم يكن من واجبي أن أخبرك بهذا السر ؟
قالت : نعم
قال : هذا فيه ظلم كبير لي ..
قالت : أنت الآن بنقل هذا السر لي قد فتحت عدة أبواب .. فلو واجهته أنا فبالتأكيد ستخسره كصديق للأبد لأنك الوحيد الذي تعرف الخبر. و لو قمت بالتصرف تلميحاً أو وضع العراقيل حتى لا يتم هذا الزواج فهذه بداية حقيقية لإنهيار بيت الزوجية و بداية المناكفات التي يجدها مبرراً لتمرير حجة زواجه من أخرى .. أما إذا تركته يتزوج سراً ليشبع رغبة مجنونة في دواخله .. فثِق تماماً بأنه سيكون مجرد أب لأطفالي .. يدخل و يخرج دون أن يكون ذاك الذي تزوجته يوماً ما عن حب و إقتناع ..
قال في جزع : ما الذي فعلته أنا ؟ هل كان يجب عليَ أن أسكت ؟
قالت : لا تغضب مني لأنني سأقول لك : نعم كان يجب أن تسكت ... حتى تكسب صديقك من جهة .. و حتى تترك لي فرصة إكتشاف الأمر لوحدي ... ربما كانت ردة فعلي تجاه الأمر الواقع مختلفاً.
قال كمن وجد منفذاً للخروج من ورطته : كيف كنت ستعرفين و هو زواج سري ؟
قالت : الأنثى منا تعرف تيرموميتر عواطف زوجها معرفتها بجوع بطنها .... و تحس متى ينخفض نبض حديثه و لماذا و متى يرتفع و كيف ... تحس من لمسته حرارة إحساسه .. لذا فإن أي تبدل أو نقص في كل هذا تلتقطه المرأة بكل سهولة و يسر ......... لأن الرجل في مسيرة حياته مع زوجته حتى و إن فترتْ عبارات الحب بينهما و مدلولاته.. يظل الحب كجذوة تحت الرماد تعرف مكامنها الزوجة بحدْس لا يخيب ..و مهما راوغ الزوج أو أسهب في الكذب و الإطراء و أغلق منافذ الشك و الريبة.. فإن هناك نافذة تظل مفتوحة و مُشْرَعة تطل منها المرأة على مكنونات روحه و وجدانه .. لا مناص يا أخي ..
قال : و ما الحل ؟
قالت : حل مشكلتي أم حل مشكلتك مع صديقك ؟
قال : مشكلتك أرى أنك ستقومين بحلها عن جدارة و إقتدار .. أنا أسأل عن مشكلتي معه.
قالت : الأمر في غاية البساطة ... إذهب إليه و كأنك لم تحدثني بالأمر و قل له : أنا لا أرضى أن تكتم الأمر عن زوجتك .. إما أن تحدثها أو أحدثها أنا ..
قال : ثم ماذا ؟
قالت : بالتأكيد سيقول لك : لو حدثتها فإن هذا نهاية علاقتي بك ..
قال : ثم ..
قالت : قل له : من الأفضل أن أفقد صداقتك من أن تفقد زوجتك المخلصة و يضيع أولادك بينك و بينها ..
قال : ثم ..
قالت : لا يمكن أن تكون أنت أحرص منه على بيته منه .. ربما ترك الأمر ..
قال : بالطبع ... و لكنك ستعاملينه بطريقة يفهم منها أنك علمت بالأمر ..
قالت : لا تخف .. من يكون حريصاً على صديقه لا بد أن يكون حريصا على بيته ... و لكن لتعلم جيداً .. بأن تداعيات هذا السر ستكون جرحاً نازفاً صعب الإندمال ..
قال : و إن تزوج دون أن يخبرني ؟
قالت : قلت لك بأنني سأعرف لا محالة .. طال الأمر أو قصر ..
قال : و لن تشكي بأنه ربما أسرَها لي ؟
قالت : الأمر سيان عندي الآن.
***
جلال داود ( الرياض 2009م)