محمد صلى الله عليه وسلم في حياة أتباعه
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه.
أما بعد:
إذا أحب الإنسان شخصاً أتبعه وأتخذه قدوة وأسوة وإذا أتخذ الإنسان هذا القدوة سيكون حياً في حياته بلا شك، وأن مات، وسيكون موجوداً في حياته وأن غاب وهذا متمثل في نبينا صلى الله عليه وسلم الذي هو قدوتنا وأسوتنا فهو في حياة أتباعه من السابقين واللاحقين إن كان حاضرا حياً أو غائباً ميتاً عليه الصلاة والسلام فنقف اليوم عند هذا النبي القدوة في حياة أتباعه من السابقين واللاحقين:
من هم أتباعه؟
وهل يمكن أن يستمر هذا الإتباع بعد غيابه صلى الله عليه وسلم؟
وما هي الأمثلة التي توضح إمكانية تطبيق هذا الاتباع؟
من هم أتباع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن نعرف من هم أتباع النبي نتعرف على المراد من الإتباع.
فالإتباع مضارع كلمة تبع يقال : تبعه وأتّبعه أي أقتفى أثره وذلك تارة بالجسم وتارة بالوسام والأئتمار وعلى ذلك قوله تعالى: ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُون ﴾ [يس: 20- 21]. وقال تعالى: ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 3]، ويقال: أتبعه: أي إذا لحقه، قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون: 44].[1] فمن هذه يتبين لنا إن إتباع النبي هم من أقتفى أثره وسار على دربه وخطاه ظاهراً وباطناً، فكل من تمثل بهذا فهو من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم فالصحابة رضي الله عنهم وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من الذين أمنوا به والمؤمنون به وبرسالته وكل من سار على نهجه ودربه هم أتباعه، ويستمر هذا الإتباع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها... فإن مات النبي صلى الله عليه وسلم وأنتقل إلى الرفيق الأعلى فإن شريعته ورسالته ماضية وإن سيرته حاضرة وأوامره ونواهيه قائمة وهذا ما فهمه الصحابة فبقوا يتبعون نبيهم وهكذا التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فصور أتباع النبي صلى الله عليه وسلم بعد غيابه وموته كثيرة فمنها:
1- صور من أتباع الصحابة رضي الله عنهم:
فالصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي لم تتغير أحوالهم وأفعالهم ومواقفهم ولم يغيروا ما النبي صلى الله عليه وسلم به أمرهم ولم يبدلوا بل كانوا متمسكين بطاعته وأوامره ونواهيه فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه عند وفاة رسول الله أرتدت بعض قبائل العرب حول المدينة عن الإسلام فاجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا يا ابا بكر رد هؤلاء فقد توجهوا إلى الروم وارتدت العرب حول المدينة فقال: والذي لا إله إلا هو ما رددت جيشاً وجهة رسول الله ولا حلت لواءاً عقده رسول الله، فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الإرتداد إلا قالوا لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم فثبتوا على الإسلام [2].
فهذا شيء يسير وفيض من غيض عن صور أتباع الصحابة بعد وفاة رسول الله وهذا عمر بن الخطاب وهو يطوف بالبيت الحرام عند الكعبة المشرفة وهو يقبل الحجر فيقول له : ( إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ) [3].
فما كانوا يفعلون إلا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ويأمر به ولا يتكلمون إلا بما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوازه الذي يرضي ربه ولا يتشبهون إلا بما رأوه في رسول الله أو أمر به.
وهذا عثمان رضي الله عنه : (إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَا تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا الْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ) [4].
وهذا علي رضي الله عنه : (عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ) [5].
هكذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يعيش في حياتهم رضي الله عنهم أجمعين في سلوكه و أوامره ونواهيه فامتثلوا أوامره وساروا على نهجه ودربه فكان أتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أن رأوه ويوم أن غادرهم والتحق بموته إلى الرفيق الأعلى وإلى آخر يوم من حياتهم رضي الله عنهم وأرضاهم والأمثلة من هنا لا تعد في جميع حياة الصحابة ولا تحصى.
2- أمثلة وصور من أتباع أهل الإيمان للنبي صلى الله عليه وسلم ممن لم يروه:
وإن كان قائل يقول بأن هؤلاء قد رأو النبي صلى الله عليه وسلم وعاصروه وتربوا على يديه ونهلوا منه فلنرى كيف حال الذين من بعدهم في إتباع النبي على مر العصور وكيف بينوا من خلال حياتهم أن إستمرارية إتباع النبي صلى الله عليه وسلم هي قضيتهم المنهجية لهم وإنها مستمرة ما أستمر أهل الإيمان.
التابعين : التابعون لم يروا النبي لكنهم أمنوا به فأتبعوه وكان رسول الله حياً في قلوبهم موجوداً في حياتهم لا يتقدمون إلا بأمره لا ينهون إلا بنهيه المتمثلة بسنته بما فيها أقواله ووصاياه وما نقل إليهم من أفعاله صلى الله عليه وسلم.
فكان الحسن البصري رحمه الله العابد الزاهد، تقياً ورعاً صالحاً مقتدياً بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء، فعندما غير النبي منبره الذي يخطب عليه صاحت الجذع حتى كادت أن تنشق فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه وجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى أستقرت. فكان الحسن البصري رحمه الله إذا روى هذا الحديث يبكي ويقول: يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه [6].
وهذا التابعي الجليل محمد بن سيرين يقول : إن عندنا من شعر رسول الله شيئاً من قبل أنس بن مالك فيقول له أبو عبيدة التابعي الجليل: لأن يكون لي منه شعرة أحب إلي من كل صفراء وبيضاء على ظهر الأرض[7].
وهذا صلاح الدين الأيوبي محرر بيت المقدس (532-589)هـ : يقول للناس لقد هزمتهم لبعدكم عن طريق الله ولن تنصروا حتى تعودوا إلى الطريق.
وهذا شيخ الإسلام (661-728)هـ أبن تيمية الحراني رحمه الله: أبطل البدع وحارب أهل الزيغ والضلال ونشر السُنة النبوية وعاش لها ولأجل نشرها فكان يرد رحمه الله: (إن دين الإسلام مبني على أصلين الأول: أن تعبد الله وحده لا شريك له. والأصل الثاني: أن يعبد لما شرعه على لسان رسوله وهذان الأصلان الكبيران هما حقيقة قولنا نشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمد رسول الله.
وغيرهم المئات في كل القرون الماضية إلى آخر أيامنا الحاظرة التي نعيشها فنرى فيها مواقف العلماء وأعل الإيمان في إتباعهم رسول الله ومسايرتهم للإتباع في كل زمان ومكان في السراء من أمرهم وضرائه في ليلهم ونهارهم والأمثلة من ذلك في سيرهم وحالهم ظاهرها وباطنها ولا يمكن لأحد أن يحصيها.
قال إبن القيم رحمه الله:
أولئك أتباع النبي وحزبه
ولولاهم ما كان في الأرض مسلمٌ
ولولاهم كادت تميد بأهلها
ولكن رواسيها وأودتادها همُ
ولولاهم كانت ظلاماً بأهلها
ولكنهم فيها بدور والنجمُ
فالنبي حيٌ في حياة أتباعه فهل نحن من أتباعه فحييه في حياتنا.
المراجع :
[1] مفردات القرآن (1/176).
[2] البداية والنهاية (6/ 305).
[3] البخاري ومسلم (3/540)، (2/925).
[4] أخرجه الترمذي وحسنه، ابن ماجة.
[5] صحيح مسلم.
[6] سير أعلام النبلاء (4/ 42).
[7] البداية والنهاية (6/ 127).