صوموا تصحوا
صوموا تصحوا
رمضان كريم.. تحية الصائمين فى شهر الصيام، ورمضان كريم صياماً وقياماً وطعاماً، وهو شهر الخير والبركات والنفحات والعبادات، وهى نعم أنعم بها المولى عز وجل على عباده المؤمنين، وللصيام والعبادات فوائد جمّة، وعن فضل شهر رمضان يقول الله تبارك وتعالى: «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» (185 البقرة)، ومن أحاديث الرسول، صلى الله عليه وسلم: «صوموا تصحوا»، و«الصيام جنة» أى وقاية، ولقد ظهر حديثاً فى الإصدارات العالمية ما يفيد بأن الصيام يسر لا عسر، وأنه صحة ووقاية من الأمراض، وسوف نتحدث عن المردودات الإيجابية للصيام وسائر العبادات فيما يتعلق بصحة الصائمين البدنية والنفسية تأسيساً على البحوث والدراسات العلمية العالمية، بالإضافة إلى القيمة الغذائية والصحية للأغذية التى تعوّد الصائمون على تناولها فى الشهر الكريم.
حديثاً نشرت مجلة «تايم» الأمريكية تحقيقاً بعنوان «كيف يعجل الإيمان بالشفاء» عن البحوث التى تناولت أثر الصيام والصلاة فى صحة الإنسان، حيث تشير دراسات أجريت على عدد من الصائمين إلى أن الصيام يؤدى إلى الصفاء الذهنى والراحة والاستقرار النفسى، ولقد بيّنت باحثة فى مستشفى أطفال ببوسطن بأمريكا من خلال تصوير مخ الصائم أن الصيام لعدة ساعات يُحدث تغيرات إيجابية فى وظائف المخ تُسبّب الشعور بالراحة وتزيد من قدرة الصائم على تحمّل الصيام لعدة ساعات أخرى، وعن قدرة الإنسان على تحمّل الصوم، بيّنت بعض الدراسات أن الكبد ينشط فى أثناء الصيام، فيما يتعلق بتحويل مختزن الكبد من الجليكوجين، وهو احتياطى السكر إلى الجلوكوز، بحيث يستمر مستوى هذا السكر فى الدم فى حدود المعدل الطبيعى لمدة 24 ساعة دون تناول أى طعام، ويُعتبر سكر الجلوكوز أهم مصادر الطاقة لأعضاء الجسم، وبخاصة المخ الذى يحصل على قدر كبير من هذه الطاقة التى يستفيد منها فى أداء وظائفه المختلفة، ولقد تبيّن أن القدر الذى يحصل عليه المخ من السكر فى أثناء الصيام هو القدر المناسب لتحسين وظائف المخ، وعلى العكس فإن الإفراط فى تناول الطعام، وبخاصة الأطعمة الغنية بالمواد السكرية، يؤدى إلى ارتفاع مستوى السكر فى المخ ارتفاعاً يُسبب تكون مواد ضارة تسبب إرهاق خلاياه وعرقلة وظائفه الطبيعية، وهناك دراسات تبين أنه كلما كثر تناول السكريات كلما ارتفعت نسبة الإصابة بمرض الزهايمر وأمراض أخرى بالمخ، ويشير تحقيق مجلة «تايم» إلى أن الإيمان والصوم وسائر العبادات تساعد فى مقاومة فيروس الإيدز، حيث يترتب على ممارستها كبح جماح مواد ضارة تسبب تلف خلايا المناعة وتدنى مقاومتها فى مقاومة الفيروس، وحينما تقل هذه المواد الضارة إثر الصوم وممارسة العبادات الأخرى ينخفض ضغط الدم وينتظم مستوى سكر الدم وتنشط خلايا المناعة فى مقاومة الميكروبات، وفى دراسة أجريت على عدد من المصلين انتظموا فى صلاتهم لأكثر من 15 سنة اتضح أن لديهم تحسُّناً ملحوظاً فى وظائف المخ، وبخاصة الذاكرة والتركيز، وذلك بالمقارنة بعدد من غير المنتظمين فى الصلاة، ولقد أكدت هذه الدراسة ببحث أجراه أحد المتخصصين فى أمراض القلب بمستشفى سان فرانسسكو العام بأمريكا، حيث تبين أن وظائف القلب تتحسن فى الأشخاص المداومين على الصلاة، وفى جامعة ميتشجين بأمريكا أجريت دراسات على 1500 شخص خلال الأعوام من 1997 - 2009 بيّنت أن المنتظمين فى أداء الصلاة فى دور العبادة يقل فيهم نسبة الإصابة بالاكتئاب، وذلك بالمقارنة بغير المنتظمين.
ومن فوائد الصيام، غير المصحوب بالإفراط فى تناول طعام الفطار والسحور، أنه يساعد فى تقليل السعرات الحرارية التى نحصل عليها من الطعام، ولقد أوضحت الدراسات أن تقليل السعرات الحرارية بمقدار 300 سعر يومياً يكسب الجسم صحة ونشاطاً ومقاومة للأمراض، والصيام يجعلنا نفقد هذا القدر من السعرات، وربما أكثر، لو أننا اتبعنا قول الله تبارك وتعالى: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» (31 الأعراف).
ويساعد الانتظام فى تقليل هذا القدر من السعرات يومياً فى تخفيض الوزن، وفى هذا وقاية من الأمراض، وإذا تعوّدت المعدة على القدر القليل من الطعام خلال رمضان، فإنه من السهل أن تكتفى المعدة بعد رمضان وخلال شهور العام بكميات قليلة من الطعام، ويساعد التقليل المستمر فى السعرات الحرارية فى تجديد الشباب وتأخير الشيخوخة ووقاية الجسم من الأمراض.
ومن فوائد الصيام الصحية التخلّص من السموم المتراكمة فى أعضاء الجسم المختلفة، وهذا ما أكده عالم التغذية الأمريكى أندريا وايلد فى أحد كتبه، حيث عالج حالة تسمُّم بعنصر الكادميوم بالصوم، لمدة ثلاثين يوماً تمكن الجسم خلالها من طرد نحو 80% من المادة السامة خارج الجسم، كما أشار عالم التغذية إلى أن الصيام ينشط جميع أعضاء الجسم بما فيها الأعضاء التناسلية، ويعطى قسطاً وافراً من الراحة للجهاز الهضمى والكبد والمرارة.
وفى شهر رمضان تزيد مقاومة الجسم للأمراض، حيث ينشط جهاز المناعة الذى يقاوم الميكروبات والفيروسات، ولقد بيّنت البحوث أن المناعة تنشط استجابة للصيام والصلاة التى يؤديها الصائم وصلاة القيام والتهجد وذكر الله وقراءة القرآن، كما تشير بعض الدراسات إلى أن الخلايا المناعية تستجيب استجابة إيجابية للأعمال الصالحة مثل الصوم والصلاة والزكاة وبر الوالدين وعمل الخير والتعاطف والتراحم، ولقد تبيّن من خلال متابعة البحوث أن الأعمال الصالحة تساعد فى إفراز مواد داخل الجسم من شأنها تنشيط خلايا المناعة والمساعدة فى الوقاية من أمراض القلب والشرايين والقلق والاكتئاب والمتاعب النفسية والعصبية، وهذا ما يفسر الراحة النفسية والعصبية التى ينعم بها الصائم، وعلى العكس فإن خلايا المناعة تضعف فى مقاومة الأمراض بالمعصية وشح النفس وعقوق الوالدين وقول الكلمات الخبيثة واقتراف السيئات أو الحض عليها، والكراهية والغضب والضغينة والأحقاد وتعاطى المسكرات والمخدرات والتدخين والإسراف فى الطعام، حيث تؤدى هذه العوامل إلى إفراز مواد داخل الجسم من شأنها تثبيط خلايا المناعة وزيادة احتمال الإصابة بالأمراض.
ومن الدراسات التى توضح فوائد الصيام أنه يساعد فى علاج الأورام السرطانية وغير السرطانية، وتشير بحوث أجراها أطباء فى السويد وألمانيا إلى أن الصيام يساعد فى علاج أمراض القلب والشرايين والجهاز الهضمى والجلد والأمراض الروماتيزمية، كما تبين دراسة أجريت فى روسيا أن الصيام أدى إلى تحسّن الحالة المرضية فى نحو 70% من مرض الفصام الشخصى الذين داوموا على الصيام من 20 - 30 يوماً، وتوضح دراسة أجريت على بضع مئات من مرضى الأمراض النفسية Pschycosomatic أن الحالة الصحية، قد تحسّنت بدرجة ملحوظة فى نحو 87% من هؤلاء المرضى.
ويقول عالم البيولوجيا الجراح دكتور أليكسس كاريل Alexis carrel، الحاصل على جائزة نوبل، فى كتابه «الرجل ذلك المجهول» إن الصيام يساعد فى تجديد خلايا الجسم وتخليص أعضائه من السموم والمواد الضارة.
وفى دراسة أجريت فى سان فرانسسكو عن أثر العبادات فى الوقاية من الأمراض تبيّن أن الانتظام فى العبادات يقلل من احتمال الإصابة بأمراض القلب بمقدار 50%، وأن الصلاة لها تأثيرات إيجابية فى الجسم والعقل، حيث تقلل الاضطرابات العاطفية والعقلية، كما تساعد قراءة القرآن والصلاة فى تهدئة ضربات القلب وطمأنينة النفس «أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (28 الرعد)، وتساعد المداومة على الصلاة والإكثار منها وقراءة القرآن -وهذا ما يحرص عليه كثير من الناس فى شهر الصيام- على اكتساب النفس شحنة معنوية تساعد فى الوقاية من أمراض النفس والبدن.
وتفيد بعض الدراسات أن أداء الصلاة قبل إجراء العملية الجراحية -سواء من جانب الطبيب أو المريض- يساعد فى سرعة التئام الجروح، ولهذا التأثير سند علمى، حيث اتضح أن الخشوع فى الصلاة يؤدى إلى انخفاض ضغط الدم والتغلب على القلق والتوتر والشد العصبى، وبث الطمأنينة فى نفس الجراح والمريض.
واستخدمت الصلاة والعبادات كوسيلة تساعد فى علاج إدمان المخدرات والخمور، حيث اهتم العديد من المستشفيات بإنشاء أقسام خاصة لعلاج الإدمان بالصلاة والعبادات الأخرى. كما أن صحة الإنسان وقدرة بدنه على مقاومة الأمراض تتحسن بالصيام وسائر العبادات، فإن من الأطعمة التى تعوّد الصائمون على تناولها فى الفطار والسحور ما يفيد فى علاج الأمراض والوقاية منها، ويأتى فى مقدمة هذه الأطعمة الفول والزبادى والتمر والتين والزبيب والمشمش وقمر الدين والقراصيا.