قصيدة ( قلعة الإسلام ) من ديوان حديث الناي
==================
قِيثَارتِى وصلاً تَجيبُ نَدائِى ... يَا طِيب وَصلٍ بَعدَ طُول تَنائِى
عَادَتْ تُشارِكُنِى الغِنَاءَ سَعيدةً ... أَنعِمْ بِيومٍ طَابَ فِيهِ غِنَائِى
يَا مَولدَ الحِصنِ المَنِيع لأُمتِى ... لَوَلاكِ لَمْ نَرشفْ رَحيقَ صَفاءِ
بُوركْتِ "قَاهرةَ" المُعزَّ بـ "أَزهرٍ" ... أَعَلى لَواءَ مَحجةٍ بَيضاءِ
فِى عِيدِهِ، الأَيامُ تَرفلُ فِى السَنا ... كَالَّروضِ فِى حُللٍ مِنَ الأَنْدَاءِ
وَالكَوْنُ يَبسمُ، والنَّسِيمُ كَأْنمَا ... يَحبُوهُ فَوْح مِنْ شَذَا الزَّهَراءِ
اليَومُ عَرسٌ قَدْ تَألقَ نوره ... بِالنَّيرَينِ؛ تَلاقَيَا بِسمَاءِ
"مِصْرُ" الكِنَانةِ لاَ تَهيمْ بِغيرهِ ... حُباً، وَنجْوَى منذُ فَجر لقِاء
زُفَّوا إِليهَا فَارساً هَامتْ بِهِ ... شَوْقاً، تناهى فِى ضُحَى ومَساء
أُهدى لِخطبْتهَا بِأيامٍ خَلتْ ... عقداً مِنَ الأفَذَاذِ، وَالأَكفاء
مذ أَلفَ عَامٍ ظَلَّ يَنقد مَهرهَا ... فَيضاً مِنَ الإِجلاَلِ ، وَالآلاَء
أَهلاً بِعرسهِمَا البَهيجِ ومَرحباً ... بِالعيدِ ، يُقبِلُ فِى قَشيبِ ردَاء
يَا رَايةَ الإِسْلاِم – عزاً – رَفرفِى ... بـ "الأزهَرِ" المَعمورِ فِى خُيلاء
حييهِ للغة الجميلةِ صَانهَا ... مِمَا تحيك لَهَا يدُ الأعَداء
وَلْتخفِقِى فَوقَ المَآذنِ والذَّرَا ... دَوماً بِشكر خَالِصٍ ، وَثناء
لَولاهُ مَا سَطعتْ شُموسَ هِداية ... تَجْتَاحُ لَيلَ جَهالةٍ عَمياء
لَولاهُ مَا نَشرَ الضَّياءُ جَناحَهُ ... يَجلُو بَصيرةَ مَنْ دنَاو النَّائى
عَوداً إِلى قَبلِ "المُعزَّ" و "جَوهر" ... وَالكْونُ يَرتَعُ فِى دُجىَ الأَهوَاء
وَالخلف يَسْرِى، وَالمذَاهبُ جَمة ... والنَّاسُ حَيرَى فِى أتون شَقاء
وَالدينُ يَشكوُ مِنْ قَطيعٍ سَائٍم ... يَرنُوحسَيرَ الطَّرفِ رَهنَ ضِياء
عَلى الحَنيفةِ يَسْتِطبَ بِنوُرهَا ... فِكرٌ جَرى كَالسمِ فِى الأََحْشَاء
واسْتَبشَر الفَجرُ الصَبوحِ بِمولِدٍ ... أَعَلى إِلى الرَّحمنِ خَيرَ نِداء
الله أَكبر، قَامَ صَرحٌ شَامخٌ ... لِلْديِن، وَالدنيَا فَريدَ عَطَاء
مِحرَابِهِ شَع الهُدَى بَين الورَى ... وَأظَلَ كُل مُؤملٍ بِرَجاء
يَا طِيبَ أَروقَةٍ تُوحِدُ أَمة ... بِالحبِ لا بِسياسَةٍ رَعنَاء
أَقُصَى المَشارِقِ وَالمغَارِبِ هَهنَا ... فِى وَحدةِ نظمتْ بِروحِ إخِاء
هَذِى شُعوبُ الأَرضِ فِى أَحضانَهِ ... أَنعمْ بِكلِّ الخَلقِِ تَحتَ لواء
لاَ فخْرَ إِلا أَنْ يُقالَ : مُجاور ... شدَّ الَّرحالِ إِلى أجلِّ بناء
قَدْ جَاءَ يَنهلُ مِنْ مَواردِ فَيضهِ ... عِلماً، يَصونُ الَّنفسَ عَن إِغْواء
أَو زَائر يَستَافُ عِطرَ رِحابهِ ... وَكأَنهُ مِنْ جَنةٍ علياء
سَلْ صَحنهُ، والسربين ضفافه ... مِنْ أَينَ نفَحة كَفه المِعطاء؟
يُنبِيكَ عَنْ مَددِ السَّماِء جَداولاً ... تَجرِى مِنَ "القرآنِ" تَسبِى الرَائى
يَا مُنصِفَ الأَيامِ مِنْ ظُلمَائِهَا ... أَهلاً بِعيدٍ مُشرق وَضاء
ذَا عيد تَبليِغ الرَّسالةِ سَمحةً ... عَبرَ القُرونِ ، وَفىِ أَدقِ أَداء
يَا ثَورةً قَامتْ تُعلمُ ثَورَة ... أَنَّ الكَرامةَ أَثمن الأَشياء
مِنْ فَوقِ مِنْبرك الأَشمُّ عَلى المَدَى ... صَوتُ الجِهَادِ مُجلجل الأَصدَاء
يَدعُو إِلىَ صَدَّ الغزُاةِ، وَإنْ جَرَى ... دَمُنَا.. يخُضَّب شَاسِعَ الصَّحراء
فالموت يَحلُو فِى سَبيلِ بَلادَنا ... مَالمْ تُطاولْ هَامةَ الجَوزَاء
مُذ أَلفَ عَامٍ رُحتَ تَنْشرُ فِى الورَى ... نُورَ الحَنيَفةِ فَوقَ مَتِن مضاء
َعلَى لَواءُكِ بالفخارِ "أَئمة" ... إِرثاً مِنَ الأَجَدادِ للأَبنَاء
هَاكم "شُيوخَ المُسِلمينَ" شُوامخًا ... أَعلَى مِنَ الأَهراِم دُونَ مراء
الأَولُ: "الخرشى" إِمامٌ قَدْ سَمَا ... بِالعزْمِ متشحاً وَشاح نَقاء
فاَلَّزاهدُ: "البَرمَاوِى" نجم حقيقة ... فِى الأفقِ بَينَ فَراقدَ وسَماء
ثُمَ: "النَّشرتِى" فِى صَفاءٍ خَالصٍ ... يَحدُو المسِيرةَ مِنْ دُجى لِضياء
وَالفجرُ بـ "القلينى" أَقبلَ بَاعثًا ... رُوحَ التَقصَّى بُغيةً لِدواء
وَالفقهُ من : "شننٍ" تَفجرَ منبعًا ... مِثلَ الغَديرِ؛ يَزيدُ بِالإرْواء
مَا كَانَ "فَيومِى" يُطاول هَامةً ... فِى الفِكْرِ جمَّله بِطيبِ عَطاء
يَتلوهُ "شَبراوى" يُتِممُ مَا بَدَا ... مِنْ نَهضةِ تخَتالُ بِالآبَاء
وَاخْتاَلَ بِالتَأليفِ "حِفِنى" شَارحاً ... خَافِى المَعانِى مُؤمناً بِجلاء
لَمْ يمنحْ القدر "السجينى" مُهلةً ... إِذْ نَالَ عَبرَ العاِم خَير لقِاء
وَافى "الدَّمنهُورِى" يُفجرُ ثَورةً ... فِى الجَبِر، والتَّشِريحِ ، وَالكمياء
حَيُّوا "العَروسِى" للشجاعةِ إذَ غَداَ ... لَيثاً يُذيقُ التَّركَ كَأس عَناء
سَل (بُونَبرتْ ) عَنِ المُهندِ شَيـ ... ـيخنَا "الشَّرقَاوِى" يَوم الثَّورةِ الحَمراء
مَا أَروعَ "الشَّنوانِى" حَيث تَواضعَ ... رَغمَ اعتِلاء القَمةِ الشَماء
ثُم "العَرُوسِى بن العَروسِى" الشَّافعى ... كَنْزُ البَيانِ وَزينةُ الإفتَاء
ذَا "أَحمد ا لدَّمهوجِى" شَمس هِدايةٍ ... لَكنْ غَشاهَا الغَيم قَبلَ ضِياء
وَالملِهمُ "العطَّارُ" أَولَ مُصلحٍ ... والمُترجى للِشعْرِ، وَالشُّعراء
فِى ظِلَّ مَشيخة "القُويسنى" مَوكب ... يَمضِى وَئيدَ الخَطوِ وَالإنشَاء
طُوبَى لأَيامِ بـ "أَحمد" أَزهَرتْ ... ثُمَ انطوتْ فِى الزَّحمةِ الرَّعنَاء
شَيخُوخة "البَيجٌومِى" أَمستْ مَرتعاً ... لِلكَيدِ تُذكيهِ يَدُ الغَوغاء
وَاسْتَخلفَ الجَدُ (العروسى) "ثَالثاً" ... يَنْحازُ – عنْ ثِقةٍ – إِلى الأَكفَاء
و "مُحمد العباسِ" أَقبلَ مُصلِحاً ... بَلْ منُصفاً لِلعلِم، وَالعلماء
والقُطب "الأنبابِى" تَألقَ حينماَ ... أَندَى جَبينَ (كرومر) بِهجاء
تَنظيمُ "حَسون النَّواوِى" لَمْ يَزلْ ... مِنهاجُ تَجديدٍ، ووَحى غِنَاء
وَاسْتَخلفَ "القَاضِى النَّواوِى" حقبةً ... مَرتْ مُرورَ الرَّيحِ عَبرَ فَضاء
وَالكَاتبُ "الببلاوى" هَامَ مُؤلفاً ... يُثِرى المَعارفَ غَايةَ الإِثْرَاء
فِى العَامِ "شِرْبيِنى" يُودعُ رَاحلاً ... دُنيَا الإِمامَة طَى ثَوب تَنائى
أَعَلا "أَبو الفَضِل الجزَاوي" مِنبراً ... يَرقَى بِصوتِ الدِينِ للعَلياء
عَادتْ بِمشيخةِ "المَراغِى" صَيحة ... تَدعُو إِلى التَجديدِ، وَالإحياء
عَصرُ "الظَواهرِى" للتخصِص مِنهُ ... ظَلتْ تَبين هَويةِ الأشَياء
للفَيلسوفِ الفَذِّ "عَبدالرازق" ... فَضْلُ ارتقِاءَ الفِكرِ إِثرَ خَواء
وَاخترْ لـ "شِنَاوى" مَكانةَ عَالمٍ ... يَجتَازُ بِالمَعمورِ لَيلَ عداء
"عبدُالمجيد" ، وقول : تَقتير هُنا ... وَهنَاك إِسرَافُ بِغيرِ حَياء
والصَّمتُ مِن "حَمروشَ" كَان سجية ... فَالخير قَدْ يَأتِى مِنَ الإِصغَاء
و "الخِضْرُ" ذُو القَلبِ الغَنى بِعلمهِ ... لَمْ يَقبلْ التفِريطُ بِالإغرَاء
وَاحفظْ لـ "تَاج" إِن يَمر بخَاطٍر ... ذِكرَى إِمام مَذعنٍ بِولاء
وَاذكرْ لـ "شَلتُوت" الفَقيه مَآثراً ... فِى خدمَة الإسلاَمِ، والإِنماءِ
أَمَا خُطى "حَسن بن مَأمون" مَضتْ ... هَيابة تَسعَى عَلى استحياء
واحفظْ عَن "الفَحاِم" قَولاً مُفْحماً ... إنْ شِئتَ- وَاذكرْ عَهدهُ بِوفاء
"عَبد ُالحليِم" وَكانَ قُطبَ تَصوفٍ ... أَبلَى لِنشرِ العلْمِ حُسنَ بَلاءِ
وَاختَارَ "بيصارُ" الرحَابةَ مَنهجاً ... مَا نالَ مِنْ قَدٍح ، وَلا إِطرَاء
مَرحَى بِـ "جَادِ الحِق" أقبل مُغدقاً ... كَالفجرِ حِينَ يَجودُ بِالأَنداء
أَسماءُ "حَراس الشَريعةِ" هَهناَ ... فِى الَّنظِم، مَنْ أَلفٍ مَضتْ لِلياء
يَا فِتيةُ "المُعمورِ" صُونُوا عَهدهُ ... لا بِالتَباهِى، بَلْ بِكلِ وَلاء
صُدُوا رِياحَ الشَّرِعَنْ أَركانِهِ ... كُونُوا دُروعاً فَوقَ عَزمِ فدائى
طُوبَى لعِهدٍ بِالعمائِمِ تَزْدَهِى ... فَوقَ الرَّءُوسِ كَهالِةٍ غَراء
كَانتْ كَتيجانِ المُلوكِ مَهابةً ... بِالحبِ، لاَ بالخَوفِ مِنْ إِيذاء
مَنْ كَانَ أَسمَى مِنْ إِمامٍ يَقَتدِى ... بِالفَضلِ مِنهُ، وَيرتَجِى لدِعاء
عُودُوا إِلى "الفَرقَاِن" يُغنِى حَافظاً ... عَنْ أَلفِ أَلفِ حَديقةٍ غَناء
آَياتهُ دُستورُ حُكمٍ عَادٍل ... تذرِى بِكُلِ شَرائِع الأهواء
------------------------
الشاعر الراحل / عبد القوى الأعلامى