وفاة أبي إسحاق الشيرازي
مفكرة الإسلام: الشيخ الإمام القدوة المجتهد، شيخ الإسلام أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي الشيرازي الشافعي، نزيل بغداد، وُلد سنة 393هـ، تلقى علومه الأولى في بلده، ثم تحول إلى بغداد سنة 415هـ، فقعد للإمام أبي الطيب الطبري وصار من أخص تلاميذه والنائب عنه في مدرسته حالة انشغاله، ثم ترقت به الأحوال حتى صار أستاذ المدرسة النظامية وإمام الشافعية المقدم وشيخ عصره بلا مدافعة، ورحل إليه الناس من كل مكان، وتفرد بالعلم الوافر مع السيرة الحميدة.
كان أهم ما يميز الشيرازي هو زهده الشديد وورعه وتواضعه، فلقد أتته الدنيا من كل باب فرفضها وآثر شظف العيش ورقة الحال، حتى إنه لم يحج الفريضة لفقره ولو أراده لحملوه على الأعناق، ورغم ذلك كان جوادًا كريمًا طلق الوجه دائم البشر مليح المحاورة.
كان الشيرازي أمير الفقهاء في عصره وأستاذ الأئمة، وقد كان معظمًا عند العامة والخاصة، الجميع يحبونه ويجلونه حتى إنه إذا مر من قرية خرج لاستقباله أهلها جميعًا رجالاً ونساءً أطفالاً وشيوخًا، وكان إمام الحرمين «الجويني» يحمل له غاشيته «المظلة»، وكان الشيرازي لا يداهن أحدًا من الملوك أو الأمراء، ويخاطب الوزير مثلما يخاطب الخادم لا يفرق بينهما. وقد ترك مصنفات شهيرة، بل إن مصنفاته هي الأشهر في المذهب الشافعي مثل «المهذب» الذي شرحه النووي في المجموع، وكتاب «التنبيه» و«اللمع في أصول الفقه» و«الملخص»، وكتبه مطبوعة مشهورة مازالت تدرس وتعتمد كأصل من أصول الفقه الشافعي.
وقد توفي رحمه الله في 21 جمادى الآخرة سنة 476هـ، فصلى عليه أمير المؤمنين المقتدي بالله، وجمع ضخم من الناس، وأمر نظام الملك وزير ملكشاه السلجوقي ألا تفتح المدرسة مدة عام كامل حزنًا عليه، ثم عاد وفتحها لنفع الناس.
وهكذا يكون شرف العلم وكرامة العلماء.