﴿ وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) ﴾
هذه الآية في الحقيقة مخيفة
هل من الممكن أن يشتري أحد ما سبيكة ذهب وزنها كيلو غرام يعملها مجرفة بالبيت ؟
هل من المعقول أن تجعل هذه المادة الثمينة الغالية أداة رخيصة بالبيت ؟
هل من الممكن أن تشتري كمبيوتراً غالياً جداً فتعمله طاولة ؟
أنت اشتريت به ثمناً قليلاً،
هل من الممكن أن تستخدم لإشعال المدفئة ورقة من فئة الألف ليرة مثلاً ؟ أهذا معقول ؟
فكل شيء ثمين يجب أن تعرف قيمته.
لا بدَّ من أن يمتحن الله عزَّ وجل الإنسان والمؤمن هو الذي ينجح في الامتحان:
قال تعالى:
﴿ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً (41) ﴾
أي أن أحدهم باع نفسه لله لسنوات محدودة فكان الثمن الجنة، الآن بالعكس، باع الجنَّة واشترى بها الدنيا.
بالمناسبة: لا بدَّ من أن يمتحن الله عزَّ وجل الإنسان، يضعه أحياناً أمام خيار صعب ؛
إما الآخرة أو الدنيا،
إما أن ترضي الله، وإما أن تأتيك المصالح تماماً،
فالإنسان قلَّما ينجو من امتحان صعب، قلَّما ينجو من ابتلاء، قلَّما ينجو من خيار صعب،
إنه أمام مفترق طرق، فالمؤمن هو الذي ينجح في الامتحان، معاذ الله،
سأضرب لكم أوضح مثل: طبيب ناشئ، أي عنده مشوار طويل، لا يوجد معه شيء ؛ لا بيت، ولا عيادة، ولا شيء، يعمل طبيباً في قرية، قُتِل إنسان وكانت الجريمة مُحْكَمَة، وقالوا له: خذ عشرة ملايين واكتب وفاة طبيعيَّة، إنه يحِل كل مشاكله بهذه الملايين، ضحَّى القاتل بعشرة ملايين، فإذا كتب الطبيب وفاة طبيعيَّة ماذا فعل ؟ اشترى بدينه ثمناً قليلاً، هناك أشخاص لو وضعت له مال قارون لا يخالف قناعاته إطلاقاً، هذا هو المؤمن إنه رجل مبدأ.
يمكن لإنسان أن يحلف يمين كذب، أو أن يشهد شهادة زور، ممكن لمصلحة مُعَيَّنة أن يستعصي في بيت قد استأجره، ويقول لك: أنا القانون معي، أي أنه باع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل،
هذا معنى:
﴿ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً (41) ﴾
موسوعة النابلسى
-------------------
.من فوائد الشعراوي في الآية:
نعلم أن التجارة هي وساطة بين المنتج والمستهلك.. المنتج يريد أن يبيع إنتاجه. والمستهلك محتاج إلى هذا الإنتاج. والربح عملية تطول فترة.. وتقصر فترة مع عملية تحرك السلعة والإقبال عليها إن كان سريعا أو بطيئا.
وعملية الاتجار استخدمها الله سبحانه وتعالى ليبين لنا أنها أقصر طريق إلى النفع. فالتجارة تقوم على يد الإنسان. يشتري السلعة ويبيعها. ولكنها مع الله سيأخذ منك بعضا من حرية نفسك. ليعطيك أخلد وأوسع منها.
وكما قلنا: لو قارنا بين الدنيا بعمرها المحدود- عمر كل واحد منا- كم سنة؟ خمسين.. ستين.. سبعين!! نجد أن الدنيا مهما طالت.. ستنتهي والإنسان العاقل هو الذي يضحي بالفترة الموقوته والمنتهية ليكون له حظ في الفترة الخالدة. وبذلك تكون هذه الصفقة رابحة.
إن النعيم في الدنيا على قدر قدرات البشر. والنعيم في الآخرة على قدر قدرات الله سبحانه وتعالى. يأتي الإنسان ليقول: لماذا أضيق على نفسي في الدنيا؟ لماذا لا أتمتع؟ نقول له: لا.. إن الذي ستناله من العذاب والعقاب في الآخرة لا يساوي ما أخذته من الدنيا.. إذن الصفقة خاسرة. أنت اشتريت زائلا. ودفعته ثمنا لنعيم خالد.
والله سبحانه وتعالى يقول لليهود:
{وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا}
أي لا تدفعوا الآيات الإيمانية التي أعطيت لكم لتأخذوا مقابلها ثمنا قليلا..
وعندما يأخذ الإنسان أقل مما يعطي.. فذلك قلب للصفقة. والقلب تأتي من الخسارة دائما.
وكأن الآية تقول: تدفعون آيات الله التي تكون منهجه المتكامل لتأخذوا عرضا من أعراض الدنيا. قيمته قليلة ووقته قصير. هذا قلب للصفقة.
ولذلك جاء الأداء القرآني مقابلا لهذا القلب.
ففي الصفقات.. الأثمان دائما تدفع والسلعة تؤخذ.
ولكن في هذه الحالة التي تتحدث عنها الآية في قوله تعالى:
{وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا}
قد جعلت الثمن الذي يجب أن يكون مدفوعا جعلته مشتري وهذا هو الحمق والخطأ.
الله يقول: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا}
أي لا تقبلوا الصفقة..
الشيء الذي كان يجب أن تضحوا به لا تجعلوه ثمنا.
لأنك في هذه الحالة تكون قد جعلت الثمن سلعة.
ما دمت ستشتري الآيات بالثمن.. فقد جعلت آيات الله ثمنا لتحصل على مكاسب دنيوية.
وليتك جعلتها ثمنا غاليا. بل جعلتها ثمنا رخيصا.
لقد تنكرت لعهدك مع الله ليبقى لك مالك أو مركزك!!
أما إذا ضحى الإنسان بشيء من متع الدنيا.. ليأخذ متع الآخرة الباقية.. فتكون هذه هي الصفقة الرابحة.
ذلك لأن الإنسان في الدنيا ينعم على قدر تصوره للنعيم. ولكنه في الآخرة ينعم على قدر تصور الله سبحانه وتعالى في النعيم.
إن المال عبد مخلص. ولكنه سيد رديء. هو عبدك حين تنفقه. ولكن حين تخزنه وتتكالب عليه يشقيك ويمرضك. لأنك أصبحت له خادما.
{وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}
أي اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال في الله وقاية.
حتى لا يصيبكم عذاب عظيم.
وكيف نجعل بيننا وبين صفات الجلال في الله وقاية؟
أن تكون أعمالنا في الدنيا وفقا لمنهج الله سبحانه وتعالى.
------
والى لقاء آخر إن شاء الله
----------