ثورة عبد النـاصر
امين اسكندر
عينى رأت - أمين إسكندر
في منتصف القرن العشرين , وبالتحديد في عام 1952 , كان يبلغ تعداد الشعب المصري 21,472 مليون مواطن يعيش 68 % منهم في الريف , وكان معدل الدخل الفردي لا يتجاوز 118 دولار في العام , كما كانت صورة توزيع الدخل القومي تجسيدا لعدم العدالة والظلم الاجتماعي حيث كان 60 % من السكان يحصلون علي 18 % فقط من الدخل , وكان متوسط سنوات الحياه للذكر لا يزيد علي 36 عاما , كما ان الانتاج القومي , لم يستطع ولمدة 40 عاما " بين عام 1913 و 1952 " أن يساير الارتفاع البسيط نسبيا في عدد السكان وقتها , والذي كان يزيد كثيرا على 1,5 % سنويا .
وقبل قيام الثورة عام 1952 كان نحو 2،309 مليون فلاح يمتلكون 1،230 مليون فدان , اي ان 84 % من ملاك الاراضي كانوا يملكون 21 % من الارض , وعلي الطرف الاخر كان 280 مالكا يمتلكون 583,4 الف فدان !
وبدءا من عام 1930 فإن مشاركة الصناعة في الناتج القومي المصري لم تكن تزيد عل 15 % ولم تكن تؤمن فرص العمل سوي لنحو 10 % من قوة العمل الاجمالية , كما كانت الصفة الاحتكارية لصيقة بالصناعة المصرية : صناعة السكر والأسمنت والتقطير والأسمدة الكيماوية وكان الاحتكار بارز في مجموعة الشركات الصناعية التي انشأها بنك مصر , حيث كان بنك مصروحده يمثل 28 % من مجموع رؤوس الاموال المصرفيةالمصرية , اما المجموعة التي كانت تديرة " طلعت حرب – حافظ عفيفي – علي بجي – محمد الفرغلي – احمد عبود " تتبعهم العائلات الكبيرة " علوية – اباظه – بدراوي – سراج الدين – قللي – نوري – الوكيل – المغزلاوي " وقد سيطرت تلك المجموعات علي كل مايمكنها السيطرة علية من الطيران والطباعه , وصناعة السينما , والمناجم , والمحاجر , والنسيج , والنقل البحري .
ومن المعروف ان ثورة يوليو اختارت لتنمية مصر من عام 1952 وحتي عام 1975 طريق النمو الرأسمالي , ففتحت الأسواق للرأسمالية المصرية , وذلك عبر سن مجموعة من قوانين السوق , حيث سمحت الثورة للمساهمين الأجانب بامتلاك حصة غالبية الأسهم في اي شركة محلية , لكن رأس المال الأجنبي لم يشكل له ذلك اغراء كافيا , لذا انتقل قادة الثورة للضغط علي الرأسمالية المحلية لإستثمار اموالهم في الصناعة, وعملت علي اختيار كبار رجال الأعمال كأعضاء في مجالس التنمية القومية , التي انشئت هذه الفترة, كما تجنبت التدخل في المجال الصناعي دون التشاور مع اتحاد الصناعات المصري , كما وافقت الثورة علي مطالب اتحاد الصناعات بشأن خفض الضرائب , وتوفير الحماية الجمركية , إلا ان كل ذلك لم يغر الرأسمالية المحلية , ولا الاستثمارات الأجنبية , للدخول في مجال الصناعة , وهو المجال الذي رأت الثورة اهميته لنهوض مصر .
ومن هنا جاء الحديث عن حتمية الحل الأشتراكي , والتخطيط المركزي , وتدخل الدولة في الاقتصاد من أجل تعبئة المدخرات , وتوجيه الاستثمارات , وتسريع النمو , وبناء اساس اقتصادي قوي للنظام الجديد في بلاد العالم الثالث .
وهكذا نجحت مصر المعتمدة علي ذاتها في العهد الناصري , في ان تكون واحدة من أهم خمس دول مصنعة في الدول النامية , وكانت حتي عام 1965 تتفوق علي كوريا الجنوبية في كل المؤشرات تقريبا , حيث بلغ الناتج المحلي الاجمالي المصري نحو 5.1 مليار دولار , وبلغ نصيب الفرد منه 173 دولار . في حين بلغ الناتج المحلي الاجمالي الكوري الجنوبي في العام نفسه نحو 3 مليارات دولار , وبلغ متوسط نصيب الفرد منه 105 دولارات , وحتي بعد حرب 1967 بكل اثارها السلبية علي الاقتصاد المصري , من سيطرة الكيان الصهيوني علي حقول البترول المصرية , وعلي جانب مهم من مناجم التعدين المصرية في سيناء , وكذالك ماتم من عدوان علي الصناعة في مدن القناه , فإن الناتج المحلي الاجمالي المصري كان يوازي 80 % من نظيره الكوري في عام 1970 .
وكانت نسبة النمو الأقتصادي في مصر من عام 1957 , وحتي عام 1967 تسير بمعدل 6,2 % سنويا , وبالأسعار الثابتة الحقيقية , بل ان هذه النسبة ارتفعت الي 6,6 % من عام 1960 وحتي عام 1965 , ومصدرنا في ذلك تقرير البنك الدولي رقم 870.أ عن مصر الصادر في واشنطون بتاريخ 5 يناير 1976 .
معنى ماسبق هو ان مصر استطاعت في عشر سنوات ان تقوم بتنمية تماثل اربعة أضعاف ما استطاعت تحقيق4ه في 40 عاما .
ولم يكن ذلك هو الانجاز الوحيد , او الاهم ، بل ان مصر قد بدأت في عصر عبدالناصر اجتياز عتبة تكنولوجيا الفضاء ، بتصنيع مصر لصواريخ كان من الممكن تطويرها لتحمل أقمارا صناعية الي المدار ( القاهر والظافر والرائد ) , وان مصر في هذا المضمار كانت متفوقه على دول كثيرة دخلت بعد ذلك مجال الفضاء ، ومنها " اسرائيل " ، كما ان مصر انشأت مصانع للطائرات بالتعاون مع مجموعة من العلماء الألمان ، وأتفقت مصر مع الهند على التشارك في صناعة طائرة ( القاهرة 200 ) التي قامت مصر بصناعة محركها النفاث وقامت الهند بصناعة جسم الطائرة ، وكان ذلك في عام 1960 ، وبعد عمل جاد تم تطوير المحرك ( ه 200 ) ليصبح محركا نفاثا لطائرة مقاتلة ، وتم تصنيع طائرة مقاتلة نفاثة حملت أسم ( القاهرة 300 )وصنفت انذاك باعتبارها أحدث مقاتلة نفاثة في العالم , " حديث ادلي به البروفيسور فرديناند براندنر ، الخبير الألماني بمصنع الطائرات ، الى صحيفة ( دير شبيجل ) في اغسطس عام 1967 " .
امين اسكندر