ثورة يوليو والتحولات الثقافية في مصر
بقلم: محــمـد هــزاع
منذ نشب الصراع بين بني البشر حول مصادر الحياة في التجمعات البدائية, كما يقول د. عاصم الدسوقي استاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان, انشغلت البشرية بقضية العدالة الاجتماعية والحكم العادل وجرت علي ألسنة الناس امثلة كثيرة في هذا الخصوص علي مدي الزمن ومصر شأن كثير من المجتمعات مرت بتجربة الانتفاضات والثورات والمطالبة بالاصلاح.
ففي اربعينيات القرن العشرين كانت المشكلة الاجتماعية تتصدر برامج الاحزاب السياسية بمختلف الاشكال من القول بمكافحة الفقر والجهل والمرض ومقاومة الجفاء, الي المطالبة بتحديد الملكية الزراعية وفرض الضرائب التصاعدية علي الاموال.
ولما قامت ثورة يوليو1952 بقيادة الطبقة الوسطي كانت برامجها الاجتماعية ضد الصفوة السياسية التي كانت في الحكم قبل1952 وتكفي الاشارة الي صدور قانون الاصلاح الزراعي وقانون منع الفصل التعسفي للعمال فور نجاح الثورة.
وابتداء من منتصف السبعينيات حدثت تغييرات في البنية الطبقية مع سياسة الانفتاح وصعدت طبقة جديدة الي الحكم ومعها بدأت تشريعات جديدة لحماية المال الخاص, ويري د. عاطف العراقي استاذ الفلسفة بجامعة القاهرة, انه لابد من الاشارة الي ان كل اتجاه فكري او ثورة اجتماعية او سياسية ترتبط ارتباطا رئيسيا بأحوال المجتمع الذي قامت فيه الثورة او الاتجاه الفكري
وقد اشار الي ذلك اكثر مفكري العالم ومن بينهم راسل الفيلسوف الانجليزي المعاصر في كتابه تاريخ الفلسفة الغربية, وحين قامت ثورة23 يوليو كانت توجد ارهاصات وبوادر بل جذور ايضا بحيث ان الفرد المصري ربما كان في يقينه انه لابد من تغيير جذري,
وكما اشار الي ذلك بطريقة مباشرة او غير مباشرة مفكرون مصريون كبار كتوفيق الحكيم في عودة الروح وطه حسين في روايته المعذبون في الأرض. ثورة يوليو لها مبادئ سامية وبراقة,
وترتبط بجذور المجتمع المصري الذي وقف بجانبها حين قامت لأنه قد ضاق بما كان يحدث في مجتمع ما قبل الثورة من حيث المبادئ والشعارات, هذه مسألة لاشك في ايجابياتها وفوائدها خاصة اذا وضعنا في اعتبارنا الظروف السياسية للمجتمع العالمي وبحيث ان مصر لابد ان تتفاعل مع كل دول ا
لعالم شرقا وغربا, ولكن مبادئ أي ثورة لا يمكن ان تظل كما هي وإلا انتهت, فلابد من تغيير الجذور وتعديل الافكار, فصورة العالم الآن قد تغيرت بحيث وجدت علاقات مستجدة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي, وبعد ظهور مبادئ جديدة في بعض بلدان العالم العربي فمن الضروري اذن ان نقول انه كان من الضروري ألا نظل علي الافكار التي قامت عليها الثورة بل لابد من تعديلها وتنميتها,
فهذه ظاهرة صحية, وحسنا فعلت ثورة يوليو حين تم تجديد الكثير من الجوانب مع الابقاء علي الجذور والثوابت وإلا لما استمرت حتي الآن وتعديل بعض الافكار لا يؤدي الي الغاء الثورة بل يؤدي الي امتدادها وثباتها, فثورة23 يوليو قامت لتبقي وستظل المبادئ محفورة في قلب ووجدان وعقل كل عربي, لانها غيرت من صورة العالم العربي كما تغيرت النظرة الي مصر بعد الثورة كما نادت الثورة باستقلالية القرار,
ويتضح هذا في عملية التنمية وقرار بناء السد العالي وسيبقي للثورة ما احدثته من فكر وتغيير النظرة.
ويري د. حسام عقل استاذ النقد الأدبي بجامعة عين شمس, انه اذا كان الرئيس الراحل انور السادات قد اكد في كتابه صفحات مجهولة من تاريخ الثورة ان من اسباب نجاح الضباط في التدبير لحركة الجيش انه لم يكن لأي منهم ايديولوجيا خاصة فإن هذه الميزة بقدر ما كانت ايجابية في النشاط الباكوري للحركة غير انها تحولت بمرور الوقت وبفعل التراكم الزمني الي ازمة آخذة بعناق البلاد,
بعد ان مست الضرورة اللازمة الي وجود اطار ثقافي وفكري شامل ينتظم الجهود الوطنية.
ويلاحظ في الاهداف الستة للثورة انها بدأت بـ القضاء الاستعمار والاقطاع وتذيلها في الختام اقامة حياة ديمقراطية سليمة وهو ما يجسد فعليا ترتيب اولويات النظام في ذلك الوقت وهو ما يفسر بالتبعية ارجاء الحياة الديمقراطية الي نهاية القائمة. وبعد عشر سنوات من قيام الثورة تناول ميثاق العمل الوطني عام1962 جانب التنظير والفكر,
حيث اكد الضباط الاحرار افتقار الحركة الي نظرية كاملة للتغيير الثوري وبالتالي ظلت السمة السلبية التي تلازم الحركة الثورية كما يؤكد د. رؤوف عباس في كتابه ثورة يوليو ما أسماه الافتقار الي النسق الايديولوجي وقد حاول عبد الناصر ان يكسر هذا الجمود في كتابه فلسفة الثورة عام1954
ولكن ظل النسق الفكري الشامل الذي ينتظم الجهود المتناثرة هو القضية الاكثر خطورة ومن تجليات هذه الازمة لجوء كمال الدين حسين سكرتير عام الاتحاد القومي آنذاك الي الاستضاءة باراء بعض المثقفين من ذوي النزعة الليبرالية مثل لبيب شقير وسعيد العريان وسليمان حزين لوضع الاطار الفكري الناقص ولاشك ان صدور القرارات الاشتراكية الشهيرة عام1961 لم يفلح هو الآخر في رسم معالم الاطار الفكري الاقتصادي للحركة الثورية بعد فشل محاولة تمصير الشركات واقناع رأس المال الوطني بامتلاك اصولها مما اضطر الحكومة لادارة هذه المؤسسات الاقتصادية بل ان القيادات الفكرية للحركة لم تحدد الشكل المتجسد للممارسة الديمقراطية المشار اليها في المبادئ الستة( بعد رفض فكرة التعدد الحزبي) فجري الحديث عما سمي بوجود تنظيم مجمع كل قوي الشعب العاملة ويبقي من تراث ثورة يوليو الزاخر كما ص غ في المبادئ الستة بعد العدالة الاجتماعية الذي يتعين استلهامه في هذه اللحظة التاريخية المأزومة.