قامت بأخذ عيّنة من نباتات في مكة لعمل بحث ، فهل تجب عليها كفارة؟
قبل حوالي أربع سنوات وأنا طالبة في الجامعة ، قمت بعمل بحث على أنواع النباتات ، وقد أخذت عينه من نباتات مكة (من 3 إلى 5) أوراق شجر من داخل منطقة الحرم ، مع العلم أنني لم أقم بقطع غصن أو ما شابه ذلك ، مع علمي بحرمة البلد الحرام ؛ ولكن عللت فعلي بأنه في سبيل العلم ، وأنه جائز ؟! أفيدوني بارك الله فيكم : هل تجب علي كفارة ؟ وإذا وجبت بكم تقدر وكيف توزع ؟
الحمد لله
فقد وردت الأحاديث الكثيرة في الصحيحين وغيرهما في تحريم شجر الحرم المكي ، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن مكة : ( أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي ، أَلَا وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ؛ أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ ؛ لَا يُخْتَلَى [ أي : لا يحصد ] شَوْكُهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ ) رواه البخاري (112) ومسلم (1355) .
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/161): " أجمع أهل العلم على تحريم قطع شجر الحرم , وإباحة أخذ الإذخر , وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين . حكى ذلك ابن المنذر" انتهى .
وهم وإن أجمعوا على تحريم قطع شجر الحرم ، فقد اختلفوا في مسائل ، منها :
هل يحرم كل شيء في الحرم ، أم التحريم خاص لما نبت بنفسه ؟ فأكثر أهل العلم يقولون المحرم إنما هو ما نبت بنفسه ، أما ما غرسه الآدمي فليس بحرام .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (7/218): " المحرم ما كان من شجر الحرم ، لا من شجر الآدمي ، وعلى هذا فما غرسه الآدمي أو بذره من الحبوب فإنه ليس بحرام ، لأنه مُلْكه ولا يضاف إلى الحرم ، بل يضاف إلى مالكه." انتهى.
ومنها: هل يحرم أخذ الورق من الشجر المحرم أم لا ؟ فالحنابلة لا يجيزون أخذ الورق ، خلافاً لجمهور أهل العلم القائلين بجواز أخذه ؛ لأنه لا يضر بالشجر ، وعلى هذا المذاهب الثلاثة . قال ابن قدامة في "المغني" (3/170) : " وليس له أخذ ورق الشجر . وقال الشافعي : له أخذه ; لأنه لا يضر به . وكان عطاء يرخص في أخذ ورق السَّنَى [ نبت يُتداوى به ] , يستمشي به [ أي يُشرَبُ ماؤُه للمَشِيِّ ، كما في تاج العروس ] , ولا يُنزع من أصله . ورخص فيه عمرو بن دينار .
ولنا , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يخبط شوكها , ولا يعضد شجرها } , رواه مسلم . ولأن ما حرم أخذه حرم كل شيء منه , كريش الطائر .
وقولهم : لا يضر به . لا يصح فإنه يضعفها , وربما آل إلى تلفها " انتهى .
وعلى هذا فإن كان ما أخذته الأخت السائلة من الأوراق قد أخذته من شجر لم يغرسه الأدمييون ، فإن أخذها له محل خلاف بين العلماء ؛ والجمهور على جوازه ، ويمنعه الحنابلة ، إن لم تكن هناك حاجة عامة تدعو إلى أخذه ؛ فإن كانت قد أخذته مع إمكان أن تستغني عنه بغيره من أشجار الحل ، فينبغي أن تستغفر وتتوب إلى الله تعالى ، وإن كانت هناك حاجة تعليمية تعود على عموم الناس بالنفع ولا يقوم شجر الحل مقامها ، فلا حرج إن شاء الله.
وعلى كل الاحتمالات ، لا ضمان عليها ولا كفارة، لأن الفقهاء الذين يمنعون أخذ الورق وهم الحنابلة ، لا يوجبون ضمان شجر الحرم ، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء .
جاء فيها : " وإذا أتلف شيئاً من شجر الحرم أو حشائشه مملوكاً لأحد فكذلك عليه قيمته لمالكه، وإن لم يكن مملوكاً لأحد فلا شيء عليه، ولا ينبغي له تعمد ذلك؛ لنهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك "
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/209)
... أما إن كان هذا الشجر مملوكاً فلا حرج في أخذ هذه الأوراق إن شاء الله لأن هذا مما جرت العادة بالمسامحة فيه.
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب