( القاعدة الأولى )
خدمة الدين من ضروريات الدين
نعم !
إنها خدمة يَشْرُفُ بها العبد وليست مَهْنَةً قَسْرية يُهان بها ،
أو منصبا تشريفيا يخيّر بين القبول به أو الإعراض عنه ،
وليست تبرعا ولا فرض كفاية ولا مجرد أداء واجب ،
وإنما خدمة الدين ركن من أركانه وضروريٌّ من ضرورياته وأساس من أسسه .
ولقد كان هذا المعنى مستقرا عند السلف الصالح استقرارَ المعتقَد في القلوب ،
ولم يحتاجوا أن يستدلوا له أو أن يقرِّروه لأنفسهم بشتى وجوه الاستدلال ،
بل كان يكفي أن يُسْلِمَ الواحد منهم أو يستقرَّ الإسلام في قلبه ليعتبرَ نفسه بعد ذلك مَنْذورَةً لهذا الدين ،
ويجنِّدَها في خدمته ، ويَصرِفَ مجهوداتِها في نصرته والذَّوْدِ
عن حَوْزَتِه .
إن هذا الدين إذا تأمّله المتأمِّل عَلم أنه صِيْغَ ليكون
المتمسّكُ به داعيةً إليه ،ودَلاّلاً عليه .
ومع مَزِيد تأمّل يرى المرء أن مَن أراد أن يكون مسلما دون تَبِعات ومسئوليات تجاه إسلامه فإنه رَامَ ضرْبا من التديّن شبيهاً بتدين الرهبان في الكهوف والصوامع والبِيَعِ ،
وقد تقرر أنه لا رهبانية في الإسلام .
إن من أوائل الأوامر الربانية التي نزلت في القرآن :
الأمر بالنِّذارة وتبليغ الوحي للخليقة ،
يقول تعالى : ( يا أيها المدّثر . قُمْ فأنذِر ) .
ثم توالى بعد ذلك ما يمكن أن نسمّيَه فقهَ الدعوة ،
حيث تضمّن التنـزيل أوامرَ عُنيتْ بالشأْن الدعوي
مثل قوله تعالى : ( فاصْدَعْ بما تُؤْمَرُ وأَعْرِضْ عن المشركين )
وقوله تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )
وقوله : ( ادْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادِلْهم بالتي هي أحسـن ) ،
وهي آيات ترسم صورة المسلم الداعية الذي يتبع نهج نبيه صلى الله عليه وسلم .
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أوائل اهتماماته صِيَاغَةُ الشَّخصية الدعوية التي تحمل هَمَّ الدين وتبذُل له .
وكان أول من دعاه النبي صلى الله عليه وسلم للإسلام هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ،
فلم يكن ذلك الصديق عَالَةً على الدعوة وعِبْئَاً عليها ،
بل تحرك من أول يوم ينشر هذا الدين حتى دخل بجهوده الدعوية في أول الأمر ستة من سادات قريش الشبان ،
إضافةً إلى سعايته في فِكاك العبيد الذين أسلموا من أَسْر الرِّق .
وإنّ تحرك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته
في أقطار الأرض
لَدَليلٌ على أن الشخصية التي صاغها النبي صلى الله عليه وسلم
ورباهم عليها
هي الشخصية المتحركة للدين
التي لا تعرف السكون ولا الكمون .