العودة   شبكة صدفة > المنتديات الاسلاميه > المنتدى الاسلامى

المنتدى الاسلامى إسلام، سنة، قرآن، دروس، خطب، محاضرات، فتاوى، أناشيد، كتب، فلاشات،قع لأهل السنة والجماعة الذين ينتهجون نهج السلف الصالح في فهم الإسلام وتطبيقه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10-04-2010, 06:11 PM رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين



ومن أركان المحاسبة ما ذكره صاحب المنازل ، فقال :

الثالث : أن تعرف أن كل طاعة رضيتها منك فهي عليك ، وكل معصية عيرت بها أخاك فهي إليك .

رضاء العبد بطاعته دليل على حسن ظنه بنفسه ، وجهله بحقوق العبودية ، وعدم عمله بما يستحقه الرب جل جلاله ويليق أن يعامل به .

وحاصل ذلك أن جهله بنفسه وصفاتها وآفاتها وعيوب عمله ، وجهله بربه وحقوقه وما ينبغي أن يعامل به ، يتولد منهما رضاه بطاعته ، وإحسان ظنه بها ، ويتولد من ذلك من العجب والكبر والآفات ما هو أكبر من الكبائر الظاهرة من الزنا ، وشرب الخمر ، والفرار من الزحف ونحوها .

فالرضا بالطاعة من رعونات النفس وحماقتها .

وأرباب العزائم والبصائر أشد ما يكونون استغفارا عقيب الطاعات ، لشهودهم تقصيرهم فيها ، وترك القيام لله بها كما يليق بجلاله وكبريائه ، وأنه لولا الأمر لما أقدم أحدهم على مثل هذه العبودية ، ولا رضيها لسيده .

وقد أمر الله تعالى وفده وحجاج بيته بأن يستغفروه عقيب إفاضتهم من عرفات ، وهو أجل المواقف وأفضلها ، فقال فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم وقال تعالى والمستغفرين بالأسحار قال الحسن : مدوا الصلاة إلى السحر ، ثم جلسوا يستغفرون الله عز وجل ، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم من الصلاة استغفر ثلاثا ، ثم قال : اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام وأمره الله تعالى [ ص: 193 ] بالاستغفار بعد أداء الرسالة ، والقيام بما عليه من أعبائها ، وقضاء فرض الحج ، واقتراب أجله ، فقال في آخر سورة أنزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا .

ومن هاهنا فهم عمر ، وابن عباس - رضي الله عنهم - أن هذا أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه به ، فأمره أن يستغفره عقيب أداء ما كان عليه ، فكأنه إعلام بأنك قد أديت ما عليك ، ولم يبق عليك شيء ، فاجعل خاتمته الاستغفار ، كما كان خاتمة الصلاة والحج وقيام الليل ، وخاتمة الوضوء أيضا أن يقول بعد فراغه " سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين " .

فهذا شأن من عرف ما ينبغي لله ، ويليق بجلاله من حقوق العبودية وشرائطها ، لا جهل أصحاب الدعاوي وشطحاتهم .

وقال بعض العارفين : متى رضيت نفسك وعملك لله ، فاعلم أنه غير راض به ، ومن عرف أن نفسه مأوى كل عيب وشر ، وعمله عرضة لكل آفة ونقص ، كيف يرضى لله نفسه وعمله ؟ .

ولله در الشيخ أبي مدين حيث يقول : من تحقق بالعبودية نظر أفعاله بعين [ ص: 194 ] الرياء ، وأحواله بعين الدعوى ، وأقواله بعين الافتراء ، وكلما عظم المطلوب في قلبك ، صغرت نفسك عندك ، وتضاءلت القيمة التي تبذلها في تحصيله ، وكلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية ، وعرفت الله ، وعرفت النفس ، وتبين لك أن ما معك من البضاعة لا يصلح للملك الحق ، ولو جئت بعمل الثقلين خشيت عاقبته وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله ، ويثيبك عليه أيضا بكرمه وجوده وتفضله .













آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:12 PM رقم المشاركة : 32
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

وقوله : وكل معصية عيرت بها أخاك فهي إليك .

يحتمل أن يريد به : أنها صائرة إليك ولا بد أن تعملها ، وهذا مأخوذ من الحديث الذي رواه الترمذي في جامعه عن النبي صلى الله عليه وسلم من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله قال الإمام أحمد في تفسير هذا الحديث : من ذنب قد تاب منه .

وأيضا ففي التعيير ضرب خفي من الشماتة بالمعير ، وفي الترمذي أيضا مرفوعا لا تظهر الشماتة لأخيك ، فيرحمه الله ويبتليك .

[ ص: 195 ] ويحتمل أن يريد : أن تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه وأشد من معصيته ، لما فيه من صولة الطاعة ، وتزكية النفس ، وشكرها ، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب ، وأن أخاك باء به ، ولعل كسرته بذنبه ، وما أحدث له من الذلة والخضوع ، والإزراء على نفسه ، والتخلص من مرض الدعوى ، والكبر والعجب ، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس ، خاشع الطرف ، منكسر القلب أنفع له ، وخير من صولة طاعتك ، وتكثرك بها والاعتداد بها ، والمنة على الله وخلقه بها ، فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله ! وما أقرب هذا المدل من مقت الله ، فذنب تذل به لديه ، أحب إليه من طاعة تدل بها عليه ، وإنك أن تبيت نائما وتصبح نادما ، خير من أن تبيت قائما وتصبح معجبا ، فإن المعجب لا يصعد له عمل ، وإنك إن تضحك وأنت معترف ، خير من أن تبكي وأنت مدل ، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المدلين ، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلا هو فيك ولا تشعر .

فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلا هو ، ولا يطالعها إلا أهل البصائر ، فيعرفون منها بقدر ما تناله معارف البشر ، ووراء ذلك ما لا يطلع عليه الكرام الكاتبون ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا زنت أمة أحدكم ، فليقم عليها الحد ولا يثرب أي لا يعير ، من قول يوسف عليه السلام لإخوته لا تثريب عليكم اليوم فإن الميزان بيد الله ، والحكم لله ، فالسوط الذي ضرب به هذا العاصي بيد مقلب القلوب ، والقصد إقامة الحد لا التعيير والتثريب ، ولا يأمن كرات القدر وسطوته إلا أهل الجهل بالله ، وقد قال الله تعالى لأعلم الخلق به ، وأقربهم إليه وسيلة ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا وقال يوسف الصديق وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين وكانت عامة يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ، ومقلب القلوب وقال : ما من [ ص: 196 ] قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل ، إن شاء أن يقيمه أقامه ، وإن شاء أن يزيغه أزاغه ثم قال : اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك .






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:14 PM رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

فصل منزلة الإنابة

قد علمت أن من نزل من منزل التوبة وقام في مقامها نزل في جميع منازل الإسلام ، فإن التوبة الكاملة متضمنة لها ، وهي مندرجة فيها ، ولكن لا بد من إفرادها بالذكر والتفصيل ، تبيينا لحقائقها وخواصها وشروطها .

فإذا استقرت قدمه في منزل التوبة نزل بعده منزل الإنابة ، وقد أمر الله تعالى بها في كتابه ، وأثنى على خليله بها ، فقال
وأنيبوا إلى ربكم وقال إن إبراهيم لحليم أواه منيب وأخبر أن آياته إنما يتبصر بها ويتذكر أهل الإنابة ، فقال أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها إلى أن قال تبصرة وذكرى لكل عبد منيب وقال تعالى هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب وقال تعالى منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة الآية

" فمنيبين " منصوب على الحال من الضمير المستكن في قوله "
فأقم وجهك " لأن هذا الخطاب له ولأمته ، أي أقم وجهك أنت وأمتك منيبين إليه ، نظيره قوله : ياأيها النبي إذا طلقتم النساء ويجوز أن يكون حالا من المفعول في قوله فطر الناس عليها أي فطرهم منيبين إليه ، فلو خلوا وفطرهم لما عدلت عن الإنابة إليه ، ولكنها تتحول وتتغير عما فطرت عليه ، كما قال صلى الله عليه وسلم ما من مولود إلا يولد على الفطرة وفي رواية : على الملة حتى يعرب عنه لسانه وقال عن نبيه داود فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب وأخبر [ ص: 433 ] أن ثوابه وجنته لأهل الخشية والإنابة ، فقال وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ادخلوها بسلام وأخبر سبحانه أن البشرى منه إنما هي لأهل الإنابة ، فقال والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى .

والإنابة إنابتان : إنابة لربوبيته ، وهي إنابة المخلوقات كلها ، يشترك فيها المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، قال الله تعالى
وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه فهذا عام في حق كل داع أصابه ضر ، كما هو الواقع ، وهذه الإنابة لا تستلزم الإسلام ، بل تجامع الشرك والكفر ، كما قال تعالى في حق هؤلاء ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فهذا حالهم بعد إنابتهم .

والإنابة الثانية إنابة أوليائه ، وهي إنابة لإلهيته ، إنابة عبودية ومحبة .

وهي تتضمن أربعة أمور : محبته ، والخضوع له ، والإقبال عليه ، والإعراض عما سواه ، فلا يستحق اسم المنيب إلا من اجتمعت فيه هذه الأربع ، وتفسير السلف لهذه اللفظة يدور على ذلك .

وفي اللفظة معنى الإسراع والرجوع والتقدم ، والمنيب إلى الله المسرع إلى مرضاته ، الراجع إليه كل وقت ، المتقدم إلى محابه .

قال صاحب المنازل : الإنابة في اللغة الرجوع ، وهي هاهنا الرجوع إلى الحق .

وهي ثلاثة أشياء : الرجوع إلى الحق إصلاحا ، كما رجع إليه اعتذارا ، والرجوع إليه وفاء ، كما رجع إليه عهدا ، والرجوع إليه حالا ، كما رجعت إليه إجابة .

لما كان التائب قد رجع إلى الله بالاعتذار والإقلاع عن معصيته ، كان من تتمة ذلك رجوعه إليه بالاجتهاد ، والنصح في طاعته ، كما قال
إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا [ ص: 434 ] وقال إلا الذين تابوا وأصلحوا فلا تنفع توبة وبطالة ، فلا بد من توبة وعمل صالح ، ترك لما يكره ، وفعل لما يحب ، تخل عن معصيته ، وتحل بطاعته .

وكذلك الرجوع إليه بالوفاء بعهده ، كما رجعت إليه عند أخذ العهد عليك ، فرجعت إليه بالدخول تحت عهده أولا ، فعليك بالرجوع بالوفاء بما عاهدته عليه ثانيا ، والدين كله عهد ووفاء ، فإن الله أخذ عهده على جميع المكلفين بطاعته ، فأخذ عهده على أنبيائه ورسله على لسان ملائكته ، أو منه إلى الرسول بلا واسطة كما كلم موسى ، وأخذ عهده على الأمم بواسطة الرسل ، وأخذ عهده على الجهال بواسطة العلماء ، فأخذ عهده على هؤلاء بالتعليم ، وعلى هؤلاء بالتعلم ، ومدح الموفين بعهده ، وأخبر بما لهم عنده من الأجر ، فقال
ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما وقال وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا وقال وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم وقال والموفون بعهدهم إذا عاهدوا .

وهذا يتناول عهودهم مع الله بالوفاء له بالإخلاص والإيمان والطاعة ، وعهودهم مع الخلق .

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من علامات النفاق الغدر بعد العهد .

فما أناب إلى الله من خان عهده وغدر به ، كما أنه لم ينب إليه من لم يدخل تحت عهده ، فالإنابة لا تتحقق إلا بالتزام العهد والوفاء به .

وقوله : والرجوع إليه حالا ، كما رجعت إليه إجابة .

أي هو سبحانه قد دعاك فأجبته بلبيك وسعديك قولا ، فلا بد من الإجابة حالا تصدق به المقال ، فإن الأحوال تصدق الأقوال أو تكذبها ، وكل قول فلصدقه وكذبه شاهد [ ص: 435 ] من حال قائله ، فكما رجعت إلى الله إجابة بالمقال ، فارجع إليه إجابة بالحال ، قال الحسن : ابن آدم ؟ لك قول وعمل ، وعملك أولى بك من قولك ، ولك سريرة وعلانية ، وسريرتك أملك بك من علانيتك .







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:14 PM رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

قال : وإنما يستقيم الرجوع إليه إصلاحا بثلاثة أشياء : بالخروج من التبعات ، والتوجع للعثرات ، واستدراك الفائتات .

والخروج من التبعات هو بالتوبة من الذنوب التي بين العبد وبين الله ، وأداء الحقوق التي عليه للخلق . والتوجع للعثرات يحتمل شيئين :

أحدهما : أن يتوجع لعثرته إذا عثر ، فيتوجع قلبه وينصدع ، وهذا دليل على إنابته إلى الله ، بخلاف من لا يتألم قلبه ، ولا ينصدع من عثرته ، فإنه دليل على فساد قلبه وموته .

الثاني : أن يتوجع لعثرة أخيه المؤمن إذا عثر ، حتى كأنه هو الذي عثر بها ولا يشمت به ، فهو دليل على رقة قلبه وإنابته .

واستدراك الفائتات هو استدراك ما فاته من طاعة وقربة بأمثالها ، أو خير منها ولاسيما في بقية عمره ، عند قرب رحيله إلى الله ، فبقية عمر المؤمن لا قيمة لها . يستدرك بها ما فات ، ويحيي بها ما أمات .






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:15 PM رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

قال : وإنما يستقيم الرجوع إليه عهدا بثلاثة أشياء : بالخلاص من لذة الذنب ، وبترك الاستهانة بأهل الغفلة ، تخوفا عليهم ، مع الرجاء لنفسك ، بالاستقصاء في رؤية علة الخدمة .

إذا صفت له الإنابة إلى ربه تخلص من الفكرة في لذة الذنب ، وعاد مكانها ألما وتوجعا لذكره ، والفكرة فيه ، فما دامت لذة الفكرة فيه موجودة في قلبه ، فإنابته غير صافية .

[ ص: 436 ] فإن قيل : أي الحالين أعلى ؟ حال من يجد لذة الذنب في قلبه ، فهو يجاهدها لله ، ويتركها من خوفه ومحبته وإجلاله أو حال من ماتت لذة الذنب في قلبه وصار مكانها ألما وتوجعا وطمأنينة إلى ربه ، وسكونا إليه ، والتذاذا بحبه ، وتنعما بذكره ؟ .

قيل : حال هذا أكمل وأرفع ، وغاية صاحب المجاهدة أن يجاهد نفسه حتى يصل إلى مقام هذا ومنزلته ، ولكنه يتلوه في المنزلة والقرب ومنوط به .

فإن قيل : فأين أجر مجاهدة صاحب اللذة ، وتركه محابه لله ، وإيثاره رضى الله على هواه ؟ وبهذا كان النوع الإنساني أفضل من النوع الملكي عند أهل السنة وكانوا خير البرية . والمطمئن قد استراح من ألم هذه المجاهدة وعوفي منها ، فبينهما من التفاوت ما بين درجة المعافى والمبتلى .

قيل : النفس لها ثلاثة أحوال : الأمر بالذنب ، ثم اللوم عليه والندم منه ، ثم الطمأنينة إلى ربها والإقبال بكليتها عليه ، وهذه الحال أعلى أحوالها ، وأرفعها وهي التي يشمر إليها المجاهد ، وما يحصل له من ثواب مجاهدته وصبره فهو لتشميره إلى درجة الطمأنينة إلى الله ، فهو بمنزلة راكب القفار ، والمهامه والأهوال ليصل إلى البيت فيطمئن قلبه برؤيته والطواف به ، والآخر بمنزلة من هو مشغول به طائفا وقائما ، وراكعا وساجدا ، ليس له التفات إلى غيره ، فهذا مشغول بالغاية ، وذاك بالوسيلة ، وكل له أجر ، ولكن بين أجر الغايات وأجر الوسائل بون .

وما يحصل للمطمئن من الأحوال والعبودية والإيمان فوق ما يحصل لهذا المجاهد نفسه في ذات الله ، وإن كان أكثر عملا ، فقدر عمل المطمئن المنيب بجملته وكيفيته أعظم ، وإن كان هذا المجاهد أكثر عملا ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، فما سبق
الصديق الصحابة بكثرة عمل ، وقد كان فيهم من هو أكثر صياما وحجا وقراءة وصلاة منه ، ولكن بأمر آخر قام بقلبه ، حتى إن أفضل الصحابة كان يسابقه ولا يراه إلا أمامه .

ولكن عبودية مجاهد نفسه على لذة الذنب والشهوة قد تكون أشق ، ولا يلزم من [ ص: 437 ] مشقتها تفضيلها في الدرجة ، فأفضل الأعمال الإيمان بالله ، والجهاد أشق منه وهو تاليه في الدرجة ، ودرجة الصديقين أعلى من درجة المجاهدين والشهداء ، وفي مسند الإمام أحمد من حديث
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الشهداء فقال إن أكثر شهداء أمتي لأصحاب الفرش ، ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته .







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:16 PM رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ومن علامات الإنابة ترك الاستهانة بأهل الغفلة والخوف عليهم ، مع فتحك باب الرجاء لنفسك ، فترجو لنفسك الرحمة ، وتخشى على أهل الغفلة النقمة ، ولكن ارج لهم الرحمة ، واخش على نفسك النقمة ، فإن كنت لا بد مستهينا بهم ماقتا لهم لانكشاف أحوالهم لك ، ورؤية ما هم عليه ، فكن لنفسك أشد مقتا منك لهم ، وكن أرجى لهم لرحمة الله منك لنفسك .

قال بعض السلف : لن تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في ذات الله ، ثم ترجع إلى نفسك فتكون لها أشد مقتا .

وهذا الكلام لا يفقه معناه إلا الفقيه في دين الله ، فإن من شهد حقيقة الخلق ، وعجزهم وضعفهم وتقصيرهم ، بل تفريطهم ، وإضاعتهم لحق الله ، وإقبالهم على غيره ، وبيعهم حظهم من الله بأبخس الثمن من هذا العاجل الفاني لم يجد بدا من مقتهم ، ولا يمكنه غير ذلك البتة ، ولكن إذا رجع إلى نفسه وحاله وتقصيره ، وكان على بصيرة من ذلك كان لنفسه أشد مقتا واستهانة ، فهذا هو الفقيه .

وأما الاستقصاء في رؤية علل الخدمة فهو التفتيش عما يشوبها من حظوظ النفس ، وتمييز حق الرب منها من حظ النفس ، ولعل أكثرها أو كلها أن تكون حظا لنفسك وأنت لا تشعر .

فلا إله إلا الله ، كم في النفوس من علل وأغراض وحظوظ تمنع الأعمال أن تكون [ ص: 438 ] لله خالصة ، وأن تصل إليه ؟ وإن العبد ليعمل العمل حيث لا يراه بشر البتة ، وهو غير خالص لله ، ويعمل العمل والعيون قد استدارت عليه نطاقا ، وهو خالص لوجه الله ، ولا يميز هذا إلا أهل البصائر وأطباء القلوب العالمون بأدوائها وعللها .

فبين العمل وبين القلب مسافة ، وفي تلك المسافة قطاع تمنع وصول العمل إلى القلب ، فيكون الرجل كثير العمل ، وما وصل منه إلى قلبه محبة ولا خوف ولا رجاء ، ولا زهد في الدنيا ولا رغبة في الآخرة ، ولا نور يفرق به بين أولياء الله وأعدائه ، وبين الحق والباطل ، ولا قوة في أمره ، فلو وصل أثر الأعمال إلى قلبه لاستنار وأشرق ، ورأى الحق والباطل ، وميز بين أولياء الله وأعدائه ، وأوجب له ذلك المزيد من الأحوال .

ثم بين القلب وبين الرب مسافة ، وعليها قطاع تمنع وصول العمل إليه ، من كبر وإعجاب وإدلال ، ورؤية العمل ، ونسيان المنة ، وعلل خفية لو استقصى في طلبها لرأى العجب ، ومن رحمة الله تعالى سترها على أكثر العمال ، إذ لو رأوها وعاينوها لوقعوا فيما هو أشد منها ، من اليأس والقنوط والاستحسار ، وترك العمل ، وخمود العزم ، وفتور الهمة ، ولهذا لما ظهرت " رعاية " أبي عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي واشتغل بها العباد عطلت منهم مساجد كانوا يعمرونها بالعبادة . والطبيب الحاذق يعلم كيف يطبب النفوس ، فلا يعمر قصرا ويهدم مصرا .







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:17 PM رقم المشاركة : 37
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين





قال : وإنما يستقيم الرجوع إليه حالا بثلاثة أشياء : بالإياس من عملك ، وبمعاينة اضطرارك ، وشيم برق لطفه بك .

[ ص: 439 ] الإياس من العمل يفسر بشيئين :

أحدهما : أنه إذا نظر بعين الحقيقة إلى الفاعل الحق ، والمحرك الأول ، وأنه لولا مشيئته لما كان منك فعل ، فمشيئته أوجبت فعلك لا مشيئتك بقي بلا فعل . فهاهنا تنفع مشاهدة القدر ، والفناء عن رؤية الأعمال .

والثاني : أن تيأس من النجاة بعملك ، وترى النجاة إنما هي برحمته تعالى وعمله وفضله ، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لن ينجي أحدا منكم عمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل فالمعنى الأول يتعلق ببداية الفعل ، والثاني بغايته ومآله .

وأما معاينة الاضطرار فإنه إذا أيس من عمله بداية ، وأيس من النجاة به نهاية ، شهد به في كل ذرة منه ضرورة تامة إليه ، وليست ضرورته من هذه الجهة وحدها ، بل من جميع الجهات ، وجهات ضرورته لا تنحصر بعدد ، ولا لها سبب ، بل هو مضطر إليه بالذات ، كما أن الله عز وجل غني بالذات ، فإن الغنى وصف ذاتي للرب ، والفقر والحاجة والضرورة وصف ذاتي للعبد .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه :



والفقر لي وصف ذات لازم أبدا كما الغنى أبدا وصف له ذاتي
وأما شيم برق لطفه بك فإنه إذا تحقق له قوة ضرورية ، وأيس من عمله والنجاة به ، نظر إلى ألطاف الله وشام برقها ، وعلم أن كل ما هو فيه وما يرجوه وما تقدم له لطف من الله به ، ومنة من بها عليه ، وصدقة تصدق بها عليه بلا سبب منه ، إذ هو المحسن بالسبب والمسبب ، والأمر له من قبل ومن بعد ، وهو الأول والآخر ، لا إله غيره ، ولا رب سواه .







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:19 PM رقم المشاركة : 38
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

فصل منزلة الاعتصام

ثم ينزل القلب منزل الاعتصام .

وهو نوعان : اعتصام بالله ، واعتصام بحبل الله ، قال الله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وقال واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير .

والاعتصام افتعال من العصمة ، وهو التمسك بما يعصمك ، ويمنعك من [ ص: 458 ] المحذور والمخوف ، فالعصمة : الحمية ، والاعتصام : الاحتماء ، ومنه سميت القلاع : العواصم ، لمنعها وحمايتها .

ومدار السعادة الدنيوية والأخروية على الاعتصام بالله ، والاعتصام بحبله ، ولا نجاة إلا لمن تمسك بهاتين العصمتين .

فأما الاعتصام بحبله فإنه يعصم من الضلالة ، والاعتصام به يعصم من الهلكة ، فإن السائر إلى الله كالسائر على طريق نحو مقصده ، فهو محتاج إلى هداية الطريق ، والسلامة فيها ، فلا يصل إلى مقصده إلا بعد حصول هذين الأمرين له ، فالدليل كفيل بعصمته من الضلالة ، وأن يهديه إلى الطريق ، والعدة والقوة والسلاح التي بها تحصل له السلامة من قطاع الطريق وآفاتها .

فالاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية واتباع الدليل ، والاعتصام بالله ، يوجب له القوة والعدة والسلاح ، والمادة التي يستلئم بها في طريقه ، ولهذا اختلفت عبارات السلف في الاعتصام بحبل الله ، بعد إشارتهم كلهم إلى هذا المعنى .

فقال ابن عباس : تمسكوا بدين الله .

وقال ابن مسعود : هو الجماعة ، وقال : عليكم بالجماعة ، فإنها حبل الله الذي أمر به ، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة .

وقال مجاهد و عطاء : بعهد الله ، وقال قتادة و السدي وكثير من أهل التفسير : هو القرآن .

قال ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا القرآن هو حبل الله ، وهو النور المبين ، والشفاء النافع ، وعصمة من تمسك به ، ونجاة من تبعه وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن هو حبل الله المتين ، ولا تختلف به الألسن ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا يشبع منه العلماء .

[ ص: 459 ] وقال مقاتل : بأمر الله وطاعته ، ولا تفرقوا كما تفرقت اليهود والنصارى .

وفي الموطأ من حديث مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يرضى لكم ثلاثا ، ويسخط لكم ثلاثا ، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ، ويسخط لكم قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال رواه مسلم في الصحيح .

قال صاحب المنازل : الاعتصام بحبل الله هو المحافظة على طاعته ، مراقبا لأمره .

ويريد بمراقبة الأمر القيام بالطاعة لأجل أن الله أمر بها وأحبها ، لا لمجرد العادة ، أو لعلة باعثة سوى امتثال الأمر ، كما قال طلق بن حبيب في التقوى : هي العمل بطاعة الله على نور من الله ، ترجو ثواب الله ، وترك معصية الله على نور من الله ، تخاف عقاب الله .

وهذا هو الإيمان والاحتساب المشار إليه في كلام النبي صلى الله عليه وسلم كقوله : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا " و " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له " فالصيام والقيام : هو الطاعة والإيمان : مراقبة الأمر . وإخلاص الباعث : هو أن يكون الإيمان الآمر لا شيء سواه . والاحتساب : رجاء ثواب الله .

فالاعتصام بحبل الله يحمي من البدعة وآفات العمل ، والله أعلم .






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:26 PM رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

وأما الاعتصام به فهو التوكل عليه ، والامتناع به ، والاحتماء به ، وسؤاله أن [ ص: 460 ] يحمي العبد ويمنعه ، ويعصمه ويدفع عنه ، فإن ثمرة الاعتصام به هو الدفع عن العبد ، والله يدافع عن الذين آمنوا ، فيدفع عن عبده المؤمن إذا اعتصم به كل سبب يفضي به إلى العطب ، ويحميه منه ، فيدفع عنه الشبهات والشهوات ، وكيد عدوه الظاهر والباطن ، وشر نفسه ، ويدفع عنه موجب أسباب الشر بعد انعقادها ، بحسب قوة الاعتصام به وتمكنه ، فتفقد في حقه أسباب العطب ، فيدفع عنه موجباتها ومسبباتها ، ويدفع عنه قدره بقدره ، وإرادته بإرادته ، ويعيذه به منه .

وأما صاحب المنازل فقال : الاعتصام بالله الترقي عن كل موهوم .

الموهوم عنده ما سوى الله تعالى ، والترقي عنه الصعود من شهود نفعه وضره وعطائه ومنعه وتأثيره إلى الله تعالى ، وهذه إشارة إلى الفناء . ومراده : الصعود عن شهود ما سوى الله إلى الله . والكمال في ذلك : الصعود عن إرادة ما سوى الله إلى إرادته .

والاتحادي يفسره بالصعود عن وجود ما سواه إلى وجوده ، بحيث لا يرى لغيره وجودا البتة ، ويرى وجود كل موجود هو وجوده ، فلا وجود لغيره إلا في الوهم الكاذب عنده .

قال : وهو على ثلاث درجات : اعتصام العامة بالخبر ، استسلاما وإذعانا ، بتصديق الوعد والوعيد ، وتعظيم الأمر والنهي ، وتأسيس المعاملة على اليقين والإنصاف .

يعني أن العامة اعتصموا بالخبر الوارد عن الله ، استسلاما من غير منازعة ، بل إيمانا واستسلاما ، وانقادوا إلى تعظيم الأمر والنهي والإذعان لهما ، والتصديق بالوعد والوعيد ، وأسسوا معاملتهم على اليقين ، لا على الشك والتردد ، وسلوك طريقة الاحتياط ، كما قال القائل :



زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأجساد قلت إليكما إن صح قولكما فلست بخاسر
أو صح قولي فالخسار عليكما

[ ص: 461 ] هذا طريق أهل الريب والشك يقومون بالأمر والنهي احتياطا ، وهذه الطريق لا تنجي من عذاب الله ولا تحصل لصاحبها السعادة ، ولا توصله إلى المأمن .

وأما الإنصاف الذي أسسوا معاملتهم عليه فهو الإنصاف في معاملتهم لله ولخلقه .

فأما الإنصاف في معاملة الله فأن يعطي العبودية حقها ، وأن لا ينازع ربه صفات إلهيته التي لا تليق بالعبد ولا تنبغي له من العظمة ، والكبرياء ، والجبروت .

ومن إنصافه لربه أن لا يشكر سواه على نعمه وينساه ، ولا يستعين بها على معاصيه ، ولا يحمد على رزقه غيره ، ولا يعبد سواه ، كما في الأثر الإلهي : إني والجن والإنس في نبإ عظيم أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، وفي أثر آخر : ابن آدم ما أنصفتني ، خيري إليك نازل ، وشرك إلي صاعد ، أتحبب إليك بالنعم ، وأنا عنك غني ، وتتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إلي ، ولا يزال الملك الكريم يعرج إلي منك بعمل قبيح ، وفي أثر آخر : يا ابن آدم ، ما من يوم جديد ، إلا يأتيك من عندي رزق جديد ، وتأتي عنك الملائكة بعمل قبيح ، تأكل رزقي وتعصيني ، وتدعوني فأستجيب لك ، وتسألني فأعطيك ، وأنا أدعوك إلى جنتي فتأبى ذلك ، وما هذا من الإنصاف .

وأما الإنصاف في حق العبيد فأن يعاملهم بمثل ما يحب أن يعاملوه به .

ولعمر الله هذا الذي ذكر أنه اعتصام العامة . هو اعتصام خاصة الخاصة في الحقيقة ، ولكن الشيخ ممن رفع له علم الفناء فشمر إليه ، فلا تأخذه فيه لومة لائم ، ولا يرى مقاما أجل منه .







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 06:27 PM رقم المشاركة : 40
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين



قال : واعتصام الخاصة بالانقطاع ، وهو صون الإرادة قبضا ، وإسبال الخلق [ ص: 462 ] على الخلق بسطا ، ورفض العلائق عزما ، وهو التمسك بالعروة الوثقى .

يريد انقطاع النفس عن أغراضها من هذه الوجوه الثلاثة ، فيصون إرادته ، ويقبضها عما سوى الله سبحانه ، وهذا شبيه بحال أبي يزيد فيما أخبر به عن نفسه لما قيل له : ما تريد ؟ فقال : أريد أن لا أريد .

الثاني : إسبال الخلق على الخلق بسطا ، وهذا حقيقة التصوف ، فإنه كما قال أبو [ ص: 463 ] بكر الكتاني : التصوف خلق ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف .

فإن حسن الخلق وتزكية النفس بمكارم الأخلاق يدل على سعة قلب صاحبه ، وكرم نفسه وسجيته . وفي هذا الوصف يكف الأذى ، ويحمل الأذى ويوجد الراحة ، ويدير خده الأيسر لمن لطم الأيمن ، ويعطي رداءه لمن سلبه قميصه ، ويمشي ميلين مع من سخره ميلا ، وهذا علامة انقطاعه عن حظوظ نفسه وأغراضها .

وأما رفض العلائق عزما فهو العزم التام على رفض العلائق ، وتركها في ظاهره وباطنه .

والأصل هو قطع علائق الباطن ، فمتى قطعها لم تضره علائق الظاهر ، فمتى كان المال في يدك وليس في قلبك لم يضرك ولو كثر ، ومتى كان في قلبك ضرك ولو لم يكن في يدك منه شيء .

قيل للإمام أحمد : أيكون الرجل زاهدا ، ومعه ألف دينار ؟ قال : نعم على شريطة ألا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت ، ولهذا كان الصحابة أزهد الأمة مع ما بأيديهم من الأموال .

وقيل لسفيان الثوري : أيكون ذو المال زاهدا ؟ قال : نعم إن كان إذا زيد في ماله شكر ، وإن نقص شكر وصبر .

[ ص: 464 ] وإنما يحمد قطع العلائق الظاهرة في موضعين : حيث يخاف منها ضررا في دينه أو حيث لا يكون فيها مصلحة راجحة ، والكمال من ذلك قطع العلائق التي تصير كلاليب على الصراط تمنعه من العبور ، وهي كلاليب الشهوات والشبهات ، ولا يضره ما تعلق به بعدها .








آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:25 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator