اربعون عاما وما يزال عبد الناصر حاضرا وموجودا
اسحق البديري
مئات المناسبات التذكارية لمئات العظماء والأبطال على اتساع العالم , تأتي وتذهب , تروح وتجئ , وتتوقف الأمم والشعوب أمام قلة قليلة من أصحاب تلك المناسبات لكي تحتفل بذكراهم تكريما وتقديرا لأدوارهم , ووفاء وعرفانا لما قدموه , ومن بين هذه المناسبات تجئ ذكراه ذكرى ابرز قائد عربي في القرن العشرين إنها ذكرى جمال عبد الناصر
تحل ذكرى جمال عبد الناصر في هذا اليوم .... ذكرى رحيل رجل عربي عظيم أدى دوره باقتدار وشجاعة ... بجسارة وبسالة .. ثم مضى كالبرق في لحظة عاصفة من تاريخنا المعاصر ورحل عن الدنيا ... وغاب ... غاب عنا في الثامن والعشرين من أيلول سنة 1970 أي قبل اربعين عاما من الزمان ... اربعة عقود كاملة مضت منذ رحل عن الدنيا ....
واريد ان اقول بداية ان الحديث عن جمال عبد الناصر ليس مجرد حديث للبكاء على اطلال مرحلة مجيدة في التاريخ العربي المعاصر كان هو ابرز صانعي ومؤسسي تلك المرحلة التي كان عنوانها بحق مرحلة الكرامة والعزة والكبرياء والتحدي ... مرحلة مخاض لولادة مشروع عربي نهضوي .... كما ان هذا الحديث عن جمال عبد الناصر ليس لمجرد سكب الدموع على رجل عربي عظيم أعطى لشعبه المصري وأمته العربية وعالمه الثالث والإنسانية كلها كأنبل ما يكون العطاء
.ولقد يقال وقد قيل لي اكثر من مرة " انك تتحدث دوما عن الماضي ان عبد الناصر اصبح من الماضي " وكنت اقول دائما انني لا اعتبر ان الحديث عن جمال عبد الناصر هو حديث عن الماضي بل انني اعتبر انه حديث عن الحاضر الذي نعيش فيه بقدر ما هو حديث ايضا عن المستقبل الذي نتطلع اليه ..... ولعلي اقول ان الامم الحية هي التي تتطلع الى الماضي تسترجع وقائعه بالدراسة والتحليل ...تدرس وتتعلم لكي تستفيد من عبر ودروس تجارب الماضي من اجل بناء حاضر اكثر تقدما من الماضي ومن اجل بناء مستقبل اكثر اشراقا من الحاضر ذلك انه لا انفكاك بين الماضي والحاضر والمستقبل
ان جمال عبد الناصر غاب في رحلته الابدية وانتقل الى رحاب الله قبل اربعين عاما ورغم طول الغياب ... طول هذا الزمان فان جمال عبد الناصر لا زال بيننا حتى هذه اللحظة وأظن انه سيبقى وربما إلى سنوات قادمة حاضرا بين شعبه المصري وأمته العربية وعالمه الثالث.. .... فهو الغائب الحاضر ما زال راْيا في كل حادث وموقفا ازاء كل قضية وليس غريبا ان تسترجع جماهير الامة العربية مواقفه عند الازمات وفي اوقات الشدة وترفع صوره وتردد اقواله في اوقات وايام الخطر وفي مواجهة التحديات خصوصا في هذا الزمن العربي الرديْ انه الغائب بجسده لكنه الحاضر بمواقفه ومبادئه ظله ما زال يملاْ ساحة وطنه المصري وساحة الوطن العربي بل وعلى امتداد قارات افريقيا واسيا واميركا اللاتينية وهذا هو سره سر عظمته رغم طول الغياب اربعون عاما
إن عظمة جمال عبد الناصر انه كان في حياته تعبيرا عن آمال الأمة العربية كلها وطموحاتها كان جسر العبور لامته من التخلف إلى التقدم من القلق واليأس إلى الشجاعة والإقدام تحمل مسؤوليات خطيرة وواجه تحديات هائلة , خاض معارك كثيرة , واقتحم مخاطر متعددة , عاش حياته مقاتلا في سبيل حرية الشعوب والأوطان وكان محاربا عنيدا ضد الاستعمار بوجهيه القديم والجديد وكان مقاوما ومقاتلا ضد اسرائيل التي احتلت فلسطين واجزاء من الارض العربية
وأمضى عمره مناضلا من اجل إلغاء استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وصولا إلى العدل الاجتماعي , ثائرا ضد كل إشكال الاستغلال الطبقي وصور التخلف ... وعاش مكافحا من اجل وحدة آمته العربية , متمردا على التجزئة والحدود المصطنعة , مؤكدا تحت كل الظروف انتماء مصرالى امتها العربية قولا وعملا ممارسة وتطبيقا
وبقي والى أخر لحظات حياته مدافعا عن حقوق الأوطان والشعوب التي سرقها لصوص العالم المتحضر , واقفا بغير تردد إلى جانب قضايا الشعوب المضطهدة في كل مكان من قارات العالم إن جمال عبد الناصر الغائب منذ أيلول سبتمبر 1970 كان حاضرا طوال السنوات الاربعين الماضية كان حاضرا رغم كل المحاولات المستمرة والمتواصلة والحملات الضارية لتشويه دوره وإدانة تجربته وتدمير انجازاته ذلك انه حاضر الى الان في ضمير الجماهير على امتداد الساحة العربية كلها تلك الجماهير التي أحبته كما لم تحب رجلا من قبله أو من بعده على مدى القرن العشرين وأعطته الجماهير العربية من تأييدها وثقتها ما لم تعطه لأحد من قبله وما لم تعطه لأحد من بعده ... إن الجماهيرالعربية تعاملت معه بشرف وأمانة.... ترددت في البداية في تاْييده وانتظرت.... وقفت معه مرات كثيرة .... عتبت عليه مرات وغفرت له مرات أخرى ... ورضيت عنه تارة وغضبت منه تارة ... راقبته منذ انطلاق الثورة في 23 يوليو 1952 وهي صامتة تتطلع اليه لعله يكون هو الرجاء والامل وانتظرت لترى ماذا هو فاعل .... وحين راْته وهو يضرب جذور الاقطاع ويحدد الملكية الزراعية ويصفي امتيازات طبقة الراْسمالية المستغلة ايذانا ببدء وضع اسس بناء مجتمع العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية .... وحين شاهدته وهو يرغم الاستعمار البريطاني على الجلاء عن ارض مصر بعد سبعين عاما من الاحتلال .... وحين راْته وهو يقاوم سياسة الاحلاف العسكرية الغربية ويتصدى لمحاولات فرض السيطرة الاجنبية ومناطق النفوذ على المنطقة العربية .... وحين سمعته وهو يعلن كسر احتكار السلاح ..... حينذاك لم تعد الجماهير العربية صامتة ولم تعد مترددة بل تحركت وفي اكثر من عاصمة عربية لتعلن وقوفها معه وتاْييدها له واعطته ثقتها ودعمها وهو يعلن تاْميم شركة قناة السويس في 26 يوليو 1956 وخرجت تقاتل معه في معركة السويس سنة 1956 واندفعت معه لتحقيق حلم إقامة الوحدة بين مصر وسوريا سنة 1958 يوم قامت الجمهورية العربية المتحدة ...... ووقفت معه وأعطته تأييدها يوم بداْ مرحلة بناء المجتمع الجديد مجتمع الكفاية والعدل ابتداء من سنة 1961 وبنت معه السد العالي وأقامت معه اكبر قاعدة للصناعة حيث شيدت الآلاف من المصانع والمعامل واستصلحت معه ملايين الأفدنة لزيادة الخضرة على ارض مصر ... ... وقفت معه يوم نكسة الانفصال سنة 1961 ...... واندفعت معه تأييدا ودعما بل وقتالا إلى جانب ثورات الجزائر واليمن وجنوب اليمن والعراق وغضبت عليه وعاتبته عقب هزيمة يونيو 1967..... لكنها تمسكت به قائدا ورفضت قراره بالتنحي رغم الهزيمة في يونيو 1967 لانها كانت تعرف من خلال تجربتها معه انه قادر على تجاوز المحنة ...... وقفت معه صامدة تبني معه من الانقاض خلال سنوات 1967 و1968 ووقفت تحارب معه في حرب الاستنزاف في عامي 1969 و1970 ..وبنت معه جيش المليون جندي تحت لهيب الدم والنار استعدادا لتخوض معه حرب التحرير واستعادة النصر الضائع ......
وبكته الجماهير يوم رحيله كما لم تبك قائدا من قبل ولا من بعد ... وكان يوم وداعه في رحلته الابدية يوما فريدا وحزينا لم تشهد له ارض العرب وربما العالم كله مثيلا لا من قبل ولا من بعد والى الان وكان الهتاف الاعلى الذي انطلق من حناجر الجماهير في كل ارض عربية وهي تبكي قائدها " حنكمل المشوار "
وعظمة جمال عبد الناصر بعد رحيله وغيابه انه تحول من رجل ودور الى رمز وفكرة .... إن عبد الناصر الغائب لا زال حاضرا وسوف يظل حاضرا معنا مع شعبنا المصري وأمته العربية وعالمه الثالث بالمبادئ والأهداف التي أرسى قواعدها وبلور مفاهيمها وحدد معالمها باعتبارها تعبيرا صادقا وأمينا عن طموحات وأحلام الأمة العربية تلك الأحلام والطموحات التي بدأت منذ مطلع القرن العشرين فهي نشأت من خلال المعاناة والعذاب الذي عاشته الجماهير العربية في القرون الماضية ونضجت وسط الصراعات التي سادت المنطقة العربية وانصهرت في ظل معارك اللهيب والنار والدم التي جرت فوق كل ارض عربية وتشكلت وسط الظلام الذي أطبق على المنطقة كلها وتبلورت انتظارا لشعاع ضوء يشق الظلام حتى يسطع النور ويسود
وهذه المبادئ هي الأحلام الكبيرة والآمال العظيمة التي حملتها الأجيال العربية المتعاقبة جيلا وراء جيل منذ مطلع القرن العشرين لتستقر وتترسخ في وجدان وضمير الجماهير العربية والتي كان لكل جيل إسهاماته ودوره في إثرائها وبلورتها وبصرف النظر عن الاختلاف في التسميات الحرية أو الاستقلال الوطني , الاشتراكية أم العدالة الاجتماعية الوحدة أم الاتحاد فان الأغلبية الساحقة من الجماهير اتفقت على جوهر هذه المبادئ والأهداف وتركت التسميات للمنظرين يطلقون عليها ما يشاءون وما يعتقدون حتى جاءت القوى العربية القومية في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات لتحدد وتبلور هذه المبادئ بشكل واضح
وكان جمال عبد الناصر بغير جدال ابرز عربي يقدم صياغة تكاد تكون متكاملة لهذه الأهداف والمبادئ بل وكان أول عربي يمضي على طريق تحقيق هذه المبادئ والأهداف ويحولها من الأحلام والآمال إلى الواقع العملي إلى مشروع نهوضي عربي جديد
لقد مشى عبد الناصر فوق الأشواك .... وسلك الطرق الصعبة .... وسار عبر المخاطر .... ومضى بالتجربة بالصواب والخطأ ........ بداْ مسيرته بدون نظرية ولم يكن يملك في يوليو عام 1952 من دليل للعمل غير المبادئ الستة المشهورة التي استخلصها من مطالب النضال الشعبي واحتياجاته، لم تكن تلك المبادئ نظرية للعمل الوطني حينذاك... ومع هذا فقد استطاع عبد الناصر أن يطور هذه المبادئ والأهداف وان يحركها بالممارسة والتجربة... بالنضال والعمل في محاولة للوصول إلى تحقيق هذه المبادئ من ناحية, والى صياغة برنامج عام للعمل الوطني المصري .في ميثاق العمل الوطني .... ومن المبادئ الستة اندفع جمال عبد الناصر إلى آفاق رحبة وواسعة فكانت الدوائر الثلاث التي تحدث عنها عبد الناصر في كتابه فلسفة الثورة....... وهذه الدوائر هي الدائرة العربية والدائرة الإفريقية والدائرة الإسلامية ومن خلال شرح عبد الناصر لإبعاد ومفهوم هذا الدوائر نرى أن عبد الناصر كان على وعي كامل وفي وقت مبكر بأهمية تأكيد الانتماء العربي لمصر , وضرورة التحالف والتضامن مع شعوب إفريقيا في نضالها من اجل الاستقلال والحرية على اعتبار أن مصر هي المفتاح الشمالي الشرقي الذي يصل إفريقيا بآسيا , وضرورة الالتقاء مع شعوب الدول الإسلامية وكان عبد الناصر يرى وبعين ثاقبة وبنظرة على المستقبل انه لا تناقض بين هذه الدوائر الثلاث فهي مكملة لبعضها البعض ..... ولم يتوقف عبد الناصر عند الدوائر الثلاث بل أضاف إليها في ميدان السياسة الدولية ما عرف بسياسة عدم الانحياز والحياد الايجابي بوصفها اسلم الطرق في عالم كانت تسوده الحرب الباردة بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي
ووضع عبد الناصر قضية فلسطين في مقدمة اولوياته واعتبرها القضية المركزية والاساس للامة العربية كلها وقد تحدث عبد الناصر عن تصوره وتصور الحركة العربية القومية لوعد بلفور فقال في رسالة بعث بها إلى الرئيس الأميركي الراحل جون كنيدي عام 1961 " لقد أعطى من لا يملك، وعداً لمن لا يستحق، ثم استطاع الاثنان "من لا يملك" و"من لا يستحق" بالقوة وبالخديعة، أن يسلبا صاحب الحق الشرعي حقه، فيما يملكه وفيما يستحقه.تلك هي الصورة الحقيقية لوعد بلفور، الذي قطعته بريطانيا على نفسها، وأعطت فيه -من أرض لا تملكها، وإنما يملكها الشعب العربي الفلسطيني- عهداً بإقامة وطن يهودي في فلسطين. واستطرد عبد الناصر في رسالته إلى كنيدي قائلا "وعلى المستوى الفردي -يا سيادة الرئيس- فضلاً عن المستوى الدولي، فإن الصورة على هذا النحو تشكل قضية نصب واضحة تستطيع أي محكمة عادية أن تحكم بالإدانة على المسئولين عنهـا
ويشرح عبد الناصر وجهة نظره بشاْن إسرائيل فيقول " أن مشكلة إسرائيل ليست هي مشكلة فلسطين، وإنما هي - بعد فلسطين - أبعد أثراً وخطراً. إن إسرائيل خطر توسعي حقيقي يخطط لدولة أكبر من حدود الدولة الحالية، يعمل ليوم تتحول فيه الشعوب العربية بين الفرات والنيل إلى فلول من لاجئين
لقد خاض جمال عبد الناصر في حياته حروبا ومعارك ضارية وشرسة ولعل حربه الاخيرة في الصراع العربي الاسرائيلي هي امجد واشرس حروبه وهو صراع الثلاثة الاف وثلاثمائة واربعة عشر يوما والذي بداْ مباشرة بعد الهزيمة العسكرية في يونيو 1967 حيث تصدى طوال تلك الايام للعدوان الاسرائيلي الذي احتل صحراء سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان السورية وهو صراع بداْ في يوم 14 يونيو 1967 بعد ايام قليلة لعودته عن قراره بالتنحي بضغط شعبي مصري وعربي يومي 9 و 10 يونيو في ذلك اليوم كتب جمال عبد الناصر اول توجيه استراتيجي حول ضرورة ازالة اثار العدوان بكل والوسائل المتاحة بما فيها القوة وبعث به الى كل من الفريق محمد فوزي القائد العام الجديد للقوات المسلحة والفريق عبد المنعم رياض رئيس هيئة الاركان الجديد وهو توجيه تطور بعد ذلك على يد عدد كبير من القادة العسكريين والاستراتيجيين المصريين على مدى السنوات والاشهر التالية ووضع في خطط كان من بينها جرانيت واحد وجرانيت 2 بهدف تحرير الاراضي العربية على مراحل ...
وبعد اقل من شهرين على تلك الاحداث الخطيرة وكتابته للتوجيه الاستراتيجي قال عبد الناصر في خطابه يوم 23 يوليو 1967 " إنني لم أعتبر لدقيقة واحدة أن خروج جماهير شعبنا برغم الظلام، وبرغم غارات العدو مساء يوم ٩ يونيو تكريماً لشخصي، وإنما اعتبرت أن ذلك الموقف كان تصميماً على نضال. إن الشعب بهذا الموقف أجاب على أهم سؤال كانت الحوادث تطرحه، وكانت النكسة نفسها تلقيه أمامه، وهو: ما العمل؟ أجاب الشعب - كما قلت - بالتصميم.. بالمقاومة.. بالاستعداد لكل التضحيات.. بالصمود.. ولكن ذلك ليس نهاية وإنما هو بداية؛
واستطرد عبد الناصر يقول في ذلك اليوم وبعد اقل من شهرين على نكسة يونيو " إن المحافظة على حقوق شعب فلسطين،هي أساس القضية ونحن لا يمكن - رغم النكسة ورغم احتلال سينا - أن نتخلى عن حقوق شعب فلسطين، لا يمكن أن نيأس ولا يمكن أن نكفر بأهدافنا ولا يمكن أن نفقد ثقتنا بأنفسنا أو بأمتنا العربية أو بشعبنا العربي. ولن نتخلى عن حقوق شعب فلسطين , حينما يتكلمون عن السلام فأنا أقول لا يمكن لأي قوة أن تفرض السلام، القبول بفرض السلام معناه القبول بالاستسلام، الطريق الوحيد أمامنا - رغم النكسة ورغم كل شيء - هو المحافظة على حقوق شعب فلسطين، .... لقد رفض عبد الناصر الاستسلام وقال ما نصه " أن قطعة من الأرض قد تسقط تحت الاحتلال لكن أي رقعة من إرادة الشعب والأمة ليست قابلة للسقوط تحت أي احتلال، ، وإرادة الشعب - وليست أي رقعة من الأرض - هي القول الفصل، وهى الفارق بين القبول بالهزيمة والاستسلام لها وبين التصميم على المقاومة والإصرار عليها؛ حتى يمكن استعادة رقعة الأرض المحتلة، واستعادة النصر الضائع. وإن تقع رقعة من أرض الوطن أسيرة في يد عدو فهذه ليست الهزيمة الحقيقية، ولا هي النصر الحقيقي للعدو، وإن تقع إرادة الشعب أسيرة في يد هذا العدو فهذه هي الهزيمة الحقيقية وهذا هو النصر الحقيقي للعدو،
وأعلن عبد الناصر إننا ننشد السلام لكن السلام الذي نريده ليس هو المفروض بالأمر الواقع مهما كان......... إن سلام الأمر الواقع هو الاستسلام ودعوى السلام في قبول الأمر الواقع دعوى باطلة قيلت في كل زمان ومكان لتبرير كل عدوان وهي دعوى باطلة يرفضها كل المؤمنين بالحرية بل كل المؤمنين بالسلام الحقيقي........ ورفض عبد الناصر منطق التسويات المنفردة والجزئية بما فيها عروض أمريكية وإسرائيلية لإعادة سيناء شرط أن تتخلى مصر عن بقية الأراضي المحتلة وقال في خطاب له أمام مجلس الأمة المصري في 6 يناير 1969 انه لايمكن أن يكون هناك مخرج من الأزمة يقوم على تسوية تتعلق بالأراضي المصرية وحدها وإنما لا بد من تحرير كل الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل وأولها القدس العربية والضفة الغربية وقطاع غزة والمرتفعات السورية
وبداْت المعارك على ضفاف قناة السويس يوم اول يوليو 1967 بمعركة راْس العش في مدينة بور فؤاد على الضفة الشرقية للقناة واستمرت وتواصلت المعارك باللهيب والدم والنار وبالتضحيات حتى فجر يوم 9 اغسطس اب 1970 - يوم وقف اطلاق النار - وذلك بنجاح قوات الدفاع الجوي المصري بادخال 42 بطارية صواريخ للدفاع الجوي خلال اقل من اربع ساعات . لاستكمال بناء حائط الصواريخ على الضفة الغربية من القناة استعدادا للعبور الكبير للجيش المصري .
وأدار عبد الناصرهذا الصراع سلما وحربا بالعمل السياسي والدبلوماسي والعسكري في تلك الفترة بمسؤولية واقتدار فقد أعاد البناء السياسي والعسكري والاقتصادي واكد على ضرورة دعم المقاومة الفلسطينية التي وصفها بانها انبل ظاهرة وجدت بعد نكسة يونيو ........ ورفض عبد الناصر منطق التسويات المنفردة والجزئية بما فيها عروض أمريكية وإسرائيلية لإعادة سيناء شرط أن تتخلى مصر عن بقية الأراضي المحتلة وقال في خطاب له أمام مجلس الأمة المصري في 6 يناير 1969 انه لايمكن أن يكون هناك مخرج من الأزمة يقوم على تسوية تتعلق بالأراضي المصرية وحدها وإنما لا بد من تحرير كل الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل وأولها القدس العربية والضفة الغربية وقطاع غزة والمرتفعات السورية
واستمر عبد الناصر طوال تلك الايام المجيدة يعمل ليل نهار لحشد كل الطاقات والامكانيات المصرية والعربية والدولية ووضعها في خدمة هدف التحرير وقاد حرب الاستنزاف على ضفاف قناة السويس وفي العمق وقام بأعظم أدواره وأكثرها عذابا وآلاما وكما قال الأستاذ محمد حسنين هيكل ذات مرة " كان عبد الناصر يرى مصر عام 67 ملقاة على الأرض مثخنة بجراحها وفي عام 68 كان يراها تهم على ركبتيها وكان يأمل مع عامي 69 و70 أن يراها وقد نهضت على قدميها وحين كانت مصر تقف على قدميها كان هو يجود بأنفاسه الأخيرة "
وقبل رحيله باسابيع وقع جمال عبد الناصر خطتين وقع الخطة جرانيت 1 التي تتضمن كسر نظرية الامن الاسرائيلي وعبور قناة السويس في حماية حائط الصورايخ .. ووقع ايضا الخطة 200 التي تتضمن مواجهة احتمال عبور اسرائيلي الى غرب قناة السويس ليس بقصد منع القوات المصرية من العبور الى الشرق والتدفق فوق الجسور لضرب مواقع الصواريخ وتدميرها
.... وفي خطبة الوداع آخر خطب عبد الناصر امام الجماهير قال في 26 يوليو 1970 “ نحن نريد السلام ولكن السلام بعيد، ونحن لا نريد الحرب، ولكن الحرب من حولنا، وسوف نخوض المخاطر مهما كانت دفاعاً عن الحق والعدل.. حق وعدل لا سبيل لتحقيقهما غير طرد قوى العدوان من كل شبر من الأرض العربية المحتلة سنة ١٩٦٧؛ من القدس، من الجولان، من الضفة الغربية، من غزة، من سينا، وحق وعدل لا سبيل لتحقيقهما غير استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه الشرعية، وخروجه من خيام اللاجئين ليدخل مدنه وقراه ومزارعه وبيوته، ويعود مرة أخرى إلى قلب الحياة بعد أن أرغمته الظروف أن يبقى من عشرين سنة على هامش الحياة. ذلك - أيها الإخوة - هو الهدف والطريق.. انتصار السلام وسلام الانتصار "
هكذا كان عبد الناصر رجل المبادئء والاهداف الاستراتيجية رجل النضال والمقاومة رجل التحدي والكبرياء .... هكذا كانت حروبه ومعاركه كلها من اجل وطنه المصري ومن وطنه العربي الكبير ومن اجل الانسانية كلها ظل مناضلا ومحاربا ومقاتلا ومدافعا عن قضايا امته العربية قضايا الحرية والاستقلال الوطني وحرية المواطن وحقه في العدالة الاجتماعية وبناء مجتمع التنمية ومجتمع الكفاية والعدل وقضايا الوحدة العربية وقضية القضايا في فلسطين وقضايا الحرية في كل مكان وهي قضايا ما زالت معنا الى الان
ونساْل أنفسنا بعد ذلك كله أليست هذه المبادئ هي المطالب والأهداف التي يسعى إليها كل شعبعربي.في هذه المرحلة .... ماذا نريد غير حرية الوطن وحرية المواطن ماذا نريد غير الاستقلال السياسي والاقتصادي الكاملين ماذا نريد غير بناء مجتمع الكفاية والعدل مجتمع تكافؤ الفرص مجتمع الانتاجوالخدمات..مجتمع الدولة العصرية القادرة والقوية ... ماذا نريد غير إقامة وحدة عربية تضم اجزاء الوطن العربي الممزق وسط الكيانات الكبرى في عالم اليوم ماذا نريد غير اقامة تحالف واسع وكبير مع شعوب العالم الاسلامي ومع شعوب القارة الافريقية ومع شعوب العالم الثالث في اسيا وافريقيا واميركا اللاتينية ...... ماذانريد غير تحقيق السلام العادل والدائم في منطقة الشرق الاوسط الذي يعني ضمان الانسحاب الاسرائيلي الكامل والشامل من جميع الاراضي العربية المحتلة واقامة الدولة الفسطينية المستقلة وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وفق الشرعية الدولية وفي مقدمتها القرار رقم 181 الصادر عن الامم المتحدة
ماذا نريد غير ذلك أليست هذه مكونات وسمات إستراتيجية الحركة العربية المعاصرةالتي حملها عبد الناصر ومضى بها إلى التطبيق العملي في مرحلة من أهم المراحل التاريخية مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ..... وأخيرا أليست هذه المطالب هي نفس المطالب التي تريدها شعوب امتنا ا لعربية في هذه المرحلة التي نعيشها الان في العقد الاول من القرن الواحد والعشرين أي في هذا الزمان الحاضر الذي تعيشه شعوب امتنا العربية الان واليست هي نفس المطالب والاهداف التي ستبقى معنا ايضا في المستقبل نفس المباديء والاهداف وان اختلفت التفاصيل تبعا للمتغيرات
من هنا فانني اعود لاقول اذن اليس صحيحا ما اشرت اليه من ان الحديث عن عبد الناصر ليس حديثا عن الماضي فقط بل هو حديث عن الحاضر وهو بنفس الوقت حديث عن المستقبل الذي تتطلع اليه الامة العربية من حيث ان هذه المطالب والاهداف الاستراتيجية ما زالت معنا وستبقى معنا في المستقبل ايضا
وحين رحل جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 وفي اصعب الاوقات والظروف انقلبت الدنيا كلها راسا على عقب .... تغير الحال في مصر وفي الوطن العربي بل وفي العالم الثالث وبداْ تراجع استراتيجي عن الاهداف وعن المباديْ وعن تحقيق السلام العادل ولم نعد نعيش في الزمن الجميل بل نحن نعيش في الزمان الرديْ وتغيرت المفاهيم حلت كلمات مثل الذل والهوان مكان العزة والكرامة اشياء كثيرة تغيرت
ولكن اسم جمال عبد الناصر سوف يبقى يتردد الى زمان طويل ... مشروعه النهضوي سيتحول في يوم قادم الى مشروع امة باسرها .... سوف يبقى اسمه نموذجا للصلابة والشجاعة للارادة وللتحدي وسوف يبقى اسمه قدوة لاجيال الشباب العربي التي لم تعش عصره لكنها ما زالت تبحث عن قائد عربي في مثل قامة جمال عبد الناصر الذي قال يوما " انني لست قائد هذه الامة وانما انا تعبير عن امالها واحلامها
في يوم ذكراه نسترجع صدى كلماته ونرددها معا " ان هذه ليست ساعة للحزن ولكنها ساعة للعمل "
وسلام عليك ابا خالد يوم ولدت ويوم رحلت ويوم تبعث حيا