عجل السامرى
يقول صاحب تاريخ الإسرائيليين (وقد كان تاريخ اليهود
إلى وقت خروجهم من مصر تاريخ أسرة صغيرة أخذت تنمو
وتزداد حتى صارت قبيلة كبيرة لا كيان لها ولا حكومة
منها ولا شارع أو وازع فيها ينظر في أمورها ويرد قويها عن ضعيفها
متفرقة في أرض مصر عرضة للعبودية والسخرة والاستبداد والإهانة
أما بعد الخروج فإنهم تألفوا شعبا واحدا وأمة واحدة لها قائدها
من بنيها وجيش يقوم على حمايتها وحاكم يتولى أمورها وشئونها
وأخذت تبدو فيها صفات الأمة المستقلة فإنها لم تكد تغادر مصر
حتى بدأ الشارع في سن النواميس والقوانين والشرائع الدينية
والأدبية والمدنية كما تكون في الأمة المستقلة القائمة بنفسها
وعليه فتاريخ الإسرائيليين لا يبتدئ إلا بعد خروجهم من مصر
وتاريخهم هذا يستغرق قرونا عديدة اتفق لهم في خلالها
كثير من الحوادث العادية من حروب وتقدم وانحطاط)
ولكن بنو إسرائيل لم يقدروا نعمة الحرية ولم يشكروا الله
على إنجائه لهم من عدوهم ولم يطيعوا نبيهم موسى
الذي جاء لهدايتهم وإصلاحهم والدفاع عنهم بل آذوه إيذاءاً شديدا
وفى الطريق إلى الشام حدث العديد من الوقائع من بني إسرائيل
مع نبي الله موسى وأخيه هارون
وكانت أفعال بني إسرائيل كلها قبائح ونقائص تدل على خبث طبعهم
وسوء فعالهم ونذكر ملخص للحوادث التي حدثت في طريقهم
مع موسى وأخيه إلى الشام وفيه تتضح قبائح أفعالهم وسوء طباعهم
فبعد أن سار بهم موسى في أرض سيناء فترة من الوقت
جاعلا وجهته أرض فلسطين من بلاد الشام ثاروا عليه
وعلى أخيه هارون وقالوا لموسى وهارون كما تحكى التوراة عنهم
(ليتنا متنا في مصر إذ كنا جالسين عند قدور اللحم
نأكل خبزا للشبع فإنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكي تميتا
كل هذا الجمهور بالجوع لماذا أصعدتمانا من مصر؟
أمن أجل أن نموت نحن وأولادنا ومواشينا بالعطش)
وتحكى التوراة أن موسى ضاق بهم ذرعا لكثرة جهالاتهم
وسوء أعمالهم وأنه تضرَّع إلى الله قائلا
(ربِّ لم ابتليت عبدك ووضعت أثقال هذا الشعب علىَّ؟
وهل أنا الذي ولدتهم حتى تقول لي : احملهم في حجرك
كما تحمل الحاضن الرضيع وإني لست طائقا حمله وحدي
لأنه ثقيلٌ علىَّ وإلا فاقتلني ولا أرى بليتي)
وبعد أن رأى بنو إسرائيل غرق فرعون بأعينهم وساروا مع موسى
إلى بلاد الشام شاهدوا قوما يعبدون أصناما لهم فما لبث بنو إسرائيل
بعد مشاهدتهم لهؤلاء الوثنيين إلا أن قالوا لنبيهم موسى
اجعل لنا أصناما نعبدها كما أن لهؤلاء أصناما يعبدونها
وذلك لأن الوثنية التي عاشوا فيها في مصر كانت مازالت بنفوسهم
الضعيفة وقد حكي القرآن الكريم عنهم هذه الرذيلة فقال تعالى
{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ
لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ
قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ
يَعْمَلُونَ قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}
وخلال سير موسى بقومه في صحراء سيناء إلى بلاد الشام
واعد الله تعالى موسى أن يعطيه التوراة لتكون هدى لبنى إسرائيل
وأمره بصيام ثلاثين يوما فلما حلَّ الموعد ترك موسى بني إسرائيل
مستخلفا عليهم أخاه هارون وذهب إلى الطور لتلقى التوراة
فزاده الله عشرة أيام وقد حكي القرآن ذلك فقال
{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي
وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} وأثناء غياب موسى عن قومه
لتلقى التوراة وتركهم في رعاية أخيه هارون وضرب لهم ميعاداً
إلى ثلاثين يوماً فلما انقضت الثلاثون يوماً أولاً ولم يعد موسى
كما وعدهم ماذا وقع من بني إسرائيل؟
وكعادتهم في انتهازهم للفرص بقبيح الفعال كان فيهم رجلٌ ذو شأن
وذو حيلة ومكر يدعى السامرى فدبر حيلة ومكر مكراً
مستغلاً لين جانب هارون فصنع لهم عجلا جسدا له خوار من ذهب
وحلى نسائهم التي استعاروها من قبط مصر قبل خروجهم وعبدوه
وحاول هارون أن يصدَّهم عما تردوا فيه من ضلال وكفر
ولكنهم أعرضوا عنه قائلين كما حكي القرآن الكريم عنهم
{قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}
فلما اشتدَّ عليهم هارون في النهى عن عبادة العجل تطاولوا عليه
وكادوا يقتلونه فصبر عليهم حتى لا يتفرقوا حتى يرجع موسى
وبعد أن تلقَّى موسى التوراة من ربه أعلمه الله أن قومه قد فتنهم السامرى
بعبادة العجل فعاد إليهم مغضبا حزينا وأخذ يوبِّخهم بقوارض الكلم
وينذرهم بسوء المصير فاعتذروا إليه بأن السامرى هو الذي أضلهم
ولكن الحقيقة التي يعلمها الله أن الكثيرين منهم قد أشربوا حبَّ العجل
في قلوبهم بدليل طلبهم من موسى أن يتخذوا آلهة عندما مرُّوا
في طريقهم على قوم وثنين يعبدون آلهة لهم وظنَّ موسى
أن أخاه هارون قد قصر معهم فعاتبه ولامه على ذلك فأخبره هارون
بأنه لم يقصر في نصيحتهم وزجرهم عن عبادة غير الله ولكنهم لم
يستجيبوا له بل آذوه وكادوا يقتلونه
ثم صبَّ موسى جام غضبه على السامرى -رأس الفتنة ومدبرها –
فقال له بعد أن سمع كلامه ودفاعه الواهي عن نفسه
{قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً
لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ
فِي الْيَمِّ نَسْفاً إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}
وعلى مشهد من بني إسرائيل نفذ موسى ما توعَّدَ به السامرى
فأحرق العجل وألقى ترابه في البحر وأثبت للجميع
أن المستحق للعبادة إنما هو الله تعالى وأن العجل الذي عبدوه
بجهلهم وغبائهم لا يملك ضرَّا ولا نفعا.
منقول من كتاب [بنو اسرائيل ووعد الأخرة]
لفضيلة الشيخ / فوزى محمد أبوزيد
للمطالعة والتحميل مجانا أضغط
بنو إسرائيل ووعد الآخرة