النوع الثاني عشر : إجابة دعائه r :
كان رسول الله r مستجاب الدعوة ..
فيستجيب الله تعالى له .. في قضاء الحوائج .. وتفريج الكرب .. وشفاء المرض .. وتحقيق المطالب .. وحلول البركة ..
وقد تقدم طرف من أدعيته المستجابة .. بأبي هو وأمي r ..
وها نحن نورد المزيد ..
فمن ذلك :
أم أبي هريرة
أن أم أبي هريرة بقيت على دين قومها .. تعبد الأصنام ..
وكان أبو هريرة يدعوها إلى الإسلام .. وتأبى ..
فَدَعَاها يَوْمًا فأسمعته في رسول اللَّهِ e ما يكْرَهُ ..
فبكى أبو هريرة .. ومضى إلى رَسُولَ اللَّهِ e .. وهو يبْكِي ..
فقال : يا رَسُولَ اللَّهِ .. إني كنت أَدْعُو أُمِّي إلى الْإِسْلَامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ .. فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فأسمعتني فِيكَ ما أَكْرَهُ .. فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أبي هُرَيْرَةَ ..
فقال e : اللهم اهْدِ أُمَّ أبي هُرَيْرَةَ ..
فَخَرَج أبو هريرة مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ e ..
فلما وصل البيت وحرك الباب ليدخل .. سَمِعَتْ أُمه خَشْفَ قَدَمَيه ..
فقالت : مَكَانَكَ يا أَبَا هُرَيْرَةَ ..
وَسَمِع أبو هريرة خَضْخَضَةَ الْمَاءِ .. وكأن أمه تغتسل ..
فانتظر قليلاً عند الباب ليدخل ..
فإذا أمه قد اغْتَسَلَتْ .. وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا .. وَعَجِلَتْ عن خِمَارِهَا .. ثم فَتَحَتْ له الْبَابَ وقالت :
يا أَبَا هُرَيْرَةَ .. أشهد أن لَا إِلَهَ إلا الله .. وأشهد أن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ..
استبشر أبو هريرة .. وغلبه الفرح حتى بكى ..
فرَجَع إلى رسول اللَّهِ e .. يبْكِي من الْفَرَحِ ..
فقال يا رَسُولَ اللَّهِ .. أَبْشِرْ قد اسْتَجَابَ الله دَعْوَتَكَ .. وَهَدَى أُمَّ أبي هُرَيْرَةَ ..
ففرح النبي r .. وحَمِدَ اللَّهَ .. وَأَثْنَى عليه .. وقال لأبي هريرة خَيْرًا ..
فطمع ابو هريرة في زيادة الخير .. فقال : يا رَسُولَ اللَّهِ .. ادْعُ اللَّهَ أن يُحَبِّبَنِي أنا وَأُمِّي إلى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ .. وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا ..
فقال e : اللهم حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هذا - يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ - وَأُمَّهُ إلى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ .. وَحَبِّبْ إِلَيْهِمْ الْمُؤْمِنِينَ ..
قال أبو هريرة : فما خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي .. ولا يَرَانِي .. إلا أَحَبَّنِي .. ([1])
* * * * * *
وابن عباس
دعا r لعبد الله بن عباس بالفقه في الدين ..
فقد وضع r يده الشريفة على كتف ابن عباس .. أو على منكبه ..
ثم قال : اللهم فقهه في الدين .. وعلمه التأويل .. يعني التفسير ..
وقد استجاب الله لرسوله r هذه الدعوة في ابن عمه عبد الله بن عباس ..
فكان ابن عباس بعدها إماماً يهتدى بهداه .. ويقتدى بسناه .. في علوم الشريعة والفقه والتفسير ..
حتى قال عنه بعض أصحابه : خطب ابن عباس في الحجاج في عشية يوم عرفة .. فقرأ سورة البقرة .. وجعل يفسرها آية آية .. ففسرها تفسيراً لو سمعه الروم والترك والديلم لأسلموا ..
* * * * * *
ودعا لأنس
دعا r لأنس بن مالك t بكثرة المال والولد والبركة في ذلك ..
فكان من أكثر الأنصار مالاً وولداً ..
حتى ولد له من صلبه قريب من مائة ما بين ذكر وأنثى .. أو ما يزيد عليها ..
وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين .. وكان في بستانه ريحان يجيء منه ريح المسك ..
* * * * * *
ودعا لأبي طلحة وزوجه
تزوجت أم سليم أبا طلحة .. ورزقت منه بغلام صبيح .. هو أبو عمير ..وكان أبو طلحة يحبه حباً عظيماً ..
بل كان e يحبه .. ويمر بالصغير فيرى معه طيراً يلعب به .. اسمه النغير .. فكان يمازحه ويقول: يا أبا عمير ما فعل النغير ؟
فمرض الغلام .. فحزن أبو طلحة عليه حزناً شديداً .. حتى اشتد المرض بالغلام يوماً ..
وخرج أبو طلحة في حاجة إلى رسول الله e .. وتأخر عنده ..
فازداد مرض الغلام ومات .. وأمه عنده ..
بكى بعض أهل البيت .. فهدأتهم .. وقالت : لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه ..
فوضعت الغلام في ناحية من البيت وغطته .. وأعدت لزوجها طعامه ..
فلما عاد أبو طلحة إلى بيته .. سألها : كيف الغلام ؟
قالت : هدأت نفسه .. وأرجو أن يكون قد استراح ..
فتوجه إليه ليراه .. فأبت عليه وقالت : هو ساكن فلا تحركه ..
ثم قربت له عشاءه فأكل وشرب .. ثم أصاب منها ما يصيبه الرجل من امرأته ..
فلما رأت أنه قد شبع واستقر ..
قالت : يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم .. أي أسلفوا متعاً لهم .. لأهل بيت فطلبوا عاريتهم .. ألهم أن يمنعوهم ؟
قال : لا ..
قالت : ألا تعجب من جيراننا ؟
قال : وما لهم ؟!
قالت : أعارهم قوم عارية .. وطال بقاؤها عندهم حتى رأوا أن قد ملكوها .. فلما جاء أهلها يطلبونها .. جزعوا أن يعطوهم إياها ..
فقال : بئس ما صنعوا ..
فقالت : هذا ابنك .. كانت عارية من الله .. وقد قبضه إليه .. فاحتسب ولدك عند الله ..
ففزع .. ثم قال : والله .. ما تغلبيني على الصبر الليلة .. فقام وجهز ولده ..
فلما أصبح غدا على رسول الله e فأخبره .. فدعا لهما بالبركة ..
فولدت له غلاما سماه رسول الله r عبد الله فجاء من صُلبه تسعة أولاد .. كلهم قد حفظ القرآن .. ([2])
* * * * * *
دعاؤه r لقبيلة دوس
وكان لذلك قصة طريفة ..
الطفيل بن عمرو ..
كان سيداً مطاعاً في قبيلته دوس ..
قدم مكة يوماً في حاجة .. فلما دخلها .. رآه أشراف قريش .. فأقبلوا عليه .. وقالوا : من أنت ؟ قال : أنا الطفيل بن عمرو .. سيد دوس ..
فقالوا : إن ههنا رجل في مكة يزعم أنه نبي .. فاحذر أن تجلس معه أو تسمع كلامه .. فإنه ساحر .. إن استمعت إليه ذهب بعقلك ..
قال الطفيل : فو الله ما زالوا بي يخوفونني منه .. حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئاً .. ولا أكلمه .. بل حشوت في أذنيَّ كرسفا - وهو القطن – خوفاً من أن يبلغني شيء من قوله .. وأنا مارّ به ..
قال الطفيل : فغدوت إلى المسجد .. فإذا رسول الله r قائم يصلي عند الكعبة ..
فقمت منه قريباً .. فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله ..
فسمعت كلاماً حسناً .. فقلت في نفسي : واثكل أمي ! والله إني لرجل لبيب .. ما يخفى عليَّ الحسنُ من القبيح .. فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول .. فإن كان الذي به حسناً قبلته .. وإن كان قبيحاً تركته .. فمكثت حتى قضى صلاته .. فلما قام منصرفاً إلى بيته تبعته ..
حتى إذا دخل بيته دخلت عليه .. فقلت : يا محمد .. إن قومك قالوا لي كذا وكذا ..
ووالله ما برحوا يخوفونني منك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك .. وقد سمعت منك قولاً حسناً .. فاعرض عليَّ أمرك ..
فابتهج النبي عليه الصلاة والسلام .. وفرح ..وعرض الإسلام على الطفيل .. وتلا عليه القرآن .. فتفكر الطفيل في حاله .. فإذا كل يوم يعيشه يزيده من الله بعداً ..
وإذا هو يعبد حجراً .. لا يسمع دعاءه إذا دعاه .. ولا يجيب نداءه إذا ناداه .. وهذا الحق قد تبين له ..
ثم بدأ الطفيل يتفكر في عاقبة إسلامه ..
كيف يغير دينه ودين آبائه !!.. ماذا سيقول الناس عنه ؟!
حياته التي عاشها .. أمواله التي جمعها .. أهله .. ولده .. جيرانه .. خلانه .. كل هذا سيضطرب ..
سكت الطفيل .. يفكر .. يوازن بين دنياه وآخرته ..
وفجأة إذا به يضرب بدنياه عرض الحائط ..
نعم سوف يستقيم على الدين .. وليرض من يرضى .. وليسخط من يسخط .. وماذا يكون أهل الأرض .. إذا رضي أهل السماء ..
ماله ورزقه بيد من في السماء .. صحته وسقمه بيد من في السماء .. منصبه وجاهه بيد من في السماء .. بل حياته وموته بيد من في السماء ..
فإذا رضي أهل السماء .. فلا عليه ما فاته من الدنيا ..
إذا أحبه الله .. فلبيغضه بعدها من شاء .. وليتنكر له من شاء .. وليستهزئ به من شاء ..
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
نعم .. أسلم الطفيل في مكانه .. وشهد شهادة الحق ..
ثم ارتفعت همته .. فقال : يا نبي الله .. إني امرؤ مطاع في قومي .. وإني راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام ..
ثم خرج الطفيل من مكة .. مسرعاً إلى قومه .. حاملاً همَّ هذا الدين ..
يصعد به جبل .. وينزل به واد ..
حتى وصل ديار قومه .. فلما دخلها .. أقبل إليه أبوه .. وكان شيخاً كبيراً ..
فقال الطفيل : إليك عني يا أبت .. فلست منك ولست مني ..
قال : ولم يا بني ؟
قال : أسلمت وتابعت دين محمد r ..
قال : أي بني ديني دينك ..
قال : فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك .. ثم ائتني حتى أعلمك مما علمت ..
فذهب أبوه واغتسل وطهر ثيابه .. ثم جاء فعرض عليه الإسلام فأسلم ..
ثم مشى الطفيل إلى بيته .. فأتته زوجته مرحبة ..
فقال : إليك عني .. فلست منك ولست مني ..
قالت : ولم ؟ بأبي أنت وأمي ..
قال : فرَّق بيني وبينك الإسلام .. وتابعت دين محمد r ..
قالت : فديني دينك ..
قال : فقلت فاذهبي فتطهري .. ثم ارجعي إليَّ .. فواّته ظهرها ذاهبة ..
ثم خافت من صنمهم أن يعاقبها في أولادها إن تركت عبادته ..
فرجعت إليه وقالت : بأبي أنت وأمي .. أما تخشى على الصبية من ذي الشرى .. ؟
وذو الشرى صنم عندهم يعبدونه .. وكانوا يرون أن من ترك عبادته أصابه أو أصاب ولده بأذى ..
فقال الطفيل : اذهبي .. أنا ضامن لك أن لا يضرهم ذو الشرى ..
فذهبت فاغتسلت .. ثم عرض عليها الإسلام فأسلمت ..
ثم جعل الطفيل يطوف في قومه .. يدعوهم إلى الإسلام بيتاً بيتاً .. ويقبل عليهم في نواديهم .. ويقف عليهم في طرقاتهم ..
لكنهم أبو إلا عبادة الأصنام .. فغضب الطفيل .. وذهب إلى مكة ..
فأقبل على رسول الله r فقال : يا رسول الله .. إن دوساً قد عصت وأبت .. يا رسول الله .. فادع الله عليهم ..
فتغير وجه النبي عليه الصلاة والسلام .. ورفع يديه إلى السماء ..
فقال الطفيل في نفسه .. هلكت دوْس ..
فإذا بالرحيم الشفيق r .. يقول : " اللهم اهد دوساً .. اللهم اهد دوساً ..
ثم التفت إلى الطفيل وقال : ارجع إلى قومك .. فادعهم .. وارفق بهم ..
فرجع إليهم .. فلم يمض عليهم وقت حتى أسلموا ..
* * * * * *
( [1] )رواه البيهقي وأحمد بإسناد صحيح ..
( [2] )رواه البيهقي وأحمد بإسناد صحيح ..