حگم الحجاب في حق المرأة المسلمة
ما حكم الحجاب في حق المرأة المسلمة، فكثيراً ما تتعرض المرأة المحجبة عندنا للسخرية من الغير، فهل هو واجب في جميع المذاهب الأربعة؟ وما تفسير الآية الكريمة: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ } [النور: 31]، وهل معنى قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ (31)} [النور] أي يغطين رؤوسهن وصدورهن مع العنق وهل يدخل الوجه في ذلك إذا كان كذلك فما معنى قوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } [النور: 31]؟
الحجاب في الجملة واجب بإجماع المسلمين، قال تعالى : {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ (53)} [الأحزاب] ، والضمير وإن كان لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم فهو عام لجميع نساء الأمة لقوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ (53)} [الأحزاب]، فهذا تعليل يشمل الجميع؛ لأن طهارة القلوب مطلوبة لكل الأمة، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (59)} [الأحزاب]، فهذا عام لجميع النساء من أمهات المؤمنين وبنات الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرهن من نساء المؤمنين، فالحجاب في الجملة واجب بإجماع المسلمين، والسفور حرام، وأما المراد بقوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا (31)} [النور]، فالصحيح من قولي المفسرين أن المراد بما ظهر منها: زينة الثياب والحلي، فالمراد بذلك الزينة التي تلبسها المرأة لا زينة الجسم، وإنما المراد الزينة الظاهرة، الزينة التي تلبسها المرأة إذا ظهر منها شيء بغير قصد، فإنها لا تؤاخذ على ذلك، أما إذا تعمدت وأظهرته فإنها تأثم بذلك ويحرم عليها، فقوله: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا (31)} [النور] أي: ظهر من غير قصد، فإذا ظهر شيء من زينة ثياب المرأة أو من حليها من غير قصد فإنها لا تأثم بذلك، ولكن إذا علمت بذلك وتركته أو تعمدت إخراجه وإظهاره فإنها تأثم لما في ذلك من الفتنة للرجال. وأما قضية إسدال الخمار المأمور به في قوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ (31)} [النور]، فالمراد بالخمار غطاء الرأس، والمعنى: أنها تغطي بخمارها وجهها ونحرها، فتدلي الخمار من رأسها على وجهها وعلى نحرها خلافًا لما كان عليه الأمر في الجاهلية، فإن نساء الجاهلية كن يكشفن نحورهن وصدورهن ويسدلن الخمار من ورائهن كما جاء في كتب التفسير، والله جلَّ جلاله أمر نساء المسلمين أن يضربن بخمرهن على جيوبهن، والمراد بالجيب فتحة الثوب من أعلاه من الأمام، فهذا يستلزم أن تغطي المرأة وجهها ونحرها ولا يظهر شيء من جسمها، لأن الوجه أعظم زينة في جسم المرأة، وهو محل الأنظار، وهو محل الفتنة، وهو مركز الحسن والجمال، فهذا هو الصحيح في تفسير الآية الكريمة أن الوجه يجب ستره، وإن كان بعض العلماء يرى جواز كشفه وكشف الكفين، ولكن كلٌّ يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا القول لا يتناسب مع سياق الآية وما فسرها به أئمة السلف من الصحابة والتابعين حتى أن ابن عباس رضي الله عنهما لما سأله عبيدة السلماني عن معنى قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ(59)} [الأحزاب] أدنى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الغطاء على وجهه وأبدى عينًا واحدة، فهذا تفسير منه للآية، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يفسر قوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا(31)} [النور] بأن المراد زينة الثياب كما ذكرنا، وليس زينة الوجه كما قاله، من قاله فيكون ابن عباس إذا رجع إلى قول ابن مسعود في آخر الأمرين كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه كان في أول الأمر يجوز للمرأة أن تبدي وجهها، ولكن بعدما نزلت آية الحجاب نسخ ذلك، وصارت يجب عليها تغطية وجهها.