قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير؟ .
قال : (( نعم ، وفيه دخن )) .
قلت : وما دخنه ؟
قال : (( قوم يهدون بغير هدي ، تعرف منهم وتنكر )) .
قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر؟
قال : (( نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها )). قلت : يا رسول الله، صفهم لنا ؟ .
فقال : ((هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا )) .
قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ .
قال : (( تلزم جماعة المسلمين وإمامهم )) .
قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ .
قال : (( فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة ، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )) [1]. ولكن هيهات !! فبالرغم من كل تلك التحذيرات النبوية الواضحة لكن أبى الناس إلا الانحراف والميل عن صراط الله المستقيم ، حيث أنهم قد ركبوا كل صعب وذلول وأمتطوا حصان الفتنة ، بعد أن ركبوا رؤوسهم وأصموا آذانهم حتى لا يسمعوا نصيحة ناصح أو موعظة واعظ .
ومن أشد الظواهر قبحاً وأعظمها انحرافاً وتيهاً ظهور أحزاب ألبسها أصحابها لباس الإسلام وأطلقوا عليها أسماء الإسلام ، وراحوا يهدمون الإسلام بمعول الإسلام .
قال علي بن حسن أبو لوز : (( ومن الظواهر التي عمَّت وطمَّت في هذه الأزمنة ظاهرة الحزبية ، فهي ظاهرة وفتنة لأنها فتنت الكثير من شباب الأمة حتى صار الواحد منهم يوالي ويعادي لحزبه ويهتف باسم حزبه ويدافع عن حزبه ... إلخ والله المستعان .
إنَّ التحزبات والتجمعات ذات المناهج المخالفة للكتاب والسنة مرفوضة في الإسلام ، فليس في الكتاب ولا في السنة ما يبيح التحزب h ، بل إنَّ في الكتاب والسنة ما يذم ذلك ، قال تعالى } إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ، إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ، ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ { [الأنعام : 159] .
وقال تعالى } كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ { [الروم : 32] )) [2] أ.هـ
( 20 ) رواه البخاري ( 1 / 615 فتح ) ومسلم ( 1847 ).
( 21 ) كيف نعالج واقعنا الأليم : 199 .
h) الحزب ـ كما عرفه أهل العلم ـ هو كل جماعة لها رأس ، سواء قلة أم كثرت ، توالي وتعادي على أساس الحزب وتنتصر لارادته ومقرراته . ومن المعلوم أن كلمة الحزب لم تحرم لذاتها وإنما يحرم ما يندرج تحتها من مضمون ، ولهذا نرى أن الله تعالى قد قسَّم الناس إلى حزبين أثنين لا ثالث لهما :
الأول : سماه بحزب الله وهم ممن تحزبوا واجتمعوا على ما يرضي الله تعالى ، حيث أكد سبحانه على نصرهم وغلبتهم في الدنيا فقال تعالى َ]مَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [ [المائدة : 56] ، وأكد على فلاحهم في الآخرة فقال تعالى ] َلا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ [المجادلة : 22]
الحزب الثاني : حزب الشيطان وهم ممن تحزبوا واجتمعوا على ما لا يرضي الله تعالى حيث أكد تعالى على خسارتهم وعدم فلاحهم في الدنيا والآخرة ، فقال تعالى ] أسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [ [المجادلة : 19] .