قال: ورائي امرأة عظيمة!
فاروق جويدة:الصحافة قدر متعب..!
ليس له جيش أو حراس, ولم تشغله المناورات, سلاحه فقط كان الحب الذي أخلص فيه للشعر وللصحافة والوطن, حافظ علي قلمه ومازال يواصل مسيرة النضال.. هو الشاعر والكاتب فاروق جويدة الذي حاورناه هذه المرة بشكل مختلف.
لمن تقول.. في كل عام أنت يا قدري مواسم فرحة؟
في الحقيقة مواسم الفرحة تأتي قليلة ولحظات السعادة نادرة, ولكن في كل لحظة جديدة ينبغي أن يتوقع فيها الإنسان لحظة فرح, وإذا كان الواقع يبدو مظلما لابد أن نحلم بالمستقبل.
معني هذا أن الإنسان لا يملك سوي الحلم؟
الحلم من ضروريات الحياة.
ومن تقول لها.. أنت يا قدري طريق شائك؟
الصحافة, لأنها قدر متعب ومرهق, فكل كلمة محسوبة وكل موقف له ثمن, خاصة إذا التزم الإنسان بالحق والحقيقة.
معني هذا أنه لو عاد الزمن لما اخترت طريق الصحافة؟
لم يتردد وقال: لا..! كنت سأختارها طبعا, ولن أختار غير هذا الطريق, لأن الصحافة قدر جميل رغم كل المتاعب الموجودة به.
من يستحق أن تمضي له في جناح الريح؟
الشعر والقصيدة أمضي لهما في أي مكان وأبحث عنهما في أي ظرف من الظروف, وأطاردهما ولو كانا خلف الشمس.
ألا يوجد بشر يستحق أن تمضي له في جناح الريح؟
القصيدة كائن حي وليست شيئا جامدا, وهي الشيء الوحيد الذي يمنعني النوم ويطاردني في أي حلم.
من الذي لم يتركك وحيدا في متاهات السفر؟!
القلق, فأنا إنسان قلق من المستقبل قلق من الحاضر وقلق علي الماضي, فجزء من حياتي هو القلق والتوتر.
تقصد مستقبلك الشخصي أم مستقبل الوطن؟
المستقبل بالنسبة للأمة كلها ومستقبل الإنسانية فليس قلقي علي جزء خاص بي.
كيف يري جويدة الشاعر مستقبل الأمة والوطن؟
إذا كان المستقبل سيدار بمثل هذه الطريقة, وإذا كنا سنمضي بنفس الأسلوب ونفس الفكر ونفس السياسة فأنا أعتقد أن المستقبل لن يكون في صالحنا ولن يكون مطمئنا.
ماذا تقصد بالطريقة؟
أولا نحن في أشياء كثيرة خارج حدود العصر وخارج حدود الزمن, ونفكر بطريقة غريبة جدا في حل مشاكلنا وليست هناك جدية في تعاملنا مع هذه المشاكل.
لا أنت أنت ولا الزمان هو الزمان.. لمن توجه هذه الرسالة؟!
للثقافة المصرية, فهي لم تعد كما كانت بنفس توهجها ورموزها ومفكريها, ولم يعد الواقع المصري الثقافي كما كان مبهرا ومضيئا.
هل البيئة اختلفت أم هو عيب في البشر أنفسهم؟!
البيئة اختلفت والرموز غابت وقيمة الثقافة في حياة الناس ذهبت.
من الذي هربت عيناه من ثأر قديم؟
الاستعمار, الذي عاد بوجه جديد وأغلق صفحة الماضي وهربت عيناه من جرائمه السابقة وتصور أن الشعوب قد نسيت وجاء لنا في شكل وثوب جديدين.
معني هذا أننا نحن الذين هربنا من الثأر وغفرنا للاستعمار؟!
والله أنا أري أن البعض غفر وليس فقط غفر بل تواطأ.!
من الذي لم تعد تشعر في ربوعه بالأمان؟
قانون الطوارئ, لم أشعر في يوم من الأيام بالأمن معه, ولن أشعر.!
ما هو الحدث الذي لم يعد يكفيه الغضب؟!
ما يحدث في العالم العربي, فما يحدث في العراق لا يكفيه الغضب وما يحدث في لبنان لم يعد يكفيه الغضب وما يحدث في فلسطين وقد غضبنا كثيرا وآن لنا أن نسلك طريقا غير الغضب.
إلي أين تتجه هذه البلاد العراق ـ لبنان ـ إيران ـ سوريا؟!
العراق تتجه نحو تقسيم لا جدال فيه ومخاطر التقسيم أصبحت واردة الآن أكثر من أي وقت مضي, وللأسف الشديد أن دولا كثيرة تتصور أنها خارج حدود التقسيم ولكن قضية التقسيم مطروحة في معظم الدول العربية, أما إيران فهي قوة اقليمية صاعدة عليها أن تتصرف بحكمة, أما لبنان وسوريا فأخشي عليهما من تقسيمهما لقوي متفرقة مؤيدة للغرب. وأخري رافضة وسنعود لفرض سياسة الاستعمار التي كانت موجودة في الماضي.!
ميلادك في قرية أفلاطون هل جعلك متشبثا بأماني المدينة الفاضلة لأفلاطون؟
أنا أعتقد أن أي شاعر لابد أن يبحث عن حلم في مدينة فاضلة وفي مجتمع أفضل وفي حياة أكثر انسانية وأنا أتصور أن قضية أي شاعر في حياته هي أن يبحث عن القيم الجميلة وأن يروج للجمال ولا يكون داعية قبح.
في أي وقت من الأوقات, وشيء طبيعي أن يتصور أي شاعر أنه جاء ليبحث عن مدينة فاضلة ويدعو لها.!
لو لم تتخرج في كلية الآداب قسم الصحافة هل كنت ستصبح شاعرا أيضا؟!
كان يمكن أن أكون طبيبا شاعرا مثل إبراهيم ناجي أو شاعرا مهندسا مثل علي محمود طه فالمهنة شيء والشعر موهبة.
تشرف علي أول صفحة ثقافية يومية في تاريخ الثقافة العربية.. هل تري أن صفحة الثقافة بالأهرام مازالت علي نفس ثقلها؟!
غاب عنها شيء مهم جدا هو رموز مصر التي رحلت فهذه الصفحة نشأت في نهاية السبعينيات وكانت تحتضن بها توفيق الحكيم ولويس عوض ونجيب محفوظ وحسين فوزي ويوسف إدريس وبنت الشاطئ وعبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور.. أعد هؤلاء إلي الحياة مرة أخري تعد الثقافة كما كانت.
ولكن المجتمع ولاد؟!
ليس بمثل الأحجام التي كانت في الماضي.
ماذا ينقص المثقفين في مصر؟!
الضمير والجدية والبعد عن لغة المصالح
ماذا تقصد بلغة المصالح؟
أن الإنسان يجعل مصلحة الوطن والناس فوق أي اعتبار شخصي.
رغم أنك شاعر في المقام الأول إلا أنك عملت محررا بالقسم الاقتصادي بالأهرام.. ألا تري هذا غريبا؟!
هذا صدفة, حين كنت في بداية حياتي الصحفية اختارني الأهرام أن أعمل محررا في الصفحة الاقتصادية.
ألم تجد معاناة في هذا ببعدك عن الشعر؟!
لاشك أنني كنت أعاني طبعا لبعدي عن الشعر, فهذه 9 سنوات سقطت سهوا من حياتي!!
عضو نقابة الصحفيين ـ عضو جمعية المؤلفين ـ عضو اتحاد الكتاب ـ عضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلي للثقافة.. هل تري هذه الهيئات تقوم بدورها المطلوب؟
بالتأكيد لا.. فما أكثر المؤسسات في مصر وما أكثر المجالس في مصر وما أكثر اللجان الاستشارية وما أكثر المشاكل أيضا.!
نقابة الصحفيين خاصة لماذا تراجع دورها؟!
نقابة الصحفيين دورها تراجع لأنها دخلت في صراعات بعيدة تماما عن الفكر والعقل.!
شاركت في مهرجانات شعرية غربية ودولية في أكثر من مناسبة ثقافية دولية بآسيا وأوروبا.. ما أعجب شيء لاحظته في هذه المناسبات وأحزنك علي واقعنا المصري والعربي؟!
إن مساحة الثقافة العربية ــ عالميا ــ محدودة للغاية فأتذكر أنه كان هناك مهرجان شعر في اليونسكو بنهاية التسعينيات وحزنت كثيرا أن الكتب المترجمة من الثقافة العربية والشعر العربي للغة الفرنسية بجانب مثلا دولة كإيران والهند أو دول افريقيا الناطقة بالفرنسية كانت محدودة جدا, حيث لم يزد مجموع مترجمات الشعراء العرب علي 4 أو 5 كتب في حين كانت هناك سلاسل من الشعر الايراني والهندي والافريقي وشعراء أمريكا اللاتينية.!
ما السبب في عدم اهتمام وزارة الثقافة في مصر بالترجمات؟
هناك فرق بين أجهزة تدير الثقافة بمنطق العلاقات العامة وأخري تديرها بمنطق الدور والموقع والفكر والمسئولية, فنحن نتعامل مع الثقافة بصورة هامشية جدا ابتداء بأخبار المثقفين وانتهاء بالعمل الثقافي, والثقافة الآن في مصر في آخر أولويات الحكومة وآخر أولويات المجتمع وآخر أولويات المثقفين أيضا.
وما الذي أفرحك في المهرجانات الخارجية.؟!
هذه المهرجانات طبعا صورة من صور تلاقي الحضارات فنحن دائما نتكلم عن الآخر وعن رفض الآخر والصراع معه في حين أنه عندما يلتقي الشعراء مع بعضهم يكتشفون أن العالم قريب.!
رصيدك في الحياة الفكرية 42 كتابا .. أي هذه الكتب أحب إلي فاروق جويدة ولماذا؟
لا أقول لك إن كلها أولادي مثلمايقولون, ولكن طبعا الأولوية عندي لكتب الشعر وهي حوالي 22 كتابا منها ثلاث مسرحيات, فالشعر عندي يسبق كل إبداعاتي, فأنا ضعيف أمام شعري اعترافا وإحساسا ومسئولية.!
أنت شاعر وكتبت في المسرح الشعري وكذلك القضايا السياسية والثقافية .. فأين تجد متعتك أكثر.؟!
مازالت القصيدة هي موطني.
كتبت كثيرا في أدب الرحلات فهل يعني هذا أن فاروق جويدة سافر كثيرا؟
طبعا السفر بالنسبة لي كان تجربة جميلة جدا, خاصة بعض السفريات التي كان لها تفاصيل مثل رحلتي للهند أو رحلتي لإفريقيا أو لأمريكا, فهناك محطات مهمة جدا بالنسبة للسفر في حياتي استفدت منها, ففي الهند أحببت طاغور الفيلسوف وفي إفريقيا اكتشفت أن هناك عالما مظلوما ومغمورا ويعيش خارج التاريخ والزمن بسبب الاستعمار والاحتلال والتبعية, وفي أمريكا اكتشفت أنني أمام مجتمع مبهر للبعض بلا أسباب موضوعية فأنا لم أنبهر بأمريكا علي الاطلاق ولا بالنموذج الأمريكي مثل بعض المثقفين.
مسرحية الوزير العاشق عام 1983 من أكثر المسرحيات الشعرية السياسية التي أثارت ردود فعل واسعة في وقتها .. هل هناك مايمنعك من كتابة مسرحية بهذا المستوي الآن.؟!
أنا انتهيت من مسرحية باسم هولاكو ستخرج للنور قريبا, وتدور حول سقوط بغداد وأحداث العراق.!
تقصد بـ هولاكو بوش؟!
يعني ..!
هل تري مصر دولة تقدر المفكرين والأدباء.؟!
أحيانا, ليس في كل الأوقات وليس مع كل المفكرين, فالسلطة إذا أرادت فعلت والمسألة لغة مصالح.!
في رأيك أموال مصر كيف ضاعت؟!
ضاعت في سراديب وبلاعات كثيرة جدا, ابتداء من المهرجانات والانفاق الحكومي وانتهاء بالديون!
من عاتبته وقلت له لأني أحبك؟
للمسرح, ففي السنوات الأخيرة عندما توقفت عن كتابة المسرح ورجعت مرة أخري, رغم كل المشاكل التي عانيتها في مسرحياتي لأنني فعلا أحب المسرح.!
متي تقول: زمان القهر علمني؟
كلما قرأت أي موضوع عن المعتقلين في السجون بلا أسباب.!
هل كانت لك تجربة اعتقال؟
لا.. الحمد لله.
من الذي تقول له: اغضب؟
للشعب العربي في كل مكان.
متي قلت لن أبيع العمر؟
لصاحبة الجلالة حينما ساومتني السلطة علي قلمي.!
بماذا تشعر حينما يقال إنك ملك الحب؟!
أشعر أنني استطعت أن أتوج نفسي من خلال الكلمة ملكا دون جيوش ودون حراس ودون بلاط ولا وزارة أو حكومة.
هل تشعر أن هناك شاعرا بدأ يسحب منك البساط؟!
لايوجد شاعر يسحب من آخر البساط فالشاعر مملكة مستقلة بذاتها.
قلت: إنك تكتب من الواقع ولكنك تحلق في السماء.. هل يعني هذا أنك تري الواقع مظلما؟
بالتأكيد الواقع مهما تكن ظروفه فإن أحلام الشاعر لابد أن تتجاوز هذا الواقع حتي ولو كان الواقع جديدا.
قلت أيضا: سأرفع يدي من القبر محتجا لو تم السلام مع إسرائيل دون أن يكون عادلا .. هل تري إمكانية وجود سلام مع اسرائيل؟!
{ إذا كان هناك سلام عادل فأنا سأكون أول المؤيدين له ولكن هل إسرائيل تريد هذا السلام بالفعل, أنا أشك في هذا.
هل تري أنك مازلت تحافظ علي نفس بساطتك التي حملتها من القرية؟
نعم, مازلت حتي الآن, فأنا لم تبهرني أضواء المدينة.
هل تري الكتاب الآن يعقدون الأمور في كتاباتهم؟
لا أعتقد ذلك, بالعكس الكتاب يبسطون الأمور أكثر من اللازم, ولايعطونها حقها المطلوب.
هل حدث أن كتب جويدة كلمة ندم عليها؟
لم أندم علي سطر كتبته, شعرا كان أو غيره.
هل هناك أشياء كتبتها ولكنك رفضت نشرها؟
طبعا هناك أشياء كتبتها ولم تنشر حتي الآن منها جزء كتبته في شبابي وهذه لم ولن أنشرها وهناك قصائد في الفترة الأخيرة لم تنشر لأن الوقت والظروف لايسمحان وستخرج في يوم من الأيام.
تقرأ الفتيات كتبك وتحفظ أبياتك عن ظهر قلب .. فهل حدث أن أوصاك أحد في بناته خيرا؟!
كثيرون أوصوني, من الأصدقاء وغير الأصدقاء وأنا طبعا ضيف أراعي حرمة البيوت.
من تقول له: يارفيق العمر؟!
زوجتي, هي التي رافقتني في هذه الرحلة, ووراء فاروق جويدة امرأة عظيمة.
ومن هو رفيق الدرب؟!
الشعر!
متي تأوه جويدة وقال: آه من آمالنا الحمقي؟
حينما وجدت كل أحلام الإنسان العربي في التقدم والرخاء تتراجع أمام سلطة غاشمة!
أمازال جويدة يحيا بالشعر كالغدير المطمئن؟
بالتأكيد فالشعر هو شيء مهم جدا في حياتي.
متي تاه الدرب من فاروق جويدة؟
في بعض الأحيان التي لم أستطع فيها أن أكون نفسي!
بمعني؟
بمعني أنه دائما كان هناك صراع بين الإنسان والشاعر والكاتب يضعني في اختبارات صعبة مابين الصحفي والكلمة المكتوبة صحفيا والشعر كان هناك بعض حالات الأرق النفسي بين كل هؤلاء!
ولكن لو خير جويدة؟!
لاخترت الشعر.
مارأيك في شعر العامية؟!
أحب الجيد منه.
أكثر شاعر عامية تحبه؟!
أحب بيرم وجاهين والأبنودي ورامي طبعا.
يتهمك البعض بالبعد عن أوجاع الناس في شعرك؟!
إذا كان شعري يحتوي في 90% منه علي أوجاع الناس فأنا قدمت ديوانا كاملا في رحاب القدس, وعشرات القصائد ابتداء بالعبارة وانتهاء بقصائدي عن كل القضايا العربية والمصرية, فالهم العام أخذ من شعري أكثر مما أخذ الهم الخاص, ولذا فهذه التهمة غير منطقية.
هل الشعر حب فقط؟!
الحياة حب وليس الشعر فقط, إذا كان الحب ضرورة في الحياة فهو ضرورة أكثر في الشعر.
من الشاعر الذي تري فيه بارقة أمل الآن؟
شعراء كثر جدا, قصائدهم واعدة ولا أريد أن أذكر أسماء حتي لا أهمل أحدا.
تهتم في مقالاتك بأحوال القضاة في مصر.. تري أين تكمن مشكلة القضاء في مصر؟
مشكلة القضاة مشكلة سهلة وبسيطة ولكن تنقصها الحكمة, فالحكومة تعاملت معها بقدر كبير من التعسف وهذا لايليق بالتعامل مع حماة العدالة.