أنَّ المرأة مساوية للرجل في الإنسانية وفي أغلب تكاليف الإسلام وفي جزاء الآخرة كما قال - تعالى -: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}
وكذا في الموالاة والتناصر؛ ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "النساء شقائق الرجال" أخرجه أحمد (6/256) وأبو داود في الطهارة (236) من حديث عائشة، وصحَّحه الألباني في الصحيحة (2863).
ولكن الإسلام مع ذلك نظر في طبيعة المرأة ومدى تحملها لبعض العبادات وصعوبتها كالجهاد في سبيل الله، أو لعدم ملاءمتها للمرأة كملابس الإحرام، فأسقطها عنها. ومن ذلك عدم جواز تولية المرأة للمناصب العامة كالخلافة والقضاء؛ لذا يقول رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - "لا يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة"، وأمَّا ما يورده بعضهم أنَّ الإسلام ظلم المرأة في إعطاء الذكر من الميراث ضعفيها، فإنَّه يقال لهؤلاء: مادام أنَّه - تعالى - قد شرع ذلك فينبغي على العبد المسلم أن يستسلم لشرعه ولا يعترض عليه كما قال - تعالى -: {وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}
ثمَّ إنَّ الله ما دام قد خلقنا فلا اعتراض عليه لقوله - تعالى -{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}
وقد قال - تعالى -: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}
فما دام الشرع من عنده - تعالى -فينبغي على عبيده الاستسلام والخضوع لأمره، ويقال كذلك: إنَّ الشريعة الإسلامية لم تعط المرأة أقل من الرجل في جميع المواريث، فإنَّه في العصبات قد تستحقُّ المرأة نصف الميراث أو أكثر، فليست المواريث مطَّردة في إعطاء المرأة أقلَّ من الرجل، ومما يجاب على ذلك بأنَّ الشريعة فرضت للذكر مثل حظِّ الأنثيين؛ لأن الرجل هو القوَّام على المرأة، والمتولي شؤونها فيما تحتاجه، فالقضية ليست للتفضيل الذي لا يستند إلى حكمة من ورائه بقدر ما هي للفرق بين المسؤوليات.
ولقد بان حقاً أن المرأة لو بلغت ما بلغت من العلم والثروة الفكرية، أو المخزون المعلوماتي، فللفطرة التي ركَّبها الله فيها جعلتها تطلب الفوارق عن الرجال في معاملة الإدارات لها؛ فالمرأة في الغرب تجد روح المساواة في العمل، ولكنَّها تطالب بإجازات وضع الحمل، ورعاية أطفالها، فأين إذن دعاوى المساواة بين الرجل والمرأة حتى في مجال العمل؟!
إنَّ المرأة خُلقت من نفس واحدة، إذ كان وجودها الأول مستنداً لوجود آدم - عليه الصلاة والسلام - وقد بيَّن الله - سبحانه وتعالى - ذلك فقال: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} (الزمر: 6).
وهذا أمر كوني قدري من الله، أنشأ المرأة في إيجادها الأول عليه، وجاء الشرع الكريم المنزل من عند الله ليعمل به في أرضه، بمراعاة هذا الأمر الكوني القدري في حياة المرأة في جميع النواحي، فجعل الرجل قوَّاماً عليها، وجعلها مستندة إليه في جميع شؤونها، كما قال - تعالى -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} (النساء: 34).
فمحاولة مساواة المرأة مع الرجل في جميع نواحي الحياة غير متحققة؛ لأنَّ الفوارق بين النوعين كوناً وقدراً أولاً، وشرعاً منزلاً
ثانياً، تمنع من ذلك منعاً باتاً،
ولهذا يقول - تعالى -في محكم التنزيل: {وللرجال عليهنَّ درجة}
يعني في الحقوق الزوجية ولوضوح الفوارق الكونية والقدرية والشرعية بين الذكر والأنثى، وصحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه لعن المتشبه من النوعين بالآخر. ولا شك أنَّ سبب هذا اللعن هو محاولة من أراد التشبه منهم بالآخر لتحطيم هذه الفوارق الفطرية والشرعية التي لا يمكن أن تتحطَّم.
كما نص القرآن على أن شهادة امرأتين بمنزلة شهادة رجل واحد، في قوله - تعالى -: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ...} (البقرة: 82)،
فالله الذي خلقهما لا شك أنَّه أعلم بحقيقتهما، وقد صرح في كتابه بقيام الرجل مقام امرأتين في الشهادة.
قال - تعالى -: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ.. } (النساء: 32)(وانظر بتوسع: أضواء البيان للشنقيطي5/169)
ومن جميل ما أختم به هذه القضيَّة ما قاله الأديب مصطفى صادق الرافعي - رحمه الله - للمرأة المسلمة: "احذري تهوُّس الأوروبية في طلب المساواة بالرجل، لقد ساوته في الذهاب إلى الحلاَّق، ولكنَّ الحلاَّق لم يجد اللحية! " وحي القلم (1/264).