في انتظار الخير
تتوالى الأيام ، تتوارى خلف السنين ، تسرع الخطى ، تمضي قدما ًفي انتظار الخير، تتسابق الخطوات وترفع الهامات وتلهج الألسن بالدعاء
أن تهطل علينا حبات الخير .
نطوي أيام العمر بلا شفقة ، نركلها بلا هوادة ، نشحذ المسير ونكثف الآمال أن لا يتأخر الخير .
نرفع الأيدي إلى السماء ، نلحّ بالدعاء ، نتوسل
الاستسقاء أن تهطل حبات الخير فتروي حقولنا
العطشى ودماءنا الظمأى وسنابلنا الجرداء ، أن تهطل حبات الخير فتغسل روحنا وصبرنا من غبار السفر وأتربة الأزمنة المتعفنة .
نمضى قدما ًونسرع في الخطى، نتجاوز الأيام ،
نفر من عجلة السنين ، نتسابق في أخذ أماكننا لانتظار الخير الذي طال انتظارنا إليه وكبرت رقعة الأشواق وامتدت دائرة الأحلام وأنحسر
الأفق على أمل واحد أن نغتسل بحبات الخير ،
فتضيء أيامنا وحقولنا وسنابلنا ويتهافت الطير
ليبني في جبيننا أعشاشه وتستقر على هاماتنا الحمائم .
وحين كان يداهمنا التعب ، ويعلو صفير اللهاث من تعب المسير نأوي إلى ركن الذكريات نحاورها برفق كي لا نخدشها أو يصيبها
العطب ، نتذكر أول سنين الخير كيف اغتسلنا صباح العيد ؟ وكم امتد ذلك الصباح ؟ نتذكر حين تشابكت الأيدي في حلقات الفرح الدائرة ، كيف أضيئات حقول الحب وأزهرت سنابل الأمل ؟
كيف افترشنا سنين التاريخ من البحر إلى النهر ؟
واعتلينا هامات الأفق وأمسكنا بزمام الغيوم
لتمطر في حقولنا وعلى مدار العمر ؟ .
صحونا من غفوة الذكريات على( زعيق ) أحدهم
كان يزعق بصوت لا ينسى : سيتأخر الخير هذه
السنة ، لا تسرعوا الخطى قد لا يأتي الخير هذه السنة ، قد لا يأتي في السنة القادمة ، قد لا يأتي في هذه الأزمنة ،قفوا ، لا تتقدموا ، لا تنقلوا الخطى ، قد يتأخر هطول الخير ، قد لا يأتي الخير .
أفقنا مذعورين ، هرولنا من ركن الذكريات ، تتبعنا الصوت مستفسرين : وهذا الركض طوال
السنين ، طوال العمر ؟... موقوف ! والعودة إلى البدايات ؟ ... ممنوع ! وإتمام المسيرة وحلم النهاية ؟ مرفوض ! ونحاول أن نفهم ، كيف يكون الخير موقوفاً ، والعود ممنوعاً ، والسير قدما ً مرفوضاً ، ويستمر العمر ؟ كيف ؟ كيف ؟
أدركنا لاحقا ً أننا في انتظارنا الخير ، وهطول حبات الخير ، ضاع العمر ! ضاع العمر !.