جوسف پريستلي
جوسف پريستلي {{**** (و. 13 مارس 1733 - 8 فبراير 1804) فيلسوف طبيعي بريطاني, ورجل دين معارض, ومنظر سياسي ومعلم. أهم ما يُذكر به اكتشافه في نفس الوقت مع أنطوان لاڤوازييه لغاز الأكسجين.
ظل الفضل في اكتشاف الأكسجين ينسب طويلا إلى جوزف بريستلي لا إلى شيليه، لأنه اكتشفه مستقلا عن شيليه، وأذاع اكتشافه هذا في 1775 قبل عامين من نشر شيليه المتأخر لكشفه. ومع ذلك فنحن نكرمه لأن أبحاثه أتاحت للافوازييه أن يضفي على الكيمياء شكلها الحديث، ولأنه كان من الرواد في الدراسة العلمية للكهرباء، ولأنه أسهم بشجاعة في الفكر البريطاني عن الدين والحكومة حتى أن جماعة متعصبة من الغوغاء أحرقت بيته في برمنجهام وحملته على الالتجاء إلى أمريكا. وقد لمس تاريخ الحضارة في نقط كثيرة، وهو واحد من أعظم شخصياته إلهاماً. ولد في يوركشير في 1733، لمشاط من المنشقين على الكنيسة الرسمية. وأكب بنهم على دراسة العلم، والفلسفة، واللاهوت، واللغات؛ فتعلم اللاتينية، واليونانية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والعربية، وحتى طرفاً من السريانية والكلدية. واشتغل أول الأمر واعظاً منقشاً في سافوك، ولكن عقده في لسانه انتقصت من تأثير بلاغته في السامعين. فلما بلغ الخامسة والعشرين نظم مدرسة خاصة بعث الحياة في منهاجها بتجارب في الفيزياء والكيمياء. وفي الثامنة والعشرين أصبح معلماً في أكاديمية للمنشقين في وارنجتن، وهناك علم خمس لغات، ووجد رغم ذلك الوقت ليجري أبحاثاً أكسبته زمالة في الجمعية الملكية (1776). في تلك السنة التقى بفرانكلن في لندن فشجعته على تأليف كتابه "تاريخ الكهرباء ووضعها الراهن" (1776) وهو مسح جدير بإعجاب للموضوع بأسره حتى جيله. وفي 1767 عين راعياً لكنيسة مل هل بليدز. وقد تذكر في تاريخ لاحق من حياته، إنه "نتيجة لسكناي حيناً بقرب مصنع عمومي للجعة أغريت بإجراء تجارب على الهواء الثابت(31). لأن عجين مصنع الجعة انبعث منه غاز ثاني أكسيد الكربون. وقد أذابه في الماء، وأعجبته نكهته الفوارة؛ وكان هذا أول "ماء صودا".
وفي 1772 أعفى من هموم الرزق بتعيينه أمين مكتبة للورد شلبيرن. وفي البيت الذي جهز له بكولن أجرى التجارب التي أكسبته شهرة دولية.
وقد حسن "وعاء هيلز الغازي" بأن جمع فوق الزئبق، بدلا من الماء، الغازات التي ولدها بأنواع مختلفة من المزج. ففي 1772 عزل أكسيد النتريك، وأكسيد النتري (الغاز الضحاك) وكلوريد الهيدروجين؛ وفي 1773 النشادر (مستقلاً عن شيليه)؛ وفي 1774 ثاني أكسيد الكبريت؛ وفي 1776 بيروكسيد الأزوت. وفي 15 مارس 1775 أرسل إلى جمعية الملكية خطاباً أذاع فيه كشفه للأكسجين. وقد وصف طريقته في المجلد الثاني من كتابه تجارب ومشاهدات في مختلف أنواع الهواء (1775) فقال أنه باستعمال عدسة حارقة قوية: "شرعت... بالاستعانة بها في أن أفحص نوع الهواء الذي تطلقه أنواع كثيرة جداً من المواد) حين تسخن بهذه الطريقة (بوضعها في... أوان... مملوءة بالزئبق ومقلوبة في حوض الزئبق... وبهذا الجهاز...، في أول أغسطس 1774، حاولت استخراج الهواء من الزئبق المكلس وحده (أكسيد الزئبق) وسرعان ما وجدت أن الهواء يطرد منه بسرعة باستعمال هذه العدسة... والذي أدهشني دهشة لا يمكنني التعبير عنها أن شمعة اشتعلت في هذا الهواء بلهب قوى جداً(32).
فلما لاحظ-كما لاحظ شيليه- أن في استطاعة فأر أن يعيش أطول في هذا الهواء المنزوع اللاهوب أو الفلوجستون (كما سمى الأكسجين) مما يعيش في الهواء العادي، خطر له أن يجرب بنفسه الهواء الجديد. "لن يعجب القارئ لأنني بعد أن أكد لي عظم صلاحية الهواء المنزوع اللاهوب من حياة الفئران فيه، وبغير ذلك من التجارب التي سبق ذكرها، تطلعت إلى تذوقه بنفسي. فأشبعت فضولي باستنشاقه وسحبه من زجاجة سيفون؛ وبهذه الطريقة أحلت أبريقاً كبيراً مملوءاً به إلى مستوى الهواء العادي. ولم يكن إحساس رئتي به يختلف اختلافاً محسوساً عن إحساسهما بالهواء العادي. ولكن خيل إلي أن صدري ظل بعض الوقت بعدها يحس بأنه خفيف إلى درجة غريبة. ومن يدري، فلعل هذا الهواء النقي سيصبح يوماً ما أداة عصرية من أدوات الترف؟ أما إلى اليوم فإن أحداً لم يستمتع باستنشاقه سواي أنا وفأرين(33)...
وقد تنبأ ببعض صور هذا الترف المستقبل: لنا أن نحزر-من قوة لهيب الشمعة المضاءة في هذا الهواء النقي وسطوعها الزائد-أنه قد يكون أصلح جداً للرئتين في حالات مرضية معينة، حين لا يكفي الهواء العادي إزالة الزفر الفلوجستي الفاسد (ثاني أكسيد الكربون) بالسرعة الكافية. ولكن ربما استنتجنا أيضاً من هذه التجارب أنه وإن كان الهواء المنزوع اللاهوب (الأكسجين) مفيداً جداً كدواء ، فإنه قد لا يكون بمثل هذه الصلاحية لنا في حالة الصحة العادية للبدن، لأن الشمعة تشتعل في الهواء المنزوع اللاهوب بأسرع مما تشتعل في الهواء العادي، ومن ثم فقد نفني حياتنا بأسرع مما ينبغي وتستهلك فينا القوة الحيوانية على عجل في هذا النوع النقي من الهواء(34).
وقد تألفت تجارب بريستلي بالفروض المثمرة والإدراكات اليقظة، ولكن تفسيراته النظرية كان أكثرها تقليداً. فقد ظن كما ظن شتال وشيليه أنه في الاحتراق يخرج الجسم المشتعل مادة هي الفلوجستون (اللاهوب) وذهب إلى أن هذه المادة تتحد مع أحد مكونات الهواء ليكونا "الهواء التالف" أو "الهواء ذات اللاهوب" (وهو الأزوت) أما المكون الآخر فسماه"الهواء المنزوع اللاهوب" وهو ما سيطلق عليه لافوازييه اسم الأكسجين. وبينما كان لافوازييه يقول بأن الجسم في عملية الاحتراق يمتص الأكسجين من الهواء بدلا من أن يطرد الفلجستون فيه، ظل بريستلي إلى آخر حياته متمسكاً بالمفهوم القديم. وفي 1774 سافر مع اللورد شلبيرن إلى القارة، وأخبره بتجارب الأكسجين. وفي 1780 أحاله شلبيرن إلى التقاعد بمعاش سنوي قدره 150 جنيهاً. واستقر بريستلي في برمجنهام قسيساً أصغر لجماعة كبيرة من المنشقين تدعى "المحفل الجديد". وانضم إلى جيمس وات، وجوسيا ودجوود، وارزمس داروين، وماثيوبولتن، وغيرهم في "جمعية قمرية" تناقش أحدث الأفكار في العلم، والتكنولوجيا، والفلسفة. وكان محبوباً من جميع الطبقات تقريباً وموضع الإعجاب لوجهه البشوش، وتواضعه، وسماحته، وطهارة حياته التي لا تشوبها شائبة(35). ولكن بعض جيرانه ارتابوا في مسيحيته. وفي كتابه "مقالات في المادة والروح" (1777) رد كل الأشياء، حتى النفس، إلى المادة وأصر على أن هذا الرأي شئ لا غبار عليه.
"فمعلوم جيداً لأهل العلم... إن ما عناه القدماء بالكائن اللامادي إنما هو نوع مهذب مما ينبغي أن نسميه الآن مادة، شئ كالهواء أو النفس، زود الناس لأول مرة باسم للنفس... ومن ثم لم يستعبد القدماء من العقل خاصية "الامتداد" والضغط المحلي. فقد كان لهم في رأيهم بعض الخواص المشتركة بينه وبين المادة، وكان في استطاعته أن يتحد معها، وأن يؤثر فيها ويتأثر بها... وعليه فقد رؤي أن... قوة الحس أو التفكير... يمكن أن تنقل لأغلظ ضروب المادة... وأن "النفس" "والجسم" لا بد أن يموتا معاً لأنهما في الواقع مادة واحدة(36).
وفي كتاب آخر نشره في نفس العام اسمه"شرح عقيدة الضرورية الفلسفية"، أنكر بريستلي بحماسه حرية الإرادة أسوة بهارتلي وهيوم. وفي كتابه "تاريخ تحريفات المسيحية" (1782) رفض المعجزات وسقوط آدم، وكفارة المسيح، وعقيد الثالوث. وذهب إلى أن هذه العقائد كلها تحريفات أدخلت أثناء تطور المسيحية؛ إذ لا وجود لها في تعاليم المسيح والرسل الأثنى عشر. ولم يبق من المسيحية في بريستلي غير الإيمان بالله المبني على شهادة للقصد الإلهي. ولم يكن راضياً تمام الرضى عن فكرة الخلود، فألمع إلى أن الله في يوم الحشر سيعيد خلق الأموات جميعاً. على أن رجاه الحقيقي لم يكن معقوداً على سماء في الآخرة بل على "بوتوبيا" تبنى على هذه الأرض بانتصار العلم على الخرافة والجهل. وندر أن عبر إنسان بحرارة كما عبر بريستلي عن دين القرن الثامن عشر، وعن التقدم، إذ يقول:
كل المعرفة ستقسم فروعاً وتوسع، ولما كانت المعرفة قوة كما لاحظ اللورد بيكون، فإن قوى البشر ستزداد في الواقع، فالطبيعة -مواردها وقوانينها- ستكون في متناول أكثر من ذي قبل، وسيجعل الناس وضعهم في هذا العالم أشد يسراً وراحة، وأغلب الظن أنهم سيطيلون وجودهم فوقه، وسيصبحون كل يوم أسعد حالاً، كل سعيد في ذاته، وأقدر (وأكثر ميلاً في ظني) على توصيل السعادة لغيره. ومن ثم، فأياً كانت بداية هذا العالم، فإن نهايته ستكون أمجد وأسعد مما يستطيع خيالنا الآن أن يتصوره...(37) وطوبى للذين يسهمون في نشر النور النقي لهذا الإنجيل الخالد(38). وفي رؤيا بريستلي أن بعض هذا التقدم المجيد سيكون سياسياً، وسيبنى على مبدأ إنساني بسيط "فتحقيق الخير والسعادة... لأغلبية الناس في أي دولة، هو المعيار الذي يجب أن يقرر به نهائياً كل شئ يمت إلى تلك الدولة(39). ويقول بنتام أنه وجد هنا مصدراً من مصادر فلسفة المنفعة التي بشر بها. وعند بريستلي أن الحكومة العادلة الوحيدة هي التي تستهدف إسعاد مواطنيها. ومما يتفق تماماً مع المسيحية أن يطيح الشعب بالحكومة التي يتضح له ظلمها. وقد أجاب عن تحذير القديس بولس الذي قال فيه "إن السلاطين الكائنة هي مرتبة من الله." بقوله "للسبب نفسه ستكون سلاطين المستقبل مرتبة من الله أيضاً(40).
وكان طبيعياً أن يتعاطف ثائر كهذا مع المستعمرات في احتجاجها على فرض الضرائب عليها دون أن يكون لها ممثلون في البرلمان البريطاني. وقد صفق للثورة الفرنسية بحرارة أشد حتى من حرارة تعاطفه مع المستعمرات. ولما ندد بها بيرك دافع عنها بريستلي فدمغه بيرك في البرلمان بالهرطقة. وكان بعض أصدقاء بريستلي يشاركونه آراءه المتطرفة. وفي 14 يوليو 1791 اجتمعت "جمعية برمنجهام الدستورية" في الفندق الملكي للاحتفال بالذكرى السنوية لسقوط الباستيل. ولم يحضر بريستلي الاحتفال. واحتشد جمع أمام الفندق واستمعوا إلى اتهامات زعمائهم للمهرطقين والخونة، ثم قذفوا نوافذ الفندق بالحجارة، ففر أصحاب المأدبة. وانطلق الجمع إلى بيت بريستلي فأحرقوه مبتهجين وأتوا على مختبره وأدواته ومكتبته ومخطوطاته. ثم ظلوا ثلاثة أيام يجوبون أنحاء برمنجهام وهم يقسمون أن يقتلوا جميع "الفلاسفة"؛ وراح المواطنون المروعون يخطون على زجاج نوافذهم عبارة "لا يوجد هنا فلاسفة". وفر بريستلي إلى ددلي، ثم لى لندن. ومنها وجه رسالة في 19 يوليو إلى أهل برمنجهام قال فيها:
مواطني وجيراني الأسبقون. بعد أن عشت معكم أحد عشر عاماً، خبرتم كلكم على السواء خلالها ذلك المسلك المسالم الذي كنت أسلكه في العكوف على الواجبات الهادئة لمهنتي وللفلسفة، لم أتوقع قط تلك الأضرار التي أوقعتموها مؤخراً بي وبأصدقائي... وعقول الإنجليز لحسن الحظ تستبشع "القتل"، ومن ثم لم تفكروا فيه (وهو ما أرجوه). ولكن ما قيمة الحياة إذا ارتكب كل شئ لجعلها شقية تعسة؟.. لقد دمرتم أثمن وانفع جهاز حقاً من الأجهزة الأدوات الفلسفية... لقد دمرتم مكتبة.... لا يمكن لمال أن يشتريها من جديد إلا بعد زمن طويل ولكن ما يحز في نفسي أكثر من هذا أنكم دمرتم مخطوطات هي ثمرة الدرس الكادح في سنوات كثيرة، ولن أستطع أبداً إعادة تأليفها من جديد؛ وقد فعلتم هذا بإنسان لم يؤذكم ولم يخطر له قط أن يؤذيكم.
وتخطئون إذا ظننتم أن مسلككم هذا قد يخدم قضيتكم أو يضر قضيتنا... فلو أنكم قضيتم على كما قضيتم على بيتي، ومكتبي، وأجهزتي، فإن عشرة أشخاص آخرين لهم من الجرأة والكفاية ما يعادل مالي أو يفوقه سيظهرون على الفور. ولو قضي على هؤلاء العشرة لظهر بدلهم مائة... نحن في هذا الأمر أشبه بالحملان وأنتم بالذئاب. وسنتمسك بخلقنا، ونرجو أن تغيروا خلقكم. وأياً كان الأمر، فإننا نرد على لعناتكم بالبركات، ونرجو أن تثوبوا سريعاً إلى ما امتاز به أهل برمنجهام فيما مضى من جد واجتهاد وعادات رزينة. وإنني المتمني لخيركم، المخلص،
ج. بريستلي
ولكنه قاضى المدينة مطالباً بتعويض، وقدر خسارته بمبلغ 4,500 جنيه. وأعان قضيته تشارلز جيمس فوكس، ومنحته برمنجهام 2,502 جنيهاً. فحاول أن يستقر في مواطن جديد في إنجلترا ولكن رجال الكنيسة، وأنصار الملكية، وزملاءه في الجمعية لملكية، تجنبوا صحبته(42).
وعرضت عليه الأكاديمية الفرنسية للعلوم عن طريق سكرتيرها كوندورسيه بيتاً ومختبراً في فرنسا. وفي 8 أبريل 1794 هاجر إلى أمريكا، وكان يومها في الحادية والستين، واختار بيته الجديد في مدينة نورثمبرلاند، في بنسلفانيا وطن فرانكلن، على ضفاف نهر سسكويهانا الجميل الذي سيحلم به بعد قليل كولردج وسوذي. ثم استأنف تجاربه واكتشف تركيب أول أكسيد الكربون. وقد احتفت به الجماعات العلمية وعرض عليه كرسي الكيمياء في جامعة بنسلفانيا. وفي 1796 ألقي على الجامعيين في فيلادلفيا سلسلة من الأحاديث عن "الشواهد على المسيحية" وكان من بين جمهور المستمعين جون آدمز نائب رئيس الجمهورية وكثيرون من أعضاء الكونجرس. ومن هذه الاجتماعات انبعثت جمعية للموحدين. وبعد عامين اقترح تيموثي بيكرنج، الوزير في حكومة الرئيس آدمز، ترحيل بريستلي بوصفه أجنبياً غير مرغوب فيه. ووضع انتخاب جفرسن (1800) نهاية لقلق بريستلي، فأتيحت له أربعة أعوام من السلام. وفي 1803 كتب آخر أبحاثه العلمية التي ظل يدافع فيها عن الفلوجستون ومات في نورتميرلاند في 6 فبراير 1804. وفي 1943 قررت الهيئة التشريعية البنسلفانية أن يكون بيته بيتاً تذكارياً قومياً.
وبينما اضطلع توماس بين بحملة بريستلي بوصفه مسيحياً متمرداً، واصل هنري كافندش أبحاثه في كيمياء الغازات. وكان كافندش ابن لورد، وابن أخي دوق، وقد ورث في الأربعين ثروة من أعظم الثروات في إنجلترا. كان خجولا متردداً في حديثه، مهملا في لباسه، فعاش عيشة النساك في مختبره بكلابهام كومن بلندن، ولم يسع إلى الشهرة. وتميزت أبحاثه بالتدقيق الشديد في قياس جميع الموارد ووزنها قبل التجربة وبعدها، وقد أعانت هذه المعايرات لافوازييه على أن يصوغ مبدأه القائل بأن كمية المادة تظل ثابتة في التغيرات الكيميائية.
وفي 1766 أنهى كافندش إلى الجمعية الملكية تجاربه على "الهواء الصناعي" أي الغاز المشتق من الجوامد. فقد توصل بإذابة الزنك أو القصدير في أحماض إلى استخراج ما سماه "الهواء القابل للاحتراق"؛ وقال أن هذا والفلوجستون شئ واحد، ونحن نسميه الآن الهيدروجين. وكان كافندش أول من أدرك أنه عنصر متميز، وعين وزنه النوعي. وفي 1783، وجد-وهو يتابع تجربة أجراها بريستلي- أنه إذا مررت شرارة كهربية في مزيج من الهواء العادي "والهواء القابل للاحتراق" تكاثف جزء من لمزيج وتحول إلى ندى. واستنتج من هذا التحليل الكهربي أن الماء مركب من 2.014 حجماً من "الهواء القابل للاحتراق" إلى حجم واحد من هواء برستلي المنزوع الفلوجستون، أو كما نقول الآن (يد 2 ا). وكان هذا أول برهان قاطع على أن الماء مركب لا عنصر (وقد ألمع جيمس وات، مستقلا، إلى نفس التركيب للماء في نفس السنة 1783). وبعد أن مرر كافندش ثانية شرارة كهربية في مزيج من الهيدروجين والهواء العادي حصل على حمض النتريك، واستنتج أن الهواء النقي مركب من الأوكسجين والنتروجين (الأزوت). (وكان دانيال رذرفورد الأدنبري قد اكتشف النتروجين بوصفه عنصراً متميزاً في 1772). واعترف كافندش بوجود بقية صغيرة لم يستطع تعليلها، ولكنه قدرها فبلغت 0,83 من لكمية الأصلية. وقد ظل هذا سراً غامضاً حتى 1894، حين عزل رايلي ورامزي هذا الجزء الذي نسميه الآن الأرجون، بوصفه عنصراً قائماً بذاته، ووجدا أن وزنه 0.94 من الهواء العادي. وهكذا أثبتت دقة موازين كافندش.