غزة
غزة مدينة تاريخية قديمة، لا بل إنها من أقدم المدن التي عرفها التاريخ.
إنها ليست بنت قرن من القرون، أو وليدة عصر من العصور، وإنما هي بنت الأجيال المنصرمة كلها، ورفيقة العصور الفائتة كلها،
من اليوم الذي سطر التاريخ فيه صفائحه الأولى إلى يومنا هذا.
وإنه لتاريخ مجيد تاريخها. ذلك لأنها صمدت لنوائب الزمان بجميع أنواعها، حتى لم يبق فاتح من الفاتحين، أو غازٍ من الغزاة المتقدمين والمتأخرين الذين لهم صلة بالشرق
إلا ونازلته : فإما يكون قد صرعها، أو تكون قد صرعته .
لقد تضاربت الآراء والتفاسير في معنى كلمة (غزة ) :
* هناك من يقول أن الكلمة مشتقة من القوة والمنعة من ( العزة ) ومن القائلين بذلك المؤرخ أوسابيوس وكذلك ويليام سميث في قاموس العهد القديم .
ويعلل هذا لكثرة الحروب التي جرت فيها وحولها , والتي صمدت لها صمود الجبابرة .
* وهناك من يقول إن معناها الخزينة أو الثروة ومن القائلين من يعزو ذلك إلى أصل فارسي وهو المتروبوليت صفرونيوس في كتابه قاموس العهد الجديد , ويقول إن
(غازا ) كلمة فارسية معناها الكنز الملكي . ويعلل هذا الفريق رأيه برواية وردت في كتب التاريخ أن ملكاً من ملوك الفرس دفن فيها
ثروته , وغاب عنها .
* وقد جاء في معجم البلدان عند تفسير كلمة (غزة) "أن العرب تقول قد غزّ فلان بفلان واعتز به إذا اختصه من بين أصحابه "
ومعنى ذلك أن الذين بنوا غزة قد اختصوا هذا الموقع لبنائها من بين المواقع الأخرى الواقعة على حوض البحر الأبيض المتوسط.
وقال أبو المنذر أن ( غزة ) كانت امرأة صور الذي بنى مدينة صور , واياها أراد الشاعر بقوله :
ميت بردمان وميت بسلــ *** ـمان وميت عند غزات
والأرجح هو الرأي الأول والمعنى الأول .
ويوجد فوق الكرة الأرضية ثلاث مدن بهذا الاسم :
1. الأولى في جزيرة العرب , وهي التي ذكرها أبو منصور فقال : رأيت في بلاد بني سعد بن زيد بن مناة بن تميم رملة يقال لها غزة .
2. الثانية بلد أفريقية , بينها وبين القيروان نحو ثلاثة أيام . تنزلها القوافل القاصدة إلى الجزائر . وقد ذكرها أبو عبيد البكري , والحسن بن محمد المهلبي في كتابهما.
3. والثالثة ( غزة ) من أعمال فلسطين .
ذكر العالم الأثري المشهور السر فلندرس بتري أن غزة القديمة أنشئت قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة , وأنها كانت يومئذ فوق التل المعروف
بتل العجول وأن سكانها الأقدمين هجروها بسبب الملاريا التي اجتاحتها . فحطوا رحالهم في بقعة من الأرض تبعد عن الأولى ثلاثة أميال ,
وأنشأوا غزة التي نعيش فيها ونراها إلى يومنا هذا .
وهناك من يقول إنها لم تتغير في المكان وإنما أعيد بناء المدينة الجديدة على أنقاض القديمة وأن تل العجول لم يكن سوى ثغرها التجاري
الذي كانت ترسو فيه السفن والمراكب التجارية . والقائل بذلك هو سترابون