السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الإمام ابن القيم في مدارج السالكين :
علم اليقين: هو أن تسمع بالشيء ولا تراه فهذا علم، ولكنك إذا تيقنت منه فهذا علم اليقين؛ فإذا علمت بشيء فتيقنت منه كان لديك علم اليقين.
وحق اليقين: هو أن يخبرك الثقاة بأمور تواترية تبلغ درجة حد التواتر، فتتيقن دوماً أن هذا الأمر صحيح، فيكون عندك درجة حق اليقين.
وعين اليقين: هو أن ترى الشيء بنفسك ثم ضرب على ذلك مثالاً؛ فقال: تسمع من الناس أن العسل لذيذ الطعم، وأنه طيب المساغ، وأنه سلس المذاق، فيكون عندك جزم من استقراء كلام الناس عن العسل أنه طيب فهذا علم اليقين، يخبرك أطباء ومدربون وأناسٌ كثيرون أن العسل من أحسن المطعومات فيكون عندك حق اليقين.
تأتي فتذوق العسل فيصبح عندك عين اليقين. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ثُمّ َكَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ [التكاثر:4-5] لو كان عندكم في الدنيا علم يقين يصل إلى القلوب ما فعلتم هذه الأفاعل، بالله هل يترك الصلاة من عنده علم يقين؟
بالله! هل يستهزئ بآيات الله ويستهتر بالمبادئ الخالدة في الدين من عنده علم يقين؟!
بالله هل يقضي وقته باللعب واللهو والغناء والمجون والسفور من عنده علم يقين؟!
بالله هل يخل بفرائض الله من عنده علم يقين؟!
وعن منزلة اليقين ، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "هو من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافسَ المتنافسون، وإليه شمَّر العاملون، وعملُ القوم إنما كان عليه وإشاراتُهم كلُّها إليه، وإذا تزوَّج الصبر باليقين وُلد بينهما حصول الإمامة في الدين. قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24].
وخصَّ سبحانه أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين،فقال وهو أصدق القائلين: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) [الذاريات:20].
وخصَّ أهل اليقين بالهدى والفلاح من بين العالَمين، فقال: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة:4، 5].
وأخبر عن أهل النار أنهم لم يكونوا من أهل اليقين، فقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) [الجاثـية:32].
فاليقين روح أعمال القلوب التي هي روح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصِّدِّيقية، وهو قُطب هذا الشأن الذي عليه مداره".