السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل تصدق أن كلامك من عملك؟ :
عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
((إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه, ومالك في الموطأ]
هل تصدقون: أن كلامكم من أعمالكم؟.
العوام يتوهمون: أن العمل شيء, والكلام شيء آخر, يقول لك: كلام بكلام, صار كلاماً صفراً.
هذا هو الخطأ الفاحش, هذا هو الجهل بعينه, لن تستقيم على أمر, إلا إذا عددت كلامك من عملك, إلا إذا عددت كلامك جزءاً من عملك؛ فقد تقول كلمة لا تلقي لها بالاً, من رضوان الله تعالى ترتفع بها عند الله إلى أعلى الدرجات, وقد تتكلم بالكلمة -من سخط الله تعالى- لا تلقي لها بالاً, تهوي بها في جهنم إلى أسفل سافلين.
إليكم هذا المثال على أن الكلام جزء من العمل :
أضرب لكم بعض الأمثلة:
السيدة عائشة أم المؤمنين, ذكرت عن أختها صفية –ضرتها-, قالت:
((قصيرة –فقط, ما قالت فوق ذلك- فقال عليه الصلاة والسلام: يا عائشة, لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته))
هذا كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى.
إلى أن تعتقد -أيها الأخ الكريم-: أن كلامك جزء من عملك, عندئذ ترقى عند الله.
ما الذي يمنعك إذا جلست مع أسرتك, مع أصدقائك, مع جيرانك, أن تذكر الله عز وجل؟
أيها الأخوة, هؤلاء الذين يجلسون في السهرات, في المجالس, في الندوات, على الولائم, وينهشون أعراض الناس, ويطعنون بزيد, ويتهمون عبيد؛ بلا بينة, بلا دليل, يوزعون التهم على الناس, هؤلاء يقومون -كما قال عليه الصلاة والسلام- من مجلسهم عن أنتن من جيفة حمار.
ما الذي يمنع المؤمن؛ إذا جلس مع أسرته, مع أخوانه, مع أصدقائه, مع جيرانه, مع زملائه, جلس مع من يسافر معه؛ في وليمة, في عقد قران: أن يذكر الله عز وجل.
((ما جلس قوم يذكرون الله عز وجل؛ إلا غشيتهم الرحمة, ونزلت عليهم السكينة, وحفتهم الملائكة, وذكرهم الله فيمن عنده))
((لا يستقيم إيمان عبد, حتى يستقيم قلبه.
-قال تعالى:
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ﴾
[سورة الشعراء الآية:88]
﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾
[سورة الشعراء الآية:89]
((ولا يستقيم قلبه, حتى يستقيم لسانه))
[أخرجه الإمام أحمد في مسنده]
ما قاله الغزالي عن آفات اللسان :
الإمام الغزالي, عد في إحياء علوم الدين, أربعة عشر مرضاً من أمراض اللسان, سماها آفات, آفات اللسان؛ فالغيبة من آفات اللسان.
رجل قال له: بلغني أنك اغتبتني, فقال له: ومن أنت حتى أغتابك؟ لو كنت مغتاباً أحداً, لاغتبت أمي وأبي, لأنهما أولى بحسناتي منك. فهمتم؟.
لأن الذي تغتابه, سيأخذ كل حسناتك يوم القيامة.
كلام النبي من أصح الأحاديث, لا ينطق عن الهوى.
انتبه إلى كلامك لأنه محسوب عليك :
((إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه, ومالك في الموطأ]
فكلامك جزء من عملك, قبل أن تنطق, فكر: هذه الكلمة؛ هل فيها استهزاء بأحد؟ هل فيها استعلاء؟ هل فيها سخرية؟ هل فيها غمز؟ هل فيها لمز؟ هل فيها طعن؟ هل فيها استخفاف؟ هل فيها كبر؟.
آلاف الكلمات التي من سخط الله تعالى.
يعني: شخص –هكذا- وضعه المادي جيد جداً, قال: المال يحل كل شيء, الدراهم مراهم.
قال لي: والله جلست في المنفردة, تسعة وستين يوماً, وأنا بريء, لأنني عند الله مذنب, لهذه الكلمة التي قلتها: المال يحل كل شيء.
لا يحل كل شيء إلا فضل الله عز وجل.
من اعتمد على ماله ضل.
أغنى أغنياء العالم يموت جوعاً, لهذه الكلمة قصة أصغ السمع لها :
يروون: أن أحد أكبر أغنياء العالم يهودي روتشيلد, يعني عنده كان مستودعات سبائك الذهب, بيت بكامله, كان يقرض الدولة البريطانية.
قال: مرة دخل لمستودع السبائك الذهبية, والباب أغلق خطأ, وبيت محصن, مدعَّم, فصاح, وصاح, وضرب, وخبط, إلى أن أوشك على الموت, فجرح أصبعه, وكتب على الجدار: أغنى أغنياء العالم, يموت جوعاً.
مات جوعاً, أغنى أغنياء العالم, كان يقرض الدولة البريطانية, مات في صندوقه الحديدي, صندوقه غرفة.
هو من عادته أن يسافر كثيراً, يتنقل كثيراً, ظن أهله أنه مسافر, انتقل لبلد آخر. فشاءت حكمة الله أن .......
باخرة تيتانيك :
فالكلمة ..... باخرة اسمها تيتانيك, أضخم باخرة صنعت في العصور الوسطى, في عام ألف وتسعمئة واثني عشر هذه صنعت.
هذه الباخرة أفخر باخرة صنعت على الإطلاق في حينها, كل جدرانها مزدوجة, بحيث لو صار في خرق, هناك إغلاقات عرضية, وكأن الخرق لم يكن.
هذه الباخرة, أول باخرة تسافر إلى أمريكا, من دون قوارب نجاة, السبب:
قال: لأن القدر لا يستطيع إغراق هذه الباخرة, في نشرة, الباخرة تعليمات: إن العدو لا يستطيع إغراق هذه الباخرة.
في أول رحلة لها من لندن إلى بوستن, ركب فيها أثرياء أوروبا, يعني نخبة, صفوة الصفوة, الحلي التي على نساء الراكبين, قال: المبلغ فلكي, الحلي فقط, أن الذي معه ألف مليون, معه زوجته, طبعاً معها خاتم ألماس بثلاثة ملايين؛ فيها معها حلي غالية جداً, فيها مسابح, فيها مطاعم, فيها حدائق, فيها نوادي ليلية, أجمل التريات, أجمل الخشب, أجمل الفرش, يعني كل ما في الحضارة في هذه الباخرة.
في أول رحلة لها من بريطانيا إلى بوستن, في عرض البحر, اصطدمت بجبل ثلجي فشطرها شطرين, أرسلت إشارات إنذار, كل من حولها: ظن أن هذه الإشارات احتفالات, لأنهم يعلمون أن القدر لا يغرق هذه الباخرة, قبل سنة وجدوها في عرض المحيط.
حنين درس لنا :
كلمة قالتها:
((قصيرة, قال لها: يا عائشة, لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته))
كلمة.
حسناً: الصحابة في حنين ماذا قالوا؟.
كلمة قالوا؛ صحابة كرام, وفيهم النبي العظيم, وجاهدوا معه في بدر, وأحد, والخندق, وبذلوا أموالهم, ودماءهم في سبيل الله, وجاهدوا في الله حق جهاده, وهم نخبة المجتمعات البشرية, ومع كل هذه الميزات, قالوا كلمة.
قال: لن نغلب من قلة. نحن كثر.
قال:
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾
[سورة التوبة الآية:25]
درس.
إذا الله عز وجل ما سامح الصحابة, وفيهم رسول الله, نحن من؟. فكلمات غير منضبطة, كلمات فيها استعلاء, كلمات فيها تحد.
أحياناً يقول لك: فلان دخله قليل, لا يفهم شيئاً, أنت يعني أفهم منه؟! الله رزقك.
إياك أن تقول كلمة فيها تفاوض, فيها تجبر, فيها استعلاء, فيها اعتداد, فيها احتقار, إياك؛ الله عز وجل يفقرك ويغنيه, ويضعفك ويقويه, ويمرضك ويشفيه, إياك.
إن رأيت نعمة أسبغها الله عليك, فاشكر الله, وإن رأيت إنساناً مبتلى, فاشكر الله دون أن تسمعه.