أشراط الساعة
إنَّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وإتيانها قريب { يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا } [الأحزاب:63] .
ولما كان أمر الساعة عظيماً شديداً كان الاهتمام بشأنها والعناية بأمرها أكثر من غيرها ، ولذلك أكثر النبي صلى الله عليه وسلم من بيان أشراطها وعلاماتها وأخبر في نصوص كثيرة عما يقع بين يديها من الفتن البعيدة والقريبة ، ونبَّه أمته وحذَّرها ليتهيَّئوا لذلك الأمر العظيم { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد:18] .
لقد أخبر النبي الكريم في أدلة متكاثرة ونصوص متضافرة أنَّ الساعة سيكون بين يديها أمارات عظيمة تدل على قرب مجيئها ، وعلامات كثيرة تشير إلى دنو وقتها ؛ حثاً على الاستعداد ، ودعوةً إلى التهيؤ والانتباه ، وتحذيراً من اللهو والإعراض والغفلة .
عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال : اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ : ((مَا تَذَاكَرُونَ ؟ )) قَالُوا نَذْكُرُ السَّاعَةَ ، قَالَ : (( إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ . فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ : خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ )) [1]
وقد دلت النصوص الواردة في ذلك على أن أمارات الساعة على ثلاثة أنواع :
1- أمارات بعيدة ؛ وهي التي قد حصلت وانتهت . كانشقاق القمر مثلاً ، قال الله تعالى { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } [القمر:1-2] .
وكبعثته صلى الله عليه وسلم ، فعن أنس رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ )) [2]
2- والنوع الثاني : أمارات متوسطة أو علامات الساعة الصغرى ، وهي كثيرة منها ما جاء في حديث جبريل المشهور حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم ((فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا قَالَ : أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا ، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ )) [3].
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا )) [4].
وعن عبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهما قالا : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ ، وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ ، وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ)) [5].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ ، وَقَطِيعَةَ الأَرْحَامِ ، وَائْتِمَانَ الخَائِنِ ، وَتَخْوِينَ الْأَمِينِ)) [6].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ : تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ ، وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ ، وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ ، وَفُشُوُّ العِلْم ، وَظُهُورَ الشَّهَادَةِ بِالزُّورِ وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ )) [7].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((إِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ )) قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : (( إِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ)) [8] .
والأحاديث في هذا كثيرة .
3- والنوع الثالث من أمارات الساعة : الأمارات العظام وهي الأمارات الكبيرة التي تظهر قبل قيام الساعة عند دنوها ، كخروج الدجال والمسيح ابن مريم والمهدي وطلوع الشمس من مغربها وغيرها ، وقد مرَّ معنا حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه في عدِّ تلك العلامات وورد في بيانها أحاديثُ عديدة . ومن شأن هذه العلامات العظام أنها إذا ظهرت واحدةٌ منهن تتابعن بعدها ولم ينفعْ حينئذٍ نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبل : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} [الأنعام:158] .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ؛ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَالدَّجَّالُ ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ)) [9].
وإنَّ أعظم هذه العلامات وأشدها فتنةً خروج المسيح الدجال - أعاذنا الله وإياكم من فتنته - عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : ((مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنْ الدَّجَّالِ)) [10]ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يحذِّر أمته منه ويأمرهم بالاستعاذة من فتنته مطلقاً وأدبار الصلوات المكتوبة ، وكان يخبر عن الأنبياء قبله أنهم كانوا يحذِّرون أممهم من فتنته ، وكان يذكر صفته وأخباره وكيف تتقى فتنته . عن أنس رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ ، أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ : كَافِرٌ)) [11].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا عَنْ الدَّجَّالِ مَا حَدَّثَ بِهِ نَبِيٌّ قَوْمَهُ : إِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ بِمِثَالِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ؛ فَالَّتِي يَقُولُ إِنَّهَا الْجَنَّةُ هِيَ النَّارُ ، وَإِنِّي أُنْذِرُكُمْ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ))[12].
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ))[13]أي فليبتعد عنه .
اللهم أعذنا من الفتن كلها والشرور جميعها ، اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال .
*********
________________
[1] رواه مسلم (2901) .
[2] رواه البخاري (6504) ومسلم (2951) .
[3] رواه مسلم (8) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
[4] رواه البخاري (80) ، ومسلم (2671) .
[5] رواه البخاري (7062 و 7063) ، ومسلم (2672) .
[6] رواه البزار (كشف الأستار) (3413) ، وصححه لغيره الألباني رحمه الله في (الصحيحة) (2238).
[7] رواه البخاري في ( الأدب المفرد ) (1049) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح لأدب المفرد ) (805) .
[8] رواه البخاري (6496) .
[9] رواه مسلم(158) وأحمد (2/445- 446) .
[10] رواه مسلم (2946).
[11] رواه البخاري (7131) ، ومسلم (2933) .
[12] رواه البخاري (3338) ، ومسلم (2936) .
[13] رواه أحمد (4/431) ، وأبو داود (4319) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح الجامع) (6301) .