(ألم تر َ إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربهِ....)
كان فيما مضى أربعة يملكون الدنيا، مؤمنين وكافرين، فأما المؤمنان فهما ذو القرنين وسيدنا سليمان، وأما الكافران فهما النمرود وبختنصر. والنمرود هو: النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح، ادعى لنفسه الربوبية، واستمر ملكه أربعمائة عام، وطغى وبغى وتجبر وعتا، وآثر الحياة الدنيا، وكان في بابل، وكان عنده طعام يعده للناس الذين يفدون إليه ويأخذون منه الطعام، فوفده سيدنا إبراهيم، في جملة من وفدوا لأخذ الطعام، ولم يكن اجتمع قبل هذا، فقابله ودعاه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فدفع النمرود الجهل والضلال وطول الإمهال على إنكار الخالق، وادعى أنه إله، فقال له إبراهيم، إن الله هو الذي يحيي ويميت، فقال النمرود: أنا أحيي وأميت، فأتى برجلين قد حكم بقتلهما، فأمر بقتل أحدهما وعفا عن الآخر، وادعى بذلك أنه يحيي ويميت، فلم يناقشه إبراهيم، بخطأ استدلاله وبطلان ما ادعاه، بل قال له:إن هذه الشمس كل يوم تطلع من المشرق، كذلك سخرها خالقها ومسيرها وقاهرها، وهو الذي لا إله إلا هو، خالق كل شيء، فإن كنت زعمت أنك تحيي وتميت فائت بهذه الشمس من المغرب، وإن لم تفعل فلست كما زعمت وأنت تعلم أنك أعجز وأقل من أن تخلق بعوضة، فبين له ضلاله وجهله وكذبه فيما ادعاه، ولم يبق للنمرود كلام يجيب به إبراهيم بل انقطع كلامه وسكت.
فخرج إبراهيم من عنده ولم يأخذ منه الطعام، فلما قرب من أهله عمد إلى كثيب من التراب فملأ منه حمله وقال داعياً: أشغل أهلي إذا قدمت عليهم، فقدم أهله ووضع حمله واتكأ ونام، فقامت امرأته سارة إلى حمولة إبراهيم فوجدتها مليئة بالطعام الطيب، فأعدته؛ ولما استيقظ إبراهيم ووجد الطعام فقال: أنى لكم هذا؟ قالت: من الذي جئت به، فعرف أنه رزق من الله، وأرسل الله تعالى إلى النمرود ملكاً يأمره بالإيمان بالله فأبى، فدعاه ثلاث مرات فأبى، فقال الملك اجمع جموعك وأجمع جموعي ( أي يريدان الحرب) فجمع النمرود جيشه وقت طلوع الشمس، فأرسل الله عليه أسراباًُ من البعوض كثيرة بحيث لم يروا منها عين الشمس، وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماؤهم، وتركتهم عظاماً، ودخلت بعوضة في منخر النمرود، فمكثت فيه فترة طويلة من الزمن، عذبه الله بها، فكان يضرب رأسه بالمزراب طوال هذه المدة حتى أهلكه الله، بها
وهكذا دائماَ نهاية الظالمين