بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
غريبةٌ تلك الحياة !!
تدخلها صغيراً طاهراً نقياً من الذنوب ,
وتخرج منها وقد أثقلت كاهلك الذنوب ،
الرب فيها بنعمته رباك ، ومن فيض جوده أطعمك وسقاك ,
مِن عُريٍ سَتركَ وكساك , وبِعينيهِ الرحِيمتَين رَعاك .
من زادِه أكلتَ وشَرِبت , وعلى أرضه نَشَأت ،
وتحت سمائِه درجت .
نِعمُهُ عليك كثيرة ...ظاهرةً وباطنه....
{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا }
في كل لحظةٍ له عليك امتِنان , وعن كل نَسمةٍ يستحق الشُكران ,
وأنت عن هذا كله قد غفلت .
تتظاهر بالغِنى عنهُ وهو الغني عنك ، وتُجاهِرهُ بالعصيان فيسترك,
وتتطاول على محارمه فيمهلك .
تزداد عنه بعداً وهو دوماً منك قريب ، فسبحانه حين قال:
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } .
فسبحانك ربنا ، ما أحلمك!.
أستغفر الله من ذنـبٍ يُؤَرقُنـِــي .........
ويطرُدُ النوم عن عيني ويحزِنُني
أستغفر الله كيف الرب أعصِيه .........
ونِعمةٌ منه في الإكرام تغــــمرني
كلنا يذنب ..... ولكن !!!
هناك فرق بين من يذنب فتراه بعد الذنب خائفاً وجِلاً ,
وبين ذلك الذي يذنب الذنب ولا يبالي ,
وربما ذُكر بأن هذا الذنب عصيان لله عز وجل ,
فإذا به يجعل الله أهون الناظرين إليه والعياذ بالله .
أخي في الله :
قبل أن تفكر في الذنب فكر من هذا العظيم الكبير الجليل الذي
تتجرأ عليه وتَتَقَحَمُ حماه ، وتبارزه بالذنوب والخطايا،
فكأنك أخي لم تسمع قول الجبار سبحانه:
{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }
تأمل في حجم السماوات والأرض الآن , وكيف سيكون حجمها
وهي بيد الرحمن ,
فأين حجمك أنت حينها ...
إياك ... إياك أخي في الله :
أن تحقر شيئاً من الذنوب وإن بدت لك أنها صغيرة،
فإنها في حق الله جل وعلا كبيرة,
فبقدر ما يصغر الذنب عندك... يعظم عند الله ,
وبقدر ما يعظم عندك , فإنه يصغر عند الله .
فإياكم ومحقرات الذنوب فإن الصغير منها يدعو للكبير.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
[ إن المُؤمنَ يَرى ذَنبَهُ كأنَّهُ في أصل جَبَل يَخافُ أن يَقَعَ عَليه
وإنّ الفاجرَ يَرى ذُنوبَهُ كَذُباب وَقَعَ عَلى أنفه فقال لَهُ هكذا ..
أي أبعده بيده .
فمن أي الفريقين ترى نفسك عند ارتكابك للذنوب ؟!!. ]
أخي في الله :
إن كنت في دنياك قد أسرفت , وعن ربك قد ابتعدت ,
فتدارك نفسك مادام في العمر بقية ،
وأبشر برب رحيم كريم حليم .
يقول الله تعالى :
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
أنظر إلى كرم الله ولطفه بك حتى وأنت مسرف على نفسك ,
لقد وعدك بغفران الذنوب كلها ولم يقل بعضها .
فماذا عساك تنتظر بعد ذلك ,
وما الذي عن طلب مغفرته يؤخرك .
أقبل على الله ولا تتردد .
وأعقب كل معصية توبة , وكل خطيئة إستغفارآ ،
وأبشر بكل خير.فلا أحلم ولا أرحم من الله .
فهو الذي يأمر ملك السيئات حين تعصيه أن يمهلك
ساعات قبل أن يكتبها عليك , رغبة منه أن تتوب منها.
إن أصبت حسنة حط عنك بها من السيئات ،وضاعفها لك عشرات المرات .
حتى وإن تماديت في ذنبك ، يظل الرب الرحيم يناديك ،
وفي الكثير من آياته يدعوك .
يقول لك الله جل وعلا في الحديث القدسي :
(يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي ،
يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي ،
يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا
لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) .
أخي :
لا تستكبر على الكبير وأنت الصغير ، ولا تستغني عن الغني
وأنت الفقير.
وأعلم أنك لو مكثت سنوات طوالاً في عصيانه ,
ثم أتيتيه يوماً صادقاً ترجي القبول , فسيفتح لك الأبواب ,
فسبحانك يا ربي ما أعظمك .............
سبحانك يا ربي ما أحلمك.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي
عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ:
( أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ،
فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ،
وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ ، فَأَذْنَبَ ،
فَقَالَ : أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ،
فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ
وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، ثُمَّ عَادَ ، فَأَذْنَبَ ،
فَقَالَ : أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ،
فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا ،
فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ ،
وقوله فليفعل ما شاء أي مادام أنه على هذه الحال يستغفر عن كل ذنب
يقع منه.
اللهم إنك تعلم أننا نحبك وإن كنا نعصيك ,
فاغفر لنا يا الله ...