(5) مسألة بدء المرء بالدعاء لنفسه وللغير :
من هديه صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالدعاء لنفسه :
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَعَا بَدَأَ بنفْسِهِ ".(22)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَعَا بَدَأَ بِنَفْسِهِ ، وَقَالَ : رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى ، لَوْ صَبَرَ لَرَأَى مِنْ صَاحِبِهِ الْعَجَبَ ، وَلَكِنَّهُ قَالَ :"إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِي عُذْرًا".(23)
ومن هديه أيضًا صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالدعاء لغيره :
عن عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: " يَرْحَمُ اللَّهَ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ".(24)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ".(25)
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ:" رَحِمَهُ اللَّهُ ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً ؛ أَسْقَطْتُهَا فِي سُورَةِ كَذَا وَكَذَا".(26)
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ ، وَلا تًَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ".(27)
ومن المستحب الدعاء لعموم المسلمين والمؤمنين :
لقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : "وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ "{ محمد :19}.
وقوله تعالى عن نوح عليه السلام : "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ "{نوح :28} ، وقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : " رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) " { إبراهيم : 41}
وقوله تعالى عن المؤمنين : " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10 { الحشر : 10}
وسيأتي معنا دعائه صلى الله عليه وسلم لعموم أمته في " بيان رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته في باب الدعاء " ، وقد سبق معنا آنفًا بيان استجابة الله لدعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب ، وأن الملك يرد عليه بقوله ولك بمثله ،وأن المسلم يؤجر حسنة عن كل مؤمن أو مؤمنة لاستغفاره لعموم المؤمنين .
(6) النهي عن أن تحجر واسعًا :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ :اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا ، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ:" لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا "،يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ . (28)
(7)استحباب تكرار الدعاء وطلب المغفرة ثلاثًا :
فعن ابن مسعود رضي الله عنه ؛ في حديث دعائه صلى الله عليه وسلم على الملأ من قريش قال : وَكَانَ إِذا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا ، وَإِذا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا -قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْك بِقُرَيْش - ثَلَاث مَرَّات -. . ."الحديث (29)
(8)عزم المسألة :
عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ ، وَلاَ يَقُولَنَّ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي ، فَإِنَّهُ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ". (30)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ إِذَا دَعَا : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ، لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ ، فَإِنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ". (31)
قال الإمام النووي – رحمه الله - : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا دَعَا أَحَدكُمْ فَلْيَعْزِمْ فِي الدُّعَاء ، وَلَا يَقُلْ : اللَّهُمَّ إِنْ شِئْت فَأَعْطِنِي فَإِنَّ اللَّه لَا مُسْتَكْرِه لَهُ "وَفِي رِوَايَة : " فَإِنَّ اللَّه صَانِع مَا شَاءَ لَا مُكْرِه لَهُ "
وَفِي رِوَايَة : " وَلْيَعْزِمْ الرَّغْبَة فَإِنَّ اللَّه لَا يَتَعَاظَمهُ شَيْء أَعْطَاهُ " قَالَ الْعُلَمَاء : عَزْم الْمَسْأَلَة الشِّدَّة فِي طَلَبهَا ، وَالْجَزْم مِنْ غَيْر ضَعْف فِي الطَّلَب ، وَلَا تَعْلِيق عَلَى مَشِيئَة وَنَحْوهَا ، وَقِيلَ : هُوَ حُسْن الظَّنّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِجَابَة . وَمَعْنَى الْحَدِيث : اِسْتِحْبَاب الْجَزْم فِي الطَّلَب ، وَكَرَاهَة التَّعْلِيق عَلَى الْمَشِيئَة ، قَالَ الْعُلَمَاء : سَبَب كَرَاهَته أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّق اِسْتِعْمَال الْمَشِيئَة إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّه عَلَيْهِ الْإِكْرَاه ، وَاَللَّه تَعَالَى مُنَزَّه عَنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِر الْحَدِيث : فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِه لَهُ ، وَقِيلَ : سَبَب الْكَرَاهَة أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظ صُورَة الِاسْتِعْفَاء عَلَى الْمَطْلُوب وَالْمَطْلُوب مِنْهُ . (32)
(9) إخفاء الدعاء :
قال تعالى : " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً"{الأعراف:55}
وامتدح الله عبده ونبيه زكريا فقال : "إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)"{مريم:3}
ولقوله صلى الله عليه وسلم : "أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ". (33)
وفي رواية للبخاري : " إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ ".(34)
وفي رواية للإمام أحمد : " إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا ،إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ". (35)
قال الإمام النووي – رحمه الله - : اربعوا بهمزة وصل ، وبفتح الباء الموحدة ، معناه ارفقوا بأنفسكم ، واخفضوا أصواتكم ، فإن رفع الصوت إنما يفعله الإنسان لبعد من يخاطبه ليسمعه ، وأنتم تدعون الله تعالى ، وليس هو بأصم ، ولا غائب ، بل هو سميع قريب ، وهو معكم بالعلم والإحاطة ، ففيه الندب إلى خفض الصوت بالذكر ، إذا لم تدع الحاجة إلى رفعه ، فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه. اهـ (36)
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا " فِي الدُّعَاءِ . (37)
وذكر ابن القيم – رحمه الله – عشرة فوائد عظيمة في إخفاء الدعاء من أراد أن يتتبعها فعليه بمراجعتها في كتابه " التفسير القيم "
(10)النهي عن الاعتداء في الدعاء :
عَنْ أَبِي نَعَامَةَ ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الأَبْيَضَ ، عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ , إِذَا دَخَلْتُهَا ، فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّ ، سَلِ اللَّهَ الْجَنَّةَ , وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ.(38)
قال العلامة شرف الحق العظيم آبادي – رحمه الله – قال بعض الشراح : إنما أنكر عبد الله على ابنه في هذا الدعاء لأن ابنه طمع ما لا يبلغه عملاً حيث سأل منازل الأنبياء ، وجعله من الاعتداء في الدعاء لما فيه من التجاوز عن حد الأدب ، وقيل لأنه سأل معينًا ، والله أعلم " اه
وقال أيضًا : " والمراد بالاعتداء فيه مجاوزة الحد ، وقيل الدعاء بما لا يجوز ورفع الصوت به والصياح ، وقيل سؤال منازل الأنبياء عليهم السلام اه (39)
وقال ابن القيم – رحمه الله - وقوله تعالى: " إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " قيل المراد أنه لا يحب المعتدين في الدعاء إلى أن قال : فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات، وتارة بأن يسأل ما لا يفعله الله ، مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة ، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب ، أو يسأله أن يطلعه على غيبه ،أو يساأله أن يجعله من المعصومين ، أو يسأله أن يهب له ولدًا من غير زوجة ولا أمة ، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء فكل سؤال يناقض حكمة الله أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به ،فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحبه رسوله .
وفسر الاعتداء برفع الصوت أيضًا في الدعاء . قال ابن جريح : من الاعتداء رفع الصوت في الدعاء ، والنداء في الدعاء والصياح .
وبعد فالآية أعم من ذلك كله ، وإن كان الاعتداء في الدعاء مرادًا بها فهو من جملة المراد ، والله لا يحب المعتدين في كل شيء ، دعاء كان أو غيره، كما قال : " وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" { البقرة :190 }.
وعلى هذا فيكون قد أمر بدعائه وعبادته وأخبر أنه لا يحب أهل العدوان ، وهم الذين يدعون معه غيره ، فهؤلاء أعظم المعتدين عدوانًا . فإن أعظم العدوان هو الشرك ، وهو وضع العبادة في غير موضعها، فهذا العدوان لا بد أن يكون داخلاً في قوله : " إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ "{ الأعراف :55}
ومن العدوان : أن يدعوه غير متضرع ،بل دعاء مُُُُدلّ كالمستغني بما عنده المدل على ربه به ، وهذا من أعظم الاعتداء المنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته ، فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد .
ومن الاعتداء : أن تعبده بما لم يشرعه ، وتثني عليه بما لم يثن به على نفسه ولا أذن فيه .
فإن هذا اعتداء في دعاء الثناء والعبادة ، وهو نظير الاعتداء في دعاء المسألة والطلب.
وعلى هذا فتكون الآية دالة على شيئين :
أحدهما محبوب للرب تبارك وتعالى مرضي له ، وهو الدعاء تضرعا وخفية .
الثاني : مكروه له مبغوض مسخوط ، وهو الاعتداء ، فأمر بما يحبه الله وندب إليه وحذر مما يبغضه وزجر عنه بما هو ابلغ طرق الزجر والتحذير.وهو أنه لا يحب فاعله ، ومن لم يحبه الله فأي خير يناله ؟ وفي قوله: " إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " عقب قوله : " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً" دليل على أن من لم يدعه تضرعًا وخفية فهو من المعتدين الذين لا يحبهم . فقسمت الآية الناس إلى قسمين داع لله تضرعًا وخفية ، ومعتد بترك ذلك.(40)
(11)علو الهمة في الدعاء :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :" إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلاَ يَقُلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى إِنْ شِئْتَ ،وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ".(41)
و عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :" إِذَا سَأَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيُكْثِر، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ رَبَّهُ".(42)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَامَ رَمَضَانَ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا . فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلاَ نُبَشِّرُ النَّاسَ . قَالَ :" إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ ".(43)
وعَنْ عَبْد اللهِ ، قَالَ : قَالَث أمُّ حَبيبَةَ - زَوْجُ النًّبِيَّ صلى الله عليه وسلم - : اللهُمَّ ! أمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَبِأبِي أبِى سُفْيَانَ ، وَبِأخِي مُعَاوِيَةَ .قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " قَدْ سَألتِ اللهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَة ، وَأيَّامٍ مَعْدُودَة ، وَأرْزَاق مَقْسُومَة ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ ، أوْ يُؤخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّه ، ً وَلَوْ كُنْت سَألتِ اللهَ أنْ يعيذَك مِنْ عَذَاب فِي النَّار ، أو عَذَابٍ فِي القَبْرِ ، كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ" .(44)
قال الإمام النووي رحمه الله : " فإن قيل : " ما الحكمة في نهيها عن الدعاء بالزيادة في الأجل لأنه مفروغ منه ، وندبه إلى الدعاء بالاستعاذة من العذاب ، مع أنه مفروغ منه أيضاً كالأجل ؟ فالجواب : أن الجميع مفروغ منه ، لكن الدعاء بالنجاة من عذاب النار ومن عذاب القبر ونحوهما عبادة ، وقد أمر الشرع بالعبادات ، فقيل : أفلا نتكل على كتابنا وما سبق لنا من القدر ؟ فقال : اعملوا فكل ميسر لما خُلق له ، وأما الدعاء بطول العمر فليس عبادة ، وكما لا يحسن ترك الصلاة والصوم والذكر إتكالاً على القدر فكذا الدعاء بالنجاة من النار ونحوه. والله أعلم . (45)
وأقول : من المعلوم أن الأعمال سبب في دخول الجنة أو النار، فما كان منها صالحًا ابتغي به وجه الله كان سببًا في دخول الجنة ،وما كان منها كفرًا، أو بدعًا، أو كبائر، كان سببًا في دخول النار، فيخلد في النار كل من مات على الكفر، أو الشرك، أو النفاق الاعتقادي ،ويخرج منها الموحدين ، ومن تأمل قوله صلى الله عليه وسلم : " حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ". (46)تبين له ذلك . ومن المعلوم أيضًا أن سؤال العباد لربهم النجاة من عذاب النار ،وعذاب القبر دليل على إشفاقهم من عذاب الله ،تعظيمًا لمقام الله عندهم مع قيامهم بأعمال أهل الإيمان كما قال تعالى في سورة "المعارج" بعد أن ذكرهم وامتدحهم بصفاتهم وأعمالهم : " وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ "{المعارج :27 } وكما معلوم لنا أيضًا أن هذا يكون سببًا في أمنهم يوم القيامة من عذاب الله ،كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن ربه تبارك وتعالى : " وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي، لاَ أَجْمَعُ لِعَبْدِي أَمْنَيْنِ وَلاَ خَوْفَيْنِ ، إِنْ هُوَ أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا ، أَخَفْتُهُ يَوْمَ أَجْمَعُ عِبَادِي ، وَإِنْ هُوَ خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ أَجْمَعُ عِبَادِي ".(47)، وأيضًا يأتي العبد المسلم الذي كان يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار ، فتحاج الجنة والنار عنه يوم القيامة كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم : :"مَنْ سَأَلَ اللهَ الْجَنَّةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، قَالَتِ الْجَنَّةُ : اللَّهُمَّ! أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، قَالَتِ النَّارُ : اللَّهُمَّ ! أَجِرهُ مِنَ النَّارِ".(48)
ما يقوله من أراد الاجتهاد في الدعاء
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " أتُحِبُّونَ أيُّها النَّاسُ أنْ تَجْتَهِدُوا في الدُّعَاءِ ؟ قولوا :اللَّهمَّ أعِنَّا على شُكْرِكَ ، وذِكْرِكَ ، وحُسْنِ عَبَادَتِكَ " (49)
(12) النهي عن السجع في الدعاء :
عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ ، فَإِنَّ أَكْثَرْتَ فَثَلاَثَ مِرَارٍ ، وَلاَ تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ ، وَلاَ أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِى الْقَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ ، فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ ، وَلَكِنْ أَنْصِتْ ، فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ ، فَانْظُرِ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ ، فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ ذَلِكَ. يَعْنِى لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ ذَلِكَ الاِجْتِنَابَ.(50)
وقال الإمام ابن الجوزي –رحمه الله- : " أصل السجع : القصد المستوى ، وسجع الحمامة موالاة صوتها على طريق واحدة.0 قال الليث : سجع الرجل إذا انطق بالكلام له فواصل .وقول رسول الله : أسجع كسجع الأعراب . إنما كرهه لمشاكلته كلام الكهان ، ونهى عن السجع في الدعاء ، لأن ذلك ينبغي عن حرقة القلب لا عن تصنع ، وقد يقع عن تصنع ، وقد يقع غير تصنع فلا يذم لقوله :" أعوذ بك من قلب لا يخشع ، ومن عين لا تدمع ".(51)
وقال الحافظ بن حجر –رحمه الله – في شرحه قول ابن عباس : " أي لا تقصد إليه ، ولا تشغل فكرك به، لما فيه من التكلف المانع للخشوع المطلوب في الدعاء.(52)
و قال الإمام الخطابي – رحمه الله – وقد أولع كثير من العامة بأدعية منكرة اخترعوها، وأسماء سموها، ما أنزل الله بها من سلطان ، وقد يوجد في أيديهم دستور من الأسماء والأدعية يسمونه " الألف أسم " صنعها لهم بعض المتكلفين من أهل الجهل والجرأة على الله عز وجل ، أكثرها زورًا وافتراءً على الله عز وجل ، فليتجنبها الداعي إلا ما وافق الصواب إن شاء الله . اهـ (53)
(13)الحرص عند الدعاء بالمأثور أن يكون بلفظه 54)
عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r: " إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ ". قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ r ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ، قَالَ: " لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ".(55)