بسم الله الرحمن الرحيم
فإن من خصائص الإلهية التفرد بملك الضر والنفع والعطاء والمنع" كما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : {لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت} هذا مما يملكه الله سبحانه وتعالى وحده.
"وذلك يوجب تعليق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل به وحده" لأنه هو الذي يملك العطاء والمنع والضر والنفع، من يدعى؟! من يرجى؟! من يستغاث به؟! من يُلاذ به عند الشدائد؟! إنه الله وحده.
وأما المشركون فقد عكسوا ذلك، فأصبحوا يدعون من دون الله آلهة في وقت الرخاء، وأما في وقت الشدة فإنهم ينسون تلك الوسائط -كما كان المشركون الأولون- قال تعالى في وصف حالهم: حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [يونس] في هذه اللحظة، نسوا الوسائط، لكن إذا أنجاهم إلى البر إذا هم يشركون به ويدعون غيره معه أو من دونه، فوقعوا في الشرك مرة أخرى.
ويقول ابن القيم رحمه الله: "فمن علق ذلك بمخلوق"، يعني: الدعاء والخوف والرجاء "فقد شبهه بالخالق" من جهة أنه أضفى عليه خصائص الإلهية، "وجعل من لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً -فضلاً عن غيره- شبيهاً لمن له الأمر كله فأزمة الأمور كلها بيده ومرجعها إليه".
جعله كالحي القيوم سبحانه وتعالى، الذي بيده كل هذه الأمور، وإليه مرجعها، "فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، بل إذا فتح لعبده باب رحمته لم يمسكها أحد، وإن أمسكها عنه لم يرسلها إليه أحد" : مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر] فهو الذي بيده كل شيء، وعنده سبحانه وتعالى خزائن كل شيء، وإليه المنتهى وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى [النجم] منتهى الإرادات ومنتهى المطالب ومنتهى المنى، كل ذلك ينتهي إلى الله سبحانه وتعالى.
أي مخلوق تصورت أنه يمكن أن يعطيك أو يساعدك أو يضرك أو ينفعك، ففكر بعقلك: من الذي خلقه؟! من الذي أوجده؟! من أعطاه؟! تجد في النهاية أنك تستيقن وتعلم قطعاً َأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ، فهو وحده الذي يسأل ويستعان به ولا سيما وهو كما قال الشاعر:
الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبني آدم حين يسأل يغضب
إذاً: اطلب الغني الكريم الذي بيده كل شيء، وبيده خزائن كل شيء، ويريد أن تسأله، ويغضب إن لم تسأله وتطلبه، فكيف تلجأ إلى المخلوقين وتتخذ منهم وسائط من دونه؟!
إلى أن يقول ابن القيم رحمه الله: "فمن أقبح التشبيه تشبيه هذا العاجز الفقير بالذات... بالقادر الغني بالذات" تبارك وتعالى.
وهذا المنهج لو تأملناه لوجدنا أنه قرآني، فالله تبارك وتعالى في القرآن، حتى وهو يأتي بقصة أو بخبر، فإنه يأتي بإشارة أو دلالة قوية على أهمية التوحيد، أو تجلية لجانب معين من جوانب التوحيد تتعلق بهذا الموضع، وهكذا الذين يسيرون على منهج القرآن والسنة في الدعوة والفهم والحكمة والبصيرة التي أمر الله تعالى بها، ويستنبطون من القرآن؛ فـابن تيمية -مثلاً- وهو يتكلم عن مشابهة المشركين ومحبتهم كما في اقتضاء الصراط المستقيم يعرج على موضوع الشرك، وفي الصارم المسلول يعرج على موضوع الكفر وأنواعه وهكذا.
والله الموفق