وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ
قال تعالى : {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ ۖ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا }
"سورة طه - آية 108"
تفسير بن كثير
يقول تعالى { ويسألونك عن الجبال} أي هل تبقى يوم القيامة أو تزول؟ { فقل ينسفها ربي نسفا} أي يذهبها عن أماكنها ويمحقها ويسيرها تسييراً ""أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: قالت قريش: يا محمد كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة، فنزلت الآية"" { فيذرها} أي الأرض { قاعا صفصفا} أي بساطاً واحداً، والقاع هو المستوي من الأرض، والصفصف تأكيد لمعنى ذلك، وقيل الذي لا نبات فيه، والأول أولى، وإن كان الآخر مراداً أيضاً باللازم، ولهذا قال: { لا ترى فيها عوجا ولا أمتا} لا ترى في الأرض يومئذ وادياً ولا رابية ولا مكاناً منخفضاً ولا مرتفعاً، كذا قال ابن عباس وغير واحد من السلف { يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له} أي يوم يرون هذه الأحوال، يستجيبون مسارعين إلى الداعي حيثما أمروا بادروا إليه، ولو كان هذا في الدنيا لكان أنفع لهم، ولكن حيث لا ينفعهم كما قال تعالى: { أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا} ، وقال: { مهطعين إلى الداع} وقال محمد القرظي: يحشر اللّه الناس يوم القيامة في ظلمة، وتطوى السماء وتتناثر النجوم وتذهب الشمس والقمر، وينادي مناد فيتبع الناس الصوت يؤمونه، فذلك قوله: { يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له} قال السهيلي: الداعي: هو إسرافيل عليه السلام، وهو المنادي المذكور في سورة ق في قوله تعالى: { واستمع يوم ينادي المناد من مكان قريب} ، وقال قتادة: لا عوج له لا يميلون عنه، وقال أبو صالح: لا عوج له: لا عوج عنه، { وخشعت الأصوات للرحمن} قال ابن عباس: سكنت، وكذا قال السدي، { فلا تسمع إلا همسا} قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: يعني وطء الأقدام. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { فلا تسمع إلا همسا} الصوت الخفي، وقال سعيد بن جبير: الحديث وسره، ووطء الأقدام، فقد جمع سعيد كلا القولين، وهومحتمل، أما وطء الأقدام فالمراد سعي الناس إلى المحشر وهو مشيهم في سكون وخضوع، وأما الكلام الخفي فقد يكون في حال دون حال، فقد قال تعالى: { يوم يأت لا يكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد} .
تفسير الجلالين
{ يومئذ } أي يوم إذ نسفت الجبال { يتبعون } أي الناس بعد القيام من القبور { الداعي } إلى المحشر بصوته وهو إسرافيل يقول: هلموا إلى عرض الرحمن { لا عوج له } أي لاتباعهم: أي لا يقدرون أن لا يتعبوا { وخشعت } سكنت { الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا } صوت وطء الأقدام في نقلها إلى المحشر كصوت أخفاف الإبل في مشيها .